
في محاولة للخروج من أزمة داخلية شهدها حزب تكتل القوى الديمقراطية، إبان الانتخابات الرئاسية الأخيرة، اختار المكتب التنفيذي للحزب أول أمس الأحد، المختار الشيخ رئيسا للحزب بدلا من رئيسه السابق أحمد ولد داداه، الذي قرر قادة الحزب الاحتفاظ به رئيسا شرفيا.

ويبدو أن الحزب يحاول من خلال هذه الطبخة السياسية إيجاد حل لأزمة اندلعت بسبب قرار الرئيس ولد داداه وبعض المقربين منه في الحزب دعم الرئيس ولد الشيح الغزواني في انتخابات يونيو الرئاسية الأخيرة، بينما قررت غالبية المكتب التنفيذي للحزب دعم المرشح المعارض للرئاسيات المحامي العيد ولد محمدن.

ومع أن القرار خطة الخروج من الازمة التي اتخذه الحزب جاءت بموافقة ثلثي المكتب التنفيذي، وتضمنت أيضا موافقة الرئيس ولد داداه الذي قال بيان الحزب أنه طلب الاعتزال مع الاحتفاظ بمنصب شرفي، فإن هذا القرار قد لا يساهم في انهاء هذه الأزمة في ظل ما يقول قادة الحزب الجدد أن اختطاف موقف ولد داداه من طرف مقربين منه في الحزب لا يتمتعون بصفة تخولهم تغيير مواقف الحزب.
وهذا يعني أن انتهاء الأزمة الحالية واتجاه الحزب للتوحد خلف القيادة الجديدة تعتمد على الموقف الفعلي ولد داداه.
ذلك أن ولد داداه كان قد بارك مخرجات مؤتمر استثنائي كان قد عقده جناح المكتب التنفيذي بل وحضره ولد داداه شخصيا، قبل أن يتراجع عن تلك المخرجات وينحاز إلى موقف المناوئين للمكتب التنفيذي، بل أمعن حتى في الابتعاد عن هؤلاء بتوقيع قرار لطردهم من الحزب.

لكن جماعة المكتب التنفيذي لم تكترث لقرار الرفض، بل تمسكت حتى برئاسة ولد داداه ما دام حيا للحزب، قبل أن تعقد مؤتمرها الحالي الذي اختيار قيادة جديدة والاحتفاظ بولد داداها رئيسا شرفيا.
فهل سيستمر ولد داداه في موقف الجديد الذي بارك، اختيار القيادة الجديدة، أم سيعود إلى دعم موفق المناوئين للمكتب التنفيذي؟ ويعلن من جديد رفضه لقرارات المكتب التنفيذي؟
وجاء في بيان الحزب الذي صدر يوم الأحد المنصرم خلال مؤتمر استثنائي نظمه الحزب (جناح المكتب التنفيذي)، بمقره بمقاطعة لكصر، بدعوة من ثلثي أعضاء المكتب التنفيذي:
يعيش تكتل القوى الديمقراطية منذ أزيد من خمس سنوات أزمة تنظيمية حادة، بدأت مع انشغال الزعيم أحمد ولد داداه عن ممارسة مهامه كرئيس للحزب بسبب الظروف الصحية لحرمه -تغمدها الله بواسع رحمته وأسكنها فسيح جناته-، وتفاقمت الأزمة مع تولي خلية في الحزب تسيير أموره الجارية في ظل انعدام وجود نواب للرئيس قادرين على تحمل المسؤولية في غيابه.
وقد أصرت الخلية المذكورة، على تغييب كلي للهيئات خلال تلك الفترة وانفردت بالقرارات المصرية ودخلت في تنسيقات مع السلطة وبعض الفرقاء السياسيين دون الرجوع للمكتب التنفيذي، وأمعنت الخلية في قفزها على النصوص بشكل صريح، من قبيل محاولة تغيير خط الحزب السياسي وأخذ موقف من الانتخابات الرئاسية دون اتباع المسطرة القانونية لذلك.
واستشعارا من الغالبية العظمى لقيادات التكتل ومناضليه لخطورة هذه الوضعية، فقد عملت قيادة الحزب المنتخبة في المؤتمر الاستثنائي المنعقد في الفترة من 30 إلى 01 ابريل 2024 جاهدة على تصحيح مسار الحزب عبر الدعوة لحوار داخلي جدي وصريح يضع الأمور في نصابها ويعيد الحزب إلى مساره الذي عرف به ونال ثقة الكثير من المواطنين من خلاله، إلا أن هذه الخلية رفضت ذلك وأصرت على نهجها الأحادي لتحقيق مآربها الشخصية مستغلة بشكل فاضح الظروف الصحية للزعيم أحمد ولد داداه أطال الله عمره ومتعه بكامل الصحة.
وهكذا وبعد القرار الشخصي الذي اتخذه الرئيس أحمد ولد داداه بدعم مرشح السلطة في الانتخابات الرئاسية المنصرمة، الذي قوبل برفض هيئات الحزب المخولة باتخاذ القرار، وبعد طي ملف الرئاسيات استأنفت قيادة الحزب مسار محاولة رأب الصدع عبر رسالة مفصلة وجهتها للرئيس أحمد ولد داداه، طالبته في ثناياها بأخذ زمام المبادرة ووضع حد لهذه الأزمة بوصفه الشخصية التي يتفق الجميع على رمزيتها وصدقها ونزاهتها وتحتل مكانة كبيرة في قلوب كل الموريتانيين وبالأحرى التكتليين.
وقد ثمن الزعيم هذه المبادرة وعبر عن انشغاله عن متابعة الأمور اليومية ورغبته في التفرغ للعبادة، واقترح على قيادة الحزب عقد مؤتمر استثنائي وانتخابه رئيسا شرفيا، وتشكيل هيئات توافقية قادرة على الاطلاع بمهامها بشكل جيد.
وانطلاقا من ذلك، واستنادا على المادة 18 من النظام الأساسي للحزب، التأم مؤتمر استثنائي يومي السبت والأحد 20-21 يوليو 2024 بمقر الحزب بمقاطعة لكصر، بدعوة من ثلثي أعضاء المكتب التنفيذي، وتضمن جدول الأعمال: الحالة العامة في البلد؛ الوضعية التنظيمية للحزب.
في النقطة الأولى عبر المؤتمرون عن وعيهم لخطورة الأزمة السياسية والاجتماعية التي تعشيها البلاد في ظل عجز السلطات القائمة عن تقديم حلول ملموسة تخفف من وطأة الظروف المعيشية للمواطنين، و تقلص من الفوارق الاجتماعية و تؤسس لحكامة رشيدة، والتحذير من انتشار الدعوات القبلية و الجهوية و الشرائحية التي تهدد تماسك النسيج الاجتماعي، في ظل الصراعات الملتهبة في المنطقة الجيوسياسية التي تسود فيها الانقلابات و التحولات السياسية الكبرى.
أما بخصوص الوضعية التنظيمية للحزب، فقد قرر المؤتمرون:
ـ انتخاب الزعيم أحمد داداه رئيسا شرفيا لحزب تكتل القوى الديمقراطية، الذي سيبقى قدوة للديمقراطيين الوطنيين المخلصين، رغم أنف كل الأنظمة و أذنابها التي تحاول أن تنال من مكانته السامقة وسمعته الحسنة.
ـ انتخاب السيد المختار الشيخ رئيسا للحزب، وإطلاق حملة انتساب وتنصيب تفضي إلى تنظيم مؤتمر وطني في أقرب فرصة.
إن المؤتمر الاستثنائي للتكتل، يؤكد على تمسكه بخطه السياسي المعارض، وتشبثه بأهدافه ومبادئه التي أسس عليها من أول يوم، واعتزازه بالماضي المشرف للحزب وللزعيم أحمد ولد داداه ولكل المناضلين الذين بذلوا كل نفيس من أجل تجسيد طموحنا لموريتانيا واقعا معاشا، كما يطالب النظام الحاكم بتغيير نهجه في التعاطي مع الشأن العام، والتوقف عن سياسة إطلاق الشعارات الجوفاء التي انكشف زيفها وأدت إلى انعدام الأفق وفقدان الأمل لدى غالبية المواطنين، ويدعو كافة القوى الحية الوطنية إلى تحمل المسؤولية ورص الصفوف من أجل إرساء ديمقراطية حقة في هذه البلاد، وخلق تنمية تلبي آمال كافة الموريتانيين.
مسار الأزمة :
وكان حزب تكتل القوى الديمقراطية، قد أعلن إبريل الماضي، طرد بعض قيادييه، وهم ما يعرف حاليا بجناح المكتب التتفيذي الذي اختيار قيادة جديدة للحزب.
واتهم الحزب حينها هذه الجماعة بالإمعان في خرق نصوص الحزب، وتحدي قراراته، وعرقلة سير عمله بواسطة العنف، وعدم الانضباط داخل هيئاته.
ويشمل القرار الذي وقعه رئيس الحزب (المختار ولد الشيخ، النانة بنت شيخنا، مريم بنت بلال، مريم مولود، محمد عبد الله اتفاغه، الشيخ سيد أحمد ولد حيده، الشيخ ولد محمدو سالم، عبد الله ولد محمد زيني، سليمان ولد محمد فال، حم ولد بيه، محمد الأمين الواعر، محمد عالي ولد المهدي، محمد سالم ولد عبد السلام (الشاشي)، محمدن ولد البساتي).
وجاء القرار غداة إعلان المكتب التنفيذي للحزب دعم المرشح للرئاسيات العيد ولد محمذن، بينما أعلن رئيس الحزب أحمد ولد داداه قبل أسابيع دعم الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني.
ويشهد الحزب منذ أشهر خلافات حادة أدت إلى انقسامه إلى جناحين، يتهم كل منهما الآخر بمخالفة القانون.
حصري “المرابع ميديا”