13 مايو 2024 , 8:29

صدر حديثا: كتاب «الجزيرة وقطر» .. خطابات السياسة وسياسات الخطاب

a6b0d3ac3782c84ae261893ad36e8a0a_w570_h0 - Copieلطالما كانت مناطق التقاطع بين الإعلام بكل تفرعاته، والأجندة السياسية التي يحملها، مبحثا مهما للباحثين والممارسين المهتمين.

يستعرض كتاب “الجزيرة وقطر.. خطابات السياسة وسياسات الخطاب” كما هائلا من التناقضات “المعرفية”، السياسية، والإعلامية المهنية على أداء الفضائية التي تبث من الدوحة، الممولة بالكامل من قبل الحكومة القطرية.

الكتاب صادر عام 2013 من دار النشر الجادة “إفريقيا الشرق” الشهيرة بترجماتها ودراساتها العربية المختلفة، وقام بكتابته المحاضر والباحث محمد أحمد أبو الرب، وهي عبارة عن دراسة لقسم الإعلام في جامعة “بيرزيت” الفلسطينية.

لقد كانت “الجزيرة” القطرية، وما زالت، تثير عددا من الأزمات السياسية بين البلدان العربية، فضلا عن دعم الحركات الأصولية مثل “الإخوان المسلمين” والحركات الجهادية المختلفة.

a6b0d3ac3782c84ae261893ad36e8a0a_w570_h0من هنا، بحسب الباحث “أمكن القول إن تحليل الخطاب الإعلامي لا ينفصل عن البنية الجمعية التي ينتج خلالها ويصدر، خصوصا تأثره بالأبعاد السياسية والاجتماعية والأيديولوجية، وقد يعتمد خطاب المرئي على بعض هذه الأبعاد بغية التأثير في الأبعاد الأخرى، أو استغلالها في توجيه خيارات الجمهور تجاه أحداث ومواقف يرغب خطاب المرئي في تعميمها وتشكيل رأي عام حولها”.

يناقش الفصل الأول، “التلفزيون بين تراكم الصور وخلق واقع تقني” مستعينا في تنظيره التمهيدي بأهم نظريات الفلسفة الإعلامية التي ساهم في تأطيرها وتبسيطها أساتذة من المتخصصين في الإعلام وعلم الاجتماع والسياسة. مثل “بيير بورديو” و”جان بوديار” و”ريجيس دوبريه” وغيرهم.

يركز الكاتب في فصله التنظيري، على إثارة الجمهور تجاه قضايا منتقاة، سواء محلية أو دولية، وإتاحة المجال للجمهور للمشاركة والتعليق عليها على اعتبار أن المرئي “منبر من لا منبر له”، يعني أن يصبح المواطن العادي محللا سياسيا من نوع ما، محتكما في تحليله إلى دائرة عرض المرئي (الجزيرة) ومحيطها وليس دائرة الحدث ومحيطه الحقيقي.

بالتالي “فإن إتاحة منبر لمن لا منبر له، ليست سوى تصدير لتصور ساذج حول واقعة معينة، يراد من خلالها إثارة جمهور “المرئي” وإشغاله بوعي من قبل الوسيلة الإعلامية” بحسب الباحث.

ينتقل أبو الرب في فصله الثاني إلى نقاش أكثر تحديدا تحت اسم “خطاب الجزيرة ودبلوماسية قطر” التي يشرح فيها “آلية تزويد ذهنية المتلقي للوسائط الإعلامية بشحنات مخففة من الوجبات الأيديولوجية المعدة مسبقا”.

يستمر المؤلف في سلسلة سردية من التصريحات الدالة على انسجام قناة “الجزيرة” مع الدوحة مع مصادر هذه التصريحات بالطبع، لينفي عنها صفة “الاستقلالية” التي يروج لها دائما من قبل مريديها والعاملين فيها.

فيشير إلى تصريح حمد بن ثامر آل ثاني، الذي حدد فيه مسار قناة الجزيرة “بأنها ذاهبة في نفس اتجاه الدولة القطرية في تطورها، ومن الطبيعي أن يكون اتجاه الجزيرة من حيث اختيار المراسلين، أولئك الذين يأخذون باستراتيجية قطر في هذه المرحلة”.

وفي استشهاد آخر على لسان ياسر أبوهلالة مدير مكتب قناة الجزيرة في حينها في الأردن، ذكر أنه لا ينكر أن “الجزيرة جزء منها تخطيط من حاكم لبناء أدوات نفوذ من خلال السيطرة على الفضاء الإعلامي، وجزء منها ضربة حظ”.

وكاستشهاد أخير يدلل على أنه لا يمكن فهم قناة الجزيرة إلا كجزء من مشروع قطر، وليس صحيحا اعتبارها غير ذلك، قبل الابتعاد لفصول أخرى من الكتاب.

يورد الباحث تصريحا لوزير خارجة الدوحة لمراسل قناة mbcفي عام 1992 بعد انتهاء الصراع بين اليمن الشمالي والجنوبي، قائلا “نحن بعنا طائراتنا لأبوظبي، لسنا بحاجة إلى طيران وعسكر، نحن نؤسس لقناة ستكون القوات المسلحة القطرية”.

