خلدت سفارة المملكة المغربية بنواكشوط الليلة البارحة الذكري الرابعة عشر لجلوس الملك المغربي محمد السادس على العرش، وقد مثلت الحكومة الموريتانية بهذه المناسبة من طرف حامد حمونى الوزىر المكلف باتحاد المغرب العربى، بالإضافة إلى حضور رؤساء الأحزاب السياسية وعدد كبير من الإعلاميين والوجهاء وقادة الراي بالبلد، وقد ألقى سعادة السفير كلمة بهذه المناسبة جاء في نصها:
الحمد لله وحده والصلاة والسلام على مولانا رسول الله وآله وصحبه
أصحاب المعالي والسعادة، السيدات والسادة الأساتذة الأفاضل، معشر الحضور الكريم،
يطيب لي أن أتوجه إليكم بخالص عبارات الشكر والامتنان على مشاطرتنا الاحتفال بهذه المناسبة السعيدة، التي يحتفل فيها الشعب المغربي بالذكرى الرابعة عشرة لجلوس صاحب الجلالة الملك محمد السادس على عرش أسلافه المنعمين، وهي مناسبة متجددة، يعبر فيها الشعب المغربي عن ولائه وإخلاصه للعرش العلوي المجيد، وفاء لعقد البيعة الوثيق، بما يقوم عليه من التزامات متبادلة بين العرش والشعب. وهي أيضا بمثابة محطة نتوقف عندها لاستقراء ما تحقق من منجزات على مسار توطيد البناء الديمقراطي، وتقدم أوراش التنمية الاقتصادية والاجتماعية، في إطار الخيارات الإستراتيجية التي وضعها قائد البلاد ورمز وحدتها صاحب الجلالة الملك محمد السادس، هذا من جهة ومن جهة ثانية تعتبر هذه المناسبة فرصة لتقديم صورة موجزة عن مسار العلاقات المغربية الموريتانية. حضرات
لقد حدد المغرب لنفسه ما يريده من خيارات مصيرية، فقد اختارت المملكة المغربية، تحت القيادة الرشيدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، أن تسير على درب الديمقراطية واحترام حقوق الإنسان ومراعاة المقومات المكونة لهويتها، ومواصلة مسلسل الإصلاحات الهيكلية القطاعية، بموازاة مع اعتماد سياسة اقتصادية ومالية، ترمي إلى توفير الشروط الضرورية لتحقيق نمو اقتصادي قوي وسليم ودائم، كفيل بتحقيق أهداف الألفية الثالثة. وتعد اللحظة الراهنة، بتطلعاتها الواعدة، مناسبة مواتية ليأخذ مغرب الغد الوتيرة العالية للإصلاح والنمو، بطموحات شبابية وبدينامية مؤسساته.
وبالرغم من الظرفية الدولية الصعبة التي طبعت الاقتصاد العالمي بتقلبات غير مسبوقة، فقد استطاع المغرب مواجهة هذه الإكراهات بفضل نجاعة أوراش وإصلاحات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبمواصلة توطيد البناء الديمقراطي بكل ثقة ومصداقية.
لقد أرسى المغرب دعائم مساره الديمقراطي عبر اعتماد دستور جديد للمواطن، انبثق عن مشاورات شملت جميع القوى الحية في المملكة، وحظي بإجماع الأمة عليه عبر استفتاء شعبي، وهو دستور يجسد الحرص على التحول الديمقراطي السلمي، ويشكل نقطة الانطلاقة للطريق نحو الديمقراطية الحقة وترسيخ حقوق الإنسان، المنبثقة من إرادة ملكية وشعبية ملتزمة ومتضامنة وقوية، تتجسد في دولة إسلامية عربية، أمازيغية صحراوية حسانية، غنية بروافدها الإفريقية والأندلسية والعبرية والمتوسطية. وتقوم مرتكزات المرحلة الدستورية على عدة محاور، تكمن في التكريس الدستوري للطابع التعددي للهوية المغربية، وترسيخ دولة الحق والقانون وتوسيع مجال الحريات الفردية والجماعية، والارتقاء بالقضاء إلى سلطة مستقلة وتعزيز صلاحيات المجلس الدستوري، وتوطيد مبدأ فصل السلط وتوازنها من خلال تقوية مكانة رئيس الحكومة، وتعزيز الآليات الدستورية لتأطير المواطنين بتقوية دور الأحزاب وتكريس مكانة المعارضة والمجتمع المدني، وتقوية وتخليق الحياة العامة، وربط ممارسة السلطة والمسؤولية العمومية بالمراقبة والمحاسبة، ويعزز آليات الحكامة الجيدة وحقوق الإنسان وحماية الحريات، ويكرس مغرب الجهوية الموسعة، إنها مقتضيات لتفعيل الدستور الجديد وبناء مغرب الغد. ويمكن القول أن المغرب تمكن، وفي ظرف وجيز، من قطع أشواط كبرى في ترجمة أحكام ومبادئ وقواعد الدستور الجديد، عبر تشكيل مجلس للنواب وحكومة وليدة انتخابات حرة ونزيهة، ثم الانتقال إلى تنزيل أحكام هذا الدستور عبر ترجمته العملية إلى قوانين ومساطر وأحكام عملية تهم مجالات تتعلق بالشأن الحكومي والحريات العامة وإحداث المجالس والهيئات الوطنية التي أحدثها الدستور، عبر برنامج تشريعي متكامل وغني تنخرط فيه الحكومة والبرلمان، وبذلك يكون المغرب قد انتقل إلى مرحلة جديدة في مساره الديمقراطي، مطبوعة بالحكامة الجيدة وتخليق الحياة العامة وإذكاء روح المواطنة الحقة والحفاظ على الروح التي تحكم الدستور الجديد للبلاد. حضرات السيدات والسادة، لا تكفي الديمقراطية اليوم لوحدها للاستجابة لمطالب الشارع، إذا لم يجد الإنسان ما يلبي متطلبات عيشه الآمن، فالهدف الأسمى يظل هو تحقيق تنمية ورخاء الشعوب، وهذا لن يتأتى إلا بفعل برامج التنمية الاقتصادية والاجتماعية للحكومات. في هذا السياق وانسجاما مع التقدم الذي حققه المغرب على درب مساره الديمقراطي، أولى صاحب الجلالة الملك محمد السادس اهتمامه للنهوض بأوراش كبرى متعددة ومفتوحة على كل مناطق وجهات المملكة منها الرائدة عالميا، عبر اعتماد استراتيجيات قطاعية في مختلف المجالات، ومن بين هذه الأوراش الرائدة، مشروع السكن الاجتماعي لمحاربة دور الصفيح الموجه لذوي الدخل المحدود، ونظام التغطية الصحية والاستفادة من مجانية العلاج عبر بطاقة المساعدة الطبية المعممة وطنيا على حوالي 8 ملايين ونصف مليون مواطن من الأشخاص المعوزين أو ذوي الدخل المحدود، ثم مواصلة مشروع المغرب الأخضر الذي يعد أحد الدعامات الكبرى للاقتصاد المغربي الهادف إلى خلق 900 مشروع فلاحي باستثمارات تناهز 150 مليار درهم لخلق أقطاب للتنمية الفلاحية، وإرساء برامج مكثفة لفائدة صغار الفلاحين، بهدف عصرنة الفلاحة وتحسين الإنتاج وتثمين المنتوج الفلاحي بالإضافة إلى التنمية الفلاحية. إنه مغرب الاوراش الكبرى، عبر مخططات قطاعية طموحة ومشاريع تنموية رائدة، منها مشروع الطاقات المتجددة عبر إحداث أكبر مشروع محطة شمسية لإنتاج الكهرباء في العالم بورزازات جنوب الأطلس الكبير، ومشروع تدعيم البنى التحتية عبر توسيع الشبكة الوطنية للطرق السيارة بآلاف الكيلومترات، ومشروع خط القطار الفائق السرعة، بالإضافة إلى أحد أكبر الموانئ عالميا، الأول في حوض البحر الأبيض المتوسط من حيث التجهيزات والمساحة المغطاة والأرصفة والأنشطة التجارية، والذي يلعب اليوم دور قاطرة للتنمية خاصة بالنسبة لمدن شمال المملكة. إن المغرب يشهد نموا سريعا ومتواصلا، نتيجة للإصلاحات الاقتصادية الهيكلية التي اعتمدها منذ مطلع الألفية الثالثة، ونهج سياسة اقتصادية سليمة، ومن أبرز تجليات ومؤشرات النمو، تحسن مناخ الأعمال، وتوسع الاستثمار، وارتفاع مستوى المعيشة وتأهيل العنصر البشري من خلال التعليم والتكوين، مما مكن من تدعيم الاستهلاك الداخلي، وتنوع القاعدة الإنتاجية، وبروز نشاطات جديدة، شكلت قاطرة للنمو في قطاعات الصناعة والفلاحة والصيد البحري والخدمات والطاقة والتكنولوجيا الحديثة، ثم السياحة عبر إنشاء مركبات سياحية كبرى في تاغازوت ناحية أكادير، كلميم، السعيدية وبحيرة “مارتشيكا” بالناظور ومشاريع أخرى كبرى قيد الدراسة؛ إن مغرب اليوم أصبح واجهة سياحية مميزة بمؤهلات كبيرة ومتنوعة، سياحة المدن العتيقة عبر مخطط مدائن، السياحة القروية والجبلية، وسياحة الشواطئ عبر المخطط الأزرق. لقد نهج المغرب أيضا خيار التنمية الهيكلية والبشرية، من أجل تحقيق تنمية مستدامة، عبر إنجاز الأوراش التنموية الكبرى وتحسين المعيش اليومي للمواطن بالبرامج المحركة للإنتاج والإبداع، والنهوض بالتكافل الاجتماعي والمواطنة التضامنية. في هذا السياق تأتي المبادرة الوطنية للتنمية البشرية، التي أعطى انطلاقتها جلالة الملك محمد السادس، في خطابه السامي بتاريخ 18 مايو 2005، والتي أراد لها جلالته أن تكون وسيلة تشييد وبناء دولة عصرية حداثية من أجل تحقيق الغد الأفضل، والمستقبل المشرق للمواطن المغربي بمختلف فئاته وشرائحه، وذلك عبر خلق تنمية مستدامة تستهدف مواجهة الإشكالية الاجتماعية، وتمكين الشرائح الاجتماعية الضعيفة من الاندماج الاقتصادي والاجتماعي، ومن المشاركة في التنمية الاقتصادية المحلية والجهوية والوطنية عبر مشاريع مدرة للدخل القار والمتيحة لفرص الشغل. وهناك مؤشرات ايجابية عديدة حققتها هذه المبادرة ، التي يقف جلالة الملك محمد السادس ميدانيا على حسن تفعيل أوراشها، هذه الأوراش شملت مختلف القطاعات عبر تنفيذ برامج التأهيل الحضري لعدد من القرى والجماعات، الهادفة إلى تحسين عيش الساكنة المحلية وتعزيز البنيات التحتية الأساسية والحفاظ على البيئة وتهيئة وتقوية الشبكة الطرقية وتوسيعها، وتشييد القاعات المغطاة المتعددة الرياضات، وانجاز ملاعب كرة القدم، وتهيئة الساحات العمومية والفضاءات الخضراء وتجديد شبكة الإنارة العمومية، والنهوض بالتربية البيئية والحفاظ على التراث الطبيعي للمدن والقرى، وتعزيز دينامية المجتمع المدني، وضمان تنمية مندمجة ومستدامة لجميع جهات المملكة من شمالها إلى جنوبها، تروم إضفاء مزايا تنافسية مهمة عليها وجعلها أكثر تنافسية. وقد مكن هذا الورش الملكي الكبير الذي دخل عامه السابع من التوفيق بشكل منسجم، ما بين النمو الاقتصادي والتطور الاجتماعي، من خلال مشاريع على المدى المتوسط والطويل، بانخراط كل القوى الحية للأمة المغربية في برامجها المثمرة. حضرات السيدات والسادة الأفاضل، ويواصل المغرب العمل داخل فضاءاته الجهوية والدولية، تضامنا عربيا- إسلاميا ناجعا، ووضعا متقدما مع أوروبا، واتحادا واعدا من أجل المتوسط، واندماجا إفريقيا ايجابيا، ومع جواره من بلدان الساحل والمغرب العربي، وشراكة بناءة مع دول الشمال، وتعاونا مثمرا بين أقطار الجنوب، وسيظل المغرب مدافعا عن سيادة الدول ووحدتها الوطنية والترابية، وحيثما كانت مهددة أو مغتصبة. وبالنسبة لقضية الوحدة الترابية للمغرب، فقد شكلت المبادرة الخاصة بتخويل الصحراء المغربية حكما ذاتيا في إطار سيادة المملكة ووحدتها الوطنية والترابية، منعطفا هاما في مسار التسوية النهائية لهذا النزاع الإقليمي المفتعل، تقديرا لانسجامها مع الشرعية الدولية ولما تتيحه لجميع أهالي المنطقة من تدبير واسع لشؤونهم المحلية واحترام لخصوصياتهم الثقافية. غير أن الدينامية التي أطلقتها هذه المبادرة من خلال مسار جديد للمفاوضات لم تفض لحد الآن إلى التوصل إلى الحل السياسي التوافقي والنهائي المنشود بفعل غياب الإرادة الصادقة لدى الأطراف الأخرى وتماديها في خطة العرقلة والمناورة. هذا في الوقت الذي تحظى فيه هذه المبادرة الخلاقة بالدعم المتزايد للمجتمع الدولي، وتأكيده على الواقعية والجدية التي تتحلى بها المبادرة المغربية للحكم الذاتي كأساس لتسوية هذا النزاع.
وسيظل المغرب ملتزما بجدية وبحسن نية، بمبادرات وجهود الأمم المتحدة من أجل تخطي المأزق وإنهاء الوضع الحالي والتوصل إلى حل سياسي وواقعي ودائم ومقبول من الطرفين، مرتكزا على المبادرة المغربية للحكم الذاتي وعلى الاحترام الكامل لسيادة ووحدة تراب المملكة. هذا وسيواصل المغرب عمله الدؤوب، في سبيل تحقيق المزيد من التقدم والتنمية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية لأقاليمه الجنوبية، في إطار الالتزام بتفعيل الجهوية المتقدمة، وجعل هذه الربوع من المملكة في صدارتها، لما تتيحه من مشاركة السكان في تدبير شؤونهم المحلية وتحديد مسارهم في التنمية البشرية المندمجة والمستدامة، وصولا إلى بناء مغرب الوحدة والتقدم والرخاء. إن النظام المغاربي الجديد الذي دعا إليه صاحب الجلالة الملك محمد السادس في السنة الماضية، أصبح اليوم وأكثر من أي وقت مضى ضرورة ملحة يتعين ترجمتها إلى واقع حقيقي وملموس لبناء البيت المغاربي المشترك. وهو ما يحتم على الدول المغاربية الخمس الالتزام بعدة مبادئ من بينها الاحترام المتبادل لسيادة الدول والقطيعة مع منطق الجمود، الذي يرهن مستقبل الاتحاد المغاربي بل ويجعل منه المشروع الاندماجي الجهوي الأقل تقدما بقارتنا الإفريقية. وذلك ما يفرض العمل بصدق وحسن نية لبلورة آليات للتضامن والتكامل والاندماج كفيلة بالاستجابة لتطلعات الشعوب المغاربية الشقيقة، بما يحرر طاقاتها ويتيح استثمار مؤهلاتها المشتركة، وحرية تنقل الأشخاص والمنتوجات والخدمات ورؤوس الأموال وتحقيق النمو وخلق الثروات وكذا ضمان الأمن الجماعي. حضرات السيدات والسادة الأفاضل، يسعدني أيضا بهذه المناسبة الغالية، أن أتقاسم وإياكم جملة من الأفكار والمعطيات حول مسار العلاقات المغربية الموريتانية، فأود قبل كل شيء التأكيد لكم بأنها علاقات أخوة متينة وحسن جوار ومصالح مشتركة، وتسير بخطى ثابتة وفق نهج تصاعدي، رسمه قائدا البلدين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز. إنها علاقات، كما هو معروف، نسجها التاريخ العريق بين شعبي البلدين الذي تجسده أواصر الأخوة والقرابة، وتشارك الموروث الثقافي والديني والروابط الاجتماعية، علاقات ترسخت عبر المؤسسات منذ استقلال بلدينا، ثم توطدت وتطورت وتم إغناؤها على مر العقود الأخيرة، بفضل التعاون النموذجي والمتميز القائم بين البلدين الشقيقين. كما يمكن القول بأنها علاقات تحكمها مسارات تاريخية غير قابلة للتراجع أو التغيير أو التأثر بأي ظرفية كانت، علاقات تتطلع إلى مستقبل واعد للرقي بهذا التعاون إلى المستوى المنشود، لجعله أكثر قوة وفاعلية لما فيه الخير للشعبين الشقيقين. وبفضل هذا العمل المشترك البناء، تمكن البلدان هذه السنة من وضع لبنة جديدة على طريق تطوير علاقاتهما الثنائية، تمثلت في عقد الدورة السابعة للجنة العليا المشتركة المغربية الموريتانية بنواكشوط أواخر شهر أبريل، برئاسة السيدين عبد الإله بن كيران رئيس الحكومة ومولاي ولد محمد لغظف الوزير الأول، حيث تكللت أعمالها بالتوقيع على 17 اتفاقية تعاون مشترك شملت مختلف المجالات بهدف فتح آفاق جديدة لتعاونهما، كما أعرب الجانبان خلالها عن ارتياحهما لمستوى العلاقات القائمة بينهما وما تشهده من تطور ايجابي يجسد الإرادة السياسية والتوجيهات السديدة لصاحب الجلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز، وحرصهما المشترك على دعم علاقات التعاون الثنائي والارتقاء بها إلى أعلى المستويات وتكثيف التشاور والتنسيق فيما بينهما. كما دعت اللجنة العليا المشتركة إلى الرفع من مستوى التبادل التجاري الثنائي وتطويره وتنويعه من خلال تنشيط دور المجلس المشترك لرجال الأعمال المغربي- الموريتاني، حتى يساهم في تنمية التبادل التجاري بين البلدين عبر خلق شركات مختلطة واستثمارات مشتركة. وسجلت اللجنة أيضا توافق البلدين إزاء مستقبل اتحاد المغرب العربي، بالدعوة إلى التأسيس لفضاء مغاربي جديد يعزز المكتسبات ويتجاوز الانغلاق والخلافات العقيمة، ليفسح المجال للحوار والتشاور والتكامل والتضامن والتمنية، ويكرس حكامة مغاربية جديدة، وجدد الجانبان دعمهما للحوار المغاربي الأوروبي في إطار 5+5، والعربي الأوربي في إطار الشراكة الأوروبية – المتوسطية، كما سجلا تطابق وجهات نظر البلدين إزاء مختلف القضايا العربية والإفريقية والدولية. ومن المنتظر أن تشهد العلاقات المغربية الموريتانية نقلة نوعية، بفعل التوقيع على مجموعة من الاتفاقيات خلال اجتماعات اللجنة العليا المشتركة، شملت قطاعات اقتصادية حيوية هامة، كتسهيل نقل الأشخاص والبضائع والعبور عبر الطرقات، والإسكان والتعمير والإعداد الترابي، والنفط والغاز، والماء والصرف الصحي، وحماية البيئة، والتأمين، والتكوين المهني وإنعاش الشغل بالإضافة إلى تفعيل دور القطاع الخاص، وهي آفاق واعدة للتعاون من شأنها إعطاء دفعة قوية لمسيرة التعاون بين البلدين نحو مزيد من التكامل والشراكة الفاعلة. ولا بد هنا من الإشادة بما حققه المغرب وموريتانيا خلال هذه السنة من تعاون ثنائي بناء ومثمر في مختلف المجالات، كالصحة والنقل والزراعة والثقافة والفن والشباب والطفولة وغيرها، وهي جميعها أدوات وجسور للتواصل تساهم في تعزيز وتنمية التعاون المشترك وتعكس عمق علاقات الأخوة وحسن الجوار. إلى جانب هذا العمل المشترك والمتقاسم، هناك قطاع للتعاون بين البلدين لا يقل أهمية عن سابقيه، ويتمثل في التعاون في مجال التعليم العالي، إذ تمكن عدد كبير من الطلبة الموريتانيين المستفيدين من منح دراسية مغربية، من متابعة دراساتهم في الجامعات والمعاهد العليا المغربية، في إطار برنامج قار ومستمر منذ عقود، ومن المنتظر أن تجتمع بنواكشوط خلال الأسبوع الأول من شهر غشت المقبل، اللجنة المغربية الموريتانية المكلفة بانتقاء الملفات الخاصة بالمنح والمقاعد الدراسية المخصصة للطلبة الموريتانيين، برسم السنة الأكاديمية 2013-2014. هذا في الوقت الذي تتعزز فيه برامج التكوين المهني والتدريب، الموجهة لفائدة الطلبة الموريتانيين، وذلك لدعم المنظومة الوطنية للتكوين المهني في موريتانيا، من خلال توفير الاستشارة الفنية والتكوين وتبادل الخبرات في عدة مجالات. من جانب آخر، يجب أن لا يغيب عن أذهاننا الدور المتميز الذي يقوم به المركز الثقافي المغربي بنواكشوط، الذي يجسد ما تتميز به العلاقات المغربية-الموريتانية من خصوصية سياسية وثقافية وروحية واجتماعية، بالنظر لنشاطه الثقافي والتواصلي المكثف على مدار السنة، بالتعاون مع المؤسسات الثقافية الحيوية المساهمة في تنشيط الساحة الثقافية والعلمية والفنية بالعاصمة الموريتانية. وقد أصبح المركز الثقافي المغربي اليوم منارة ثقافية وعلمية وفضاء للتواصل بين نخبة المثقفين والإعلاميين والفنانين المغاربة وأشقائهم الموريتانيين. حضرات السيدات والسادة الافاضل، لا يسعني في ختام هذه الكلمة، إلا أن أجدد الترحيب بكم، وأغتنم مناسبة صيام المسلمين أواخر شهر رمضان الأبرك، وابتهاجهم باستقبال عيد الفطر السعيد، وهي مواعيد بهجة وسرور لدى الأمة الإسلامية جمعاء، لأتوجه بخالص الدعاء إلى الله تبارك وتعالى، بأن ينعم على الشعبين المغربي والموريتاني بموفور الوئام والسلام، وموصول التقدم والنماء، وأن يستحضرا ما يربطهما من عميق أواصر الأخوة، ويعين قيادتيهما الرشيدتين صاحب الجلالة الملك محمد السادس وفخامة الرئيس محمد ولد عبد العزيز على رفع التحديات، وتحقيق ما يصبو إليه البلدان الشقيقان من عظيم الآمال وسامي الغايات، في ظل علاقات الإخاء والمحبة والمودة، وسط مغرب عربي موحد ومتضامن. والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.
السيدات والسادة الأفاضل،