6 ديسمبر 2024 , 17:58

اتفاقية الصيد الموريتانية الأوروبية: حصيلة غير مربحة ونزاع في المضامين

arton19712
بقلم: محفوظ ولد ابراهيم اطفيل

يجسد ابروتوكول الصيد الموقع بين موريتانيا والاتحاد الأوروبي 2012 ـ 2014، المشرف على نهايته، الاتفاق الإطار للشراكة القائمة بين الطرفين منذ 2006.
وحيث خولني تقلد منصب أمين عام سابق للاتحادية الوطنية للصيد، المشاركة في بعض المفاوضات التحضيرية لاتفاقيات الصيد، ثم المشاركة في صميم المفاوضات نفسها كمراقب، فقد استرعى اهتمامي التفاوض الجاري حاليا بين الحكومة والاتحاد الأوروبي لتجديد ابرولتوكول الصيد، مما دفعني إلى تقديم وجهة نظري حول البروتوكول المذكور بعيدا عن المزايدات المادحة، خاصة من طرف السلطات الرسمية.
يمثل هذا البروتوكول، تقهقرا، انطلاقا من بعض البنود التي يتضمنها، مقارنة بالبروتوكول الذي سبقه (2008 ـ 2012)، وبالمقارنة كذلك بابروتوكول الاتحاد الأوروبي مع المملكة المغربية (2013 ـ 2017) المشابه له.
والغريب أن بعض بنود هذا البروتوكول لا تناسب الموريتانيين ولا الأوروبيين.
وقد أثار هذا البروتوكول حزمة من المسائل تتعلق بتنفيذه. ويتضح من محضر اللجنة المشتركة المنبثقة عن البروتوكول، أن كل البنود المهمة هي موضع تشكيك أو تفسيرات متباينة، حتى بخصوص تاريخ سريانه، مثل: مناطق الصيد، حصة البحارة الموريتانيين على متن السفن الأوروبية، إتاوات الصيد، إلخ.. (ينظر محضر اللجنة المشتركة المنعقدة في انواكشوط، أيام 17 و 18 ديسمبر 2013).
ولم يسبق لأي ابروتوكول صيد أن أثار من النقائض بين أطرافه الموقعة، مثلما أثار هذا البروتوكول. فسنرى أيضا أن آثارا سلبية لهذا البروتوكول، قد تجاوزت إطاره، لتطال اتفاقيات مع أساطيل لبلدان غير أوروبية.
ولكي لا يكون هذا المقال موضع نقد “هدام”، فإنه يتضمن بعض الحلول للمشاكل والمصاعب المثارة.
وتقدم وجهة النظر الرسمية التي قام بنشرها بعض من الصحافة الغير مطلعة، ربما بما فيه الكفاية على الموضوع، هذا البروتوكول بأنه لم يوجد له مثيل على مستوى المنفعة للدولة، وذلك بخصوص جوانبه التالية:
ـ الإسهام المالي للبروتوكول،
ـ خروج الرخويات من البروتوكول،
ـ تفريغ حمولة البواخر في انواذيبو،
ـ زيادة حصة البحارة الموريتانيين على البواخر الأوروبية،
ـ حماية الثروة السمكية بموجب إبعاد مناطق الصيد.
ـ تقليص فترة الاتفاق،
ـ منح الإتاوات العينية التي تمثل 2% من الحصة الممنوحة لبواخر صيد السطح.
فسنقوم باستعراض هذه النقاط المختلفة، لنسبر حقيقة مدى “منفعيتها” للدولة.
وفي الجزء الثاني، سنقوم من خلال سلسلة من الأمثلة، بالبرهنة على أن هذا البروتوكول يتضمن بنودا مجحفة على السواء بالنسبة لنا كما هو الحال كذلك بالنسبة لشركائنا الأوروبيين، بحيث انحرف هذا البروتوكول عن توجيهات اتفاق الشراكة في مجال الصيد الموقع بين بلادنا والاتحاد الأوروبي سنة 2006 والذي تم تمديده إلى سنة 2018.
الإسهام المالي للبروتوكول
يجدر بالذكر بادئ ذي بدء أن أي اتفاقية صيد لا يمكن أن تقاس من حيث غلافها المالي، ولكن تبعا لمعايير تأخذ في الاعتبار تأثيرها على المسار التنموي لدولة ما، مثل تحويل التقنيات من خلال بناء شراكة مربحة للطرفين، و ضمانة حماية الثروة.
كما سنرى لاحقا أن البروتوكول الجديد يمثل على هذا الصعيد تراجعا بينا بالمقارنة مع سلفه (2008 ـ 2012).
ولاستيعاب ملابسات الأمر، فيجب أن لا يغيب عن الذهن أن الإسهام المالي في إطار اتفاق مع الاتحاد الأوروبي، يتشكل من مبلغين:
ـ مبلغ مدفوع من طرف الاتحاد الأوروبي بوصفه هيئة، وهذا المبلغ ثابت، وفي الغالب لا يراعي عدد البواخر الحاصلة على الرخص: هذا المبلغ يسمى “التعويض المالي”.
ـ مبلغ مدفوع فرديا من طرف البواخر الأوروبية، ويسمى “إتاوة”. هذا المبلغ يتعلق بعدد البواخر التي دخلت مياهنا، وبالحصص المصطادة.
فلا يمكن إذن تحديد المبلغ الإجمالي للإتاوات إلا بعد مرور سنة صيد، أو عند نهاية البروتوكول (والمبلغ الإجمالي للإتاوات يمكن أن يتغير من سنة لأخرى).
وفيما يتعلق بالغلاف المالي للبروتوكول الجديد، تبعا لتصريحات الحكومة، فقد انتقلنا من 84 مليون أورو للسنة بالنسبة لابروتوكول المنصرم (2008 ـ 2012)، لنصل إلى 110 مليون أورو بخصوص الاتفاقية الجديدة (2012 ـ 2014).
تتضمن هذه المبالغ بالنسبة لكل ابروتوكول، التعويض المالي المقدم من طرف الاتحاد الأوروبي والإتاوات المدفوعة من طرف أصحاب البواخر.
وهكذا، ودائما تبعا للتصريحات الرسمية، فإن التأثير المالي للبروتوكول المنصرم أي 84 مليون أورو، تتكون مما يلي:
ـ 70 مليونا، تمثل التعويض المالي السنوي، بما في ذلك العون المقدم لقطاع الصيد،
ـ 14 مليون أورو، تمثل مجموع الإتاوات التي تم دفعها سنويا من طرف أصحاب البواخر الأوروبين.
أما بخصوص البروتوكول الحالي، ودائما تبعا للتصريحات الرسمية، فإن الغلاف المالي البالغ 110 ملايين، يتشكل مما يلي:
ـ 70 مليونا، تمثل التعويض المالي السنوي، المدفوع من طرف الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك العون القطاعي)،
ـ 40 مليون أورو، تمثل مجموع التسديدات المنتظرة لجميع الإتاوات التي يقدر دفعها من طرف البواخر الأوروبية.
إن هذا الطرح يخفي في طياته كثيرا من الخلبطة وعدم الصحة.
فبالفعل، يعتبر التعويض المالي البالغ 70 مليون أورو التي تم ذكره في ابروتوكول (2008 ـ 2012)، هو الذي تم تسديده في السنة الرابعة من هذا البروتوكول، والذي نذكر بأن فترته تمتد على 4 سنوات. أما فيما يتعلق بالسنوات الثلاثة الأخرى لهذا البروتوكول، فإن التعويض بلغ 86 مليون أورو للسنة الأولى، و76 مليون أورو بالنسبة للسنة الثانية، و73 مليون أورو بالنسبة للسنة الثالثة (المادة 2 من البروتوكول(2008 ـ 2012).
ولنكون موضوعيين، فيلزم، إما مقارنة السنتين الأوليتين من ابروتوكول (2008 ـ 2012) مع سنتي البروتوكول الحالي (2012 ـ 2014)، وإما مقارنة معدل السنوات الأربع لبروتوكول (2008 ـ 2012)، مع معدل سنتي البروتوكول الحالي.
هذا المعدل لسنوات ابروتوكول (2008 ـ 20012) الأربع، يعطي : 76.250.000 أورو (86 مليون أورو + 76 + 73 + 70) / 4 سنوات: 76.250.000 أورو
بالنسبة للبروتوكول الحالي، فإن معدل التعويض المالي، هو: 70 مليون أورو (140 مليون / 2 سنة = 70 مليون أورو).
فيظهر جليا انخفاض التعويض المالي للبروتوكول الحالي مقارنة مع سلفه، حيث سجل انخفاضا قدره: 6.250.000 أورو للسنة (76.250.000 أورو ـ 70.000.000 أورو = 6.250.000 أورو)، أي انخفاض التعويض المالي الكلي للبروتوكول الحالي بمبلغ قدره: 6.250.000 أورو x2 سنة = 12.500.000 أورو.
وسيكون الانخفاض أكثر أهمية إذا ما قارنا التعويض المالي لسنتي البروتوكول الحالي مع السنتين الأوليتين لابروتوكول (2008 ـ 2012)، بحيث بلغ هذا الانخفاض: 16 مليون أورو بالنسة لسنته الاولى (86.000.000 أورو ـ 70.000.000 أورو)، ثم 6 ملايين أورو بالنسبة لسنته الثانية (76.000.000 ـ 70.000.000)، أي تسجيل نقص التعويض المالي بمبلغ: 22 مليون أورو سنويا، أي 44 مليون لسنتي الاتفاقية الحالية.
ومما يلاحظ بسهولة، فإن المبالغ المؤكدة، مهما تكن معطيات حصيلة الصيد، أي المبالغ المدفوعة من طرف الاتحاد الأوروبي كهيئة، قد انخفضت.
أما بخصوص 40 مليون أورو المنتظر تسديدها من طرف أصحاب البواخر الأوروبيين والتي تضاف إلى مبلغ 70.000.000 أورو لرفع الغلاف المالي للبروتوكول الحالي إلى 110 ملايين أورو، فلا يمكن حسبها مسبقا، اللهم إلا إذا كان من قبيل بيع جلد الدب قبل اصطياده، كما يقول المثل الفرنسي، لأن ذلك يتعلق بعدد من العوامل والأمور المحتملة، مثل العدد الفعلي للبواخر التي ستدخل مياهنا الإقليمية، وكذلك الحصص التي ستصطادها هذه البواخر، إلخ… خاصة أن كل المعطيات تؤشر اليوم إلى أن عدد زيارة الأساطيل الأوروبية لبلادنا ضعيفة… وضعف الزيارات هذا تم تأكيده من خلال دراسة قام بها مجمع مكاتب الدراسات لصالح الاتحاد الأوروبي: “إن نسبة استخدام فرص الصيد خلال الأشهر الأولى من الاتفاقية كانت ضعيفة أو متواضعة سواء تعلق الأمر برخص الصيد أو بالكميات المصطادة: “تقريبا 150.000 طنا من السمك تم اصطيادها خلال 11 شهرا، أي أقل بقليل من نصف الحجم السنوي للكميات المرخصة المحددة ب: 326.700 طنا” نقل عن هذه الدراسة (تنظر دراسة مجمع مكاتب الدراسات “كوفربيش ـ امراغ ـ أن أف دي أس ـ ابوزيدونه ـ يناير 2014).
وقد خلصت اللجنة المشتركة الموريتانية الأوروبية المكلفة بمتابعة تنفيذ البروتوكول، إلى نفس النتيجة، في اجتماعاتها المنعقدة في انواكشوط، يوم 17 و 18 سبتمبر 2013 (راجع محضر اللجنة المشتركة).
كما تجدر الإشارة من جهة أخرى إلى أن عنصرا سلبيا بالنسبة للجانب الموريتاني قد تم اعتماده في تحديد الإتاوات بموجب الاتفاقية الجديدة. وذلك أن حسب الإتاوات صار تبعا للطن المصطاد ولم يعد حسبه انطلاقا من حجم الباخرة (TJB) باللغة الإنجليزية (GT).
إن تسديد الإتاوات على أساس حجم الباخرة (TJB) المعتمد في البروتوكول المنصرم كان يضمن لنا تسديدا مسبقا فور وصول الباخرة إلى الموانئ الموريتانية، اصطادت هذه الباخرة أو لم تصطد بعد ذلك. أما بخصوص حسب الإتاوات على الطن المصطاد، فلا يجعلنا رهن المخاطر المتعلقة بالإنتاجية فحسب، بل أيضا رهنا لنقاط ضعفنا، مثل عدم الشفافية في التصريح عن الكميات المصطادة، نظرا إلى أن جل الكميات المصطادة يتم تفريغها عن طريق المسافنة في البحر. كما تلزم الإشارة هنا إلى أن نظام التسديد تبعا لحجم الباخرة (TJB) مطبق على البواخر الوطنية منذ حقبة التسعينيات. كما أن المغرب وكذلك البلدان الموقعة لاتفاقيات صيد مع الاتحاد الأوروبية، تعتمد في تسديد الإتاوات، على حجم الباخرة (TJB)، (تنظر اتفاقية الصيد بين المغرب والاتحاد الأوروبي 2013-2017).
وللتخفيف من تأثيرات المخاطر السابقة، لم نحصل مسبقا على حد أدنى مضمون من التسديد المعقول من طرف البواخر الأوربية، يضمن للخزانة العامة مدفوعات مؤكدة، فيعتبر الحد الأدنى المضمون من التسديد الذي تقره الاتفاقية ساخرا، لأنه لا يتجاوز 1000 أورو عن الباخرة، باستثناء ما يخص الصيد السطحي، فيمثل 5000 أورو للباخرة الواحدة.
وإضافة إلى ذلك فإن هناك إجراء آخر يساهم في نقص الإتاوات التي تدفعها البواخر الاوروبية، وهوتخفيض الإتاوات لصالح أسطول الربيان (36 باخرة)، بحيث أن هذا التخفيض حصل بصفة غريبة بعد توقيع الاتفاقية. فبالفعل هبطت الإتاوة التي تجبى على هذه البواخر للطن الواحد من 620 أورو إلى 420 أورو.
فيتحصل منطقيا من كل ما سبق أن 110 مليون أورو المصرح عنها سوف لن تتحقق.
وللعلم، فإن هذا المبلغ لا يوجد في أي بند من بنود البروتوكول.
البروتوكول والرخويات
تمثل الرخويات وخاصة الأخطبوط ثروة سمكية هامة يقوم باستغلالها معظم صيادينا في الصيد التقليدي والصيد الصناعي، وهي كذلك مستغلة من طرف شركائنا الصينيين (تنظر الاتفاقية الموقعة بين بلدنا و الشركة الصينية “ابولهوندون افيشريز”).
فمن المؤكد أن البواخر الأروبية التي تصطاد الرخويات قد تم إقصاؤها من البروتوكول الحالي. وهذا شيء جيد بالنسبة لبلادنا، نظرا للمستوى المقلق للاستغلال المفرط لهذه الثروة الذي تمت ملاحظته منذ عدة سنوات والذي تقدره المعطيات الرسمية بنسبة 40% (تنظر وثيقة الاستراتيجية المعتمدة من طرف الحكومة للفترة 2008 ـ 2012 وكذلك مخطط الأخطبوط).
وعادة ما يتم نسيان ذكر أن بواخر صيد الأخطبوط الأوروبية التي كانت موجودة تتمتع بظروف تقنية ومالية أكثر ملاءمة من بواخرنا، وأنها كانت تقوم بمنافستنا على السوق الأساسية التي يصدر إليها الأخطبوط، أي السوق اليابانية.
غير أنه خليق بنا أن نضع الأمور في إطارها الحقيقي بالنسبة لهذا الإجراء: فلم يكن بإمكان اللجنة الأوروبية أن توقع اتفاقية بخصوص ثروة لا فائض فيها كما هو الحال بالنسبة لثروة الرخويات الموريتانية، وذلك تخوفا لإلغائه من طرف البرلمان الأوروبي.
فبالفعل قام هذا البرلمان الأوروبي، انصياعا لضغوط مورست عليه من طرف لوبيات الخضر واليسار الذين يمثلون قوة هامة داخله، باتخاذ قرار بتاريخ 12 مايو 2011، أي مساء البدء في مفاوضات تجديد ابروتوكول الصيد مع موريتانيا، مصدرا أمرا إلى اللجنة الأوروبية بأن لا توقع اتفاقيات صيد إلا على الفائض الذي لم يتم صيده من طرف الموريتانيين. وهكذا، تمكن القراءة في النقطة 3 من الفقرة م من القرار المذكور آنفا، ما يلي: “يحضض البرلمان من أجل أن يكون كل ولوج للصيد في المياه الموريتانية مفاوضا عليه بالنسبة للبواخر التي تحمل أعلام بلد عضو في الاتحاد الأوروبي، مؤسسا على مبدإ المخزونات الفائضة المنشودة من طرف اتفاقية الأمم المتحدة حول القانون البحري .. ويؤكد على أن أي ولوج للاتحاد يلزم أن يستهدف الثروات التي لا يمكن اصطيادها من طرف الأسطول الموريتاني” (ينظر موقع البرلمان الأوروبيwww.europarl.europa.eu.),
غير أنه بالنسبة للرخويات، فلا يوجد مخزون فائض، بل بالعكس فهي ثروة مستغلة استغلالا مفرطا. فلا يمكن إذن للجنة الأوروبية في غياب رأي تقني دقيق أن توقع اتفاقا بخصوص هذه الثروة. فاستبعاد الرخويات من البروتوكول ليس ناتجا عن إجراء جديد متخذ من طرف الحكومة فرضته على الأوروبيين من أجل تخصيص هذه الثروة للوطنيين، كما يقال. ونذكر أنه قد تم منح استغلال هذه الثروة لشركاء آخرين غير وطنيين … (تنظر اتفاقية الصيد الموقعة بين موريتانيا والشركة الصينية “ابولهوندون افيشريز).
التفريغ المغلوط لحمولات البواخر الأوروبية في انواذيبو
لقد كون تفريغ حمولة البواخر في انواذيبو نقطة مفاوضات عصيبة منذ توقيع الاتفاقية الأولى مع الاتحاد الأوروبي سنة 1987. فالجانب الموريتاني يرى فيه تطويرا لمنشآته الأرضية، خاصة المصانع، بفضل تأثيراته الضمنية المتعددة: العمالة، تحويل التقنيات، إلخ..
فمن الجدير بالذكر التذكير بأن التفريغ في انواذيبو إجباري بالنسبة للأسطول الموريتاني منذ 23 فبراير سنة 1983 (تاريخ توقيع المحضر بين الدولة ومهنيي الصيد، المنظم لتفريغ حمولات البواخر الوطنية).
فلم يأت البروتوكول الحالي الموقع مع الاتحاد الأوروبي، بجديد بخصوص التفريغ في انواذيبو، آخذا بيد ما أعطى بالأخرى.
فنترك للقارئ الحكم:
فمثلا، بالنسبة لأسطول صيد “الدمرسال”، فالفصل الخامس، ينص ضمن فقرته 1-1 بأن “يخضع أسطول الدمرسال لإجبارية التفريغ”،
يكرس تفريغ الأسطول الصغير لصيد السطح (سمك السطح الطازج)، مع أنه يخضع إلى شروط، مثل “طلب مؤكد” للسوق، إلخ.. (الفصل الخامس، الفقرة 1-5).
كل هذه الترتيبات أصبحت مع ذلك لاغية بموجب الفقرة 1-3 من الفصل الخامس التي تنص على أن ” إجبارية التفريغ لا تقتضي إجبارية التخزين والتحويل”.
بصفة أخرى، يمكن للباخرة أن تأتي لتصل مرسى الصيد وتغادره، وهكذا سيعتبر أنها فرغت حمولتها. فبعيد بنا إذن تحقيق التأثيرات الاقتصادية المنشودة بالنسبة للمنشآت الأرضية. هذا التعريف الغريب بالنسبة للتفريغ، يناقض ذلك التعريف المكرس بموجب مدونة الصيد الوطنية، ويبقى مفروضا على أسطولنا الوطني. ففعلا تحدد المادة 17، الفقرة 2 من مدونة الصيد، أن التفريغ يُعَرَّفُ كما يلي:
” يعرف التفريغ بأنه الإنزال الفعلي إلى الأرض لكل المنتوجات المصطادة على متن البواخر، قصد تخزينها ومعالجتها وتحويلها أو تصديرها”. فبالتأكيد يمكن الاعتراض على أن هذا التعريف لا ينطبق على البروتوكول الحالي الموقع مع الاتحاد الأوروبي، الذي يعتبر بمثابة اتفاقية دولية فوق قوانينا الوطنية. غير أن تعريف التفريغ واحد وهو الذي تكرسه مدونة الصيد الوطنية، فلا يمكن إذن بموجب تلفيقات قانونية تغيير المعنى الجذري لهذه الكلمة