الجزيرة الناطقة بـ”العربية” و”الإنجليزية”

في هذا المبحث يورد الكاتب مفارقات لافتة في الخط التحريري للقناتين الممولة بالكامل من الحكومة القطرية.

ويتفق فيه مع الدكتور عادل إسكندر، أستاذ الإعلام في جامعة جورج تاون في اعتبار أن قناة “الجزيرة” باللغة العربية هي “الرأي” بينما “الجزيرة” باللغة الإنجليزية هي “الرأي الآخر”. والدافع لهذا التصنيف هو التفاوت في خطاب كل من القناتين.

فالجزيرة الإنجليزية، تستخدم كلمة “قتيل” بينما تسوق القناة الناطقة باللغة العربية الشحنة العاطفية والأيديولوجية على الجمهور العربي عبر استخدام كلمة “شهيد”.

والمثال الآخر الذي يدركه المتابع للجزيرة الإنجليزية، استخدامها مصطلح “الجدار الأمني”، بدلا من مصطلح “جدار الفصل العنصري” المستخدم في القناة الناطقة بالعربية. أما مصطلح “قوات الاحتلال الإسرائيلي” المستخدم في الناطقة بالعربية، غالبا لا يستخدم في القناة الإنجليزية ويكون البديل “القوات الإسرائيلية”. ومن المفارقات الأخرى بين الجزيرة الناطقة بالعربية والناطقة بالإنجليزية، أن الأخيرة عينت المتحدث باسم القوات الأمريكية في قاعدة “العديد” جوش رشنج، مراسلا لها.

يخلص الباحث في هذا المبحث بعد سوقه عددا كبيرا من الشواهد مع مصادرها، أن “ما يميز عمل كل من القناتين، أن النموذج العربي يعتمد على تصوير الأحداث بقالب عاطفي مؤدلج بما يتناسب ورغبات الجمهور العربي، ويعترف المحرر في الجزيرة “إبراهيم هلال” أن العاطفة جزء من القصة، وأن روح الكذب الإخباري في العاطفة. أما بالنسبة إلى القناة الناطقة بالإنجليزية فإنها تطبق النموذج الأمريكي في الإعلام، حيث إن خسارة الهدوء تعني خسارة الموضوعية، وخسارة الموضوعية تعني أن النقاش وما يصدر على أنه حقائق هو توقعات”.

يستمر الكتاب في فصوله المتبقية بلفت النظر بالإشارات المفصلة والتحليل في دور “الجزيرة” وتغطية الملف الفلسطيني الداخلي، ويغطيها بأكثر من مبحث.

فيما ينتقل للفصل ما قبل الأخير تحت مبحث “الجزيرة (قطر) والاستفادة من الأزمات”.

وينتقل في فصله الأخير تحت عنوان “الجزيرة وبناء النموذج القطري”. الذي ربما يكون مناسبا إيراد قصة من ضمن عشرات القصص التي أوردها المؤلف، لختم هذا العرض المختصر للكتاب.

ففي سياق آخر من سياقات الإفادة والإفادة المتبادلة بين الجزيرة وقطر، خصصت الأولى بحسب أبو الرب، برنامج “ما وراء الخبر” في عام 2008 للحديث عن الدورة الخامسة لمنتدى أمريكا والعالم الإسلامي في الدوحة.

يقول أبو الرب “يلاحظ من طبيعة التغطية السابقة، سعي الجزيرة لتعزيز موقف جماهيري إيجابي من تصريحات وزير الخارجية القطري، فقد علق علي الظفيري (مقدم البرنامج) بالقول إن كلام الوزير لخص كل ما يجري في العالم الإسلامي، وبالتالي هو يوصي وقناة الجزيرة الولايات المتحدة تغيير سياستها، والتوقف عن الكيل بمكيالين، لكن كلام الوزير السابق هو الشق الأول من مقولة “الرأي والرأي الآخر”، فقد غيبت قناة الجزيرة التأكيد على حديث الأمير حمد في كلمته باللغة الإنجليزية من أن بلاده تتمتع بعلاقات متينة مع الولايات المتحدة، وأن هنالك تحالفا قويا بينهما، وأن استمرار متانة هذه العلاقات أمر مهم جدا بالنسبة لقطر – على حد قوله”. سعى الكتاب في تناغم رشيق بين النظرية العلمية والرصد العلمي الدقيق، إلى اتباع منهجية نقدية بمعايير “الإعلام المحترف”، وإضفاء بعد مغيب عند النقاش عن قناة “الجزيرة”، المليء بالتناقضات والاستقطابات السياسية، المحكومة دائما بمصلحة الدوحة، العاصمة القطرية.

محمد جزائري

شاهد أيضاً

انواكشوط: انطلاق الملتقى العلمي حول “الشباب في مواجهة التطرف.. موريتانيا أنموذجا”

اافتتح وزير الثقافة والشباب والرياضة والعلاقات مع البرلمان، السيد أحمد ولد سيد أحمد ولد أج، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *