شكل استعراض الوزير الأول المختار ولد أجاي لبرنامج السياسة العامة للحكومة الخميس الماضي مادة دسمة لنقاشات الفضاء العام الوطني حول المميزات التي تميز البرنامج الجديد للحكومة عن غيره من البرامج الحكومية السابقة، والإضافات الجديدة التي يمكن استخلاصها من هذا العرض.
ولعل الملاحظات الأبرز التي توقف عندها المراقبون أن البرنامج الجديد للحكومة بدأ باستعراض مجمل التحديات التي ظلت تقف حجرة عثرة أمام مسيرة تنمية البلد وتقدمه في شتى المجالات وهي تحديات أغلبها ذاتي وجزء منها مرتبط بسياقات تاريخية. في حين لبعضها علاقة بعوامل خارجية.
وقرأ المراقبون في استهلال الوزير الأول ولد أجاي لبرنامج حكومته بعرض التحديات رسالة لها بعدين أساسيين هما أولا محاولة لتشخيص الواقع قبل الحديث عن التعهدات والطموحات، وحتى تكون سياسة الحكومة منطلقة من تشخيص واقعي يراعي التحديات ويحاول إيجاد الحلول الممكنة لها.
أما البعد الثاني في استعراض التحديات قبل الحديث عن التعهدات، فهو محاولة تبرير أي إخفاق في الوفاء بالتعهدات الواردة في برنامج الحكومة وإرجاع أي فشل إلى تلك التحديات خصوصا أن بعضها عميق جدا مثل التحديات التاريخية والمجتمعية.
تحديات ماثلة
قبل عرض لبرنامج الحكومة استعرض الوزير الأول تحديات ظلت تعترض طريق تنمية البلد وهي:
التحدي الأول مرتبط بمدى رسوخ دولة المؤسسات والحكامة
إن حداثة عهدنا نسبيا بالدولة العصرية والظروف التي اكتنفت قيامها لدينا لا تزال تبطئ وتيرة تحول عقلياتنا ومسلكياتنا في اتجاه تمثل مقتضيات دولة القانون والمؤسسات بنظمها وإجراءاتها، خاصة تلك منها المرتبطة بما استقر في الوجدان الجمعي من كون الدولة كيانا أجنبيا معاد ولا حرمة له وما ينشأ عن ذلك من استسهال التعدي على المال العام والتهاون في المحافظة على المؤسسات والبنى التحتية العمومية وكل ما له طابع عام.
هذا علاوة على ضعف حكامتنا المحلية التي هي أقوى الأدوات لبناء تنمية متوازنة في بلد كبلدنا مترامي الأطراف.
التحدي الثاني: هو الضعف البنيوي لاقتصادنا
ويتمثل المشكل الأساسي على هذا المستوى في أن مسارات نمو اقتصادنا منذ الاستقلال لم تصل به يوما إلى الحد الذي يتيح إقلاعا اقتصاديا حقيقيا، وذلك لقلة تنويع مصادر النمو ولضعف البنية التحتية الداعمة وللنقص الكبير في ترقية القطاعات التي لنا فيها ميزات تفضيلية ولضيق سوقنا الوطنية وللضعف البنيوي في قطاعنا الخاص على وجه الإجمال.
التحدي الثالث: يتعلق بمدى جاهزية مواردنا البشرية
إن من أقوى التحديات على هذا المستوى فُشُوَّ العقليات والمسلكيات التي تنافي ثقافة تمجيد العمل وقيمته وتقدير المهن على اختلافها وتثمين واعتبار العمل أيا كان مصدر شرف لمزاوله.
إنها عقليات تتسبب غالبا في تراخي الهمم والعزائم وفي تعطيل الطاقات والقدرات الإبداعية.
ينضاف إلى ذلك النقص في مستوى الولوج إلى التعليم وتدني المستويات الدراسية وضعف مستويات التكوين والتأهيل المهني وعدم مواءمتها في الغالب مع حاجات الاقتصاد وسوق العمل.
التحدي الرابع: يتعلق بتحصين وحدتنا وانسجامنا الاجتماعي
نحن شعب واحد، ينصهر كله في وحدة إيمانية وعقدية جامعة، ويوحده التاريخ المشترك، وتجمعه القناعة الراسخة بوحدة المصير والمستقبل الواعد.
لكن وبكل صراحة فإن رواسب عقليات بائدة، وصور نمطية زائفة، وتراتبية وهمية، تعمل باستمرار على إضعاف هذا الانسجام الاجتماعي.
وتتغذى هذه الرواسب من نكء بعضنا لبعض الجراحات التاريخية، ومن النفس الشرائحي والقبلي والجهوي المقيت، وكذا من التفاوت الاقتصادي البين، وما يصاحبه من فقر وهشاشة، واختلال في توزيع الثروة والفرص، تتضرر منه غالبا الفئات التي عانت تاريخيا من الغبن والتهميش.
وإن من آكد الأولويات رفع هذا التحدي باستئصال مختلف عوامل الفرقة والتنافر تحصينا لوحدتنا وانسجامنا وتصحيحا لميزان العدالة والمساواة.
التحدي الخامس: هو التحدي الأمني والجيوسياسي
إن ما نشأ عن العولمة من قوة ترابط مختلف البلدان وعمق تأثير وتأثر بعضها ببعض يفرض أحيانا على آحاد الدول وبقوة، تحديات هي في الأصل دولية أو إقليمية.
فما ساد، ويسود، على المستوى الدولي، من عنف وإرهاب وحروب مدمرة، قد سرت للأسف مفاعيله الهدامة إلى قارتنا وخاصة إلى منطقة الساحل، فانتشرت الجماعات الإرهابية وفشا العنف والتطرف وقوضت دعائم الأمن والاستقرار.
ونحن، وإن كنا قد استطعنا، بفضل الله وقوته، وبفضل نجاعة استراتيجيتنا الأمنية المندمجة ويقظة قواتنا المسلحة وقوات أمننا الباسلة، أن نحافظ على أمننا واستقرارنا، في محيط شديد الاضطراب، فإن الخطر لا يزال ماثلا والتحدي قائما والتضحيات يجب أن تكون كبيرة واليقظة مطلوبة أكثر من أي وقت مضى.
برنامج استعجالي
في عرضه لبرنامج حكومته تحدث الوزير الأول عن مشاريع استعجالية ستنفذ في أجل لا يتعدى نهاية العام الجاري ومنها:
أولا: تسريع إنجاز المشاريع الكبري الجاري تنفيذها حاليا؛
ثانيا: رفع كل التحديات التي تعيق أو تبطئ إطلاق بعض المشاريع الأخرى التي اكتملت تعبئة الموارد الضرورية لتنفيذها؛
ثالثا: تصور وإطلاق برامج عاجلة لتحسين ظروف المواطنين؛
رابعا: إشراك المواطنين في متابعة ومراقبة العمل الحكومي؛
خامسا: إطلاق بعض الدراسات الضرورية لتنفيذ الإصلاحات الاستراتيجية التي ورد ذكرها في إعلان السياسة العامة للحكومة.
وسيكون تفصيل الأنشطة المبرمجة على مستوى مختلف هذه الورشات على النحو التالي:
فعلى مستوى الورشة الأولى ستعمل الحكومة على تسريع العمل ورفع كل العراقيل التي تعترض إكمال بعض المشاريع الكبرى بهدف استلامها قبل نهاية العام الجاري وبدء استخدامها من طرف المواطن. أهم هذه المشاريع:
1 – إعادة تشغيل مصنع الشركة الوطنية لصناعة الألبان في النعمة؛
2 – إكمال تهيئة وتشغيل مزرعة إنتاج الحليب النموذجية في تمبدغة؛
3 – تشغيل محطة تحلية المياه بنواذيبو بسعة 5000م3 في اليوم؛
4 – استلام قرية الصناعة التقليدية في نواكشوط؛
5 – إنهاء الأشغال في جسر مدريد أو ما يسمى ب “جسر الصداقة”، ودخوله في الخدمة؛
6 – إنهاء الأشغال في جسر الحي الساكن ودخوله في الخدمة؛
7 – إطلاق برنامج النقل الحضري: حركية نواكشوط على الأقل على مستوى محورين أساسيين؛
8 – تسلم مصنع معالجة النفايات والصرف الصحي في سوق السمك والبدء في استخدامه؛
9 – إنهاء الأشغال وتسلم توسعة مركز الاستطباب الوطني؛
10 – تجهيز وبدء استخدام مستشفى سيلبابي؛
11 – إنهاء الأشغال وتسلم توسعة المركز الوطني للتخصصات ودخولها في الخدمة؛
12 – إكمال مشروع كهربة المناطق الزراعية في الضفة ودخوله في الخدمة؛
13 – تجهيز وتشغيل السجن الجديد بنواكشوط الجنوبية لتخفيف معضلة الاكتظاظ في المؤسسات السجنية.
#إنتاج المرابع ميديا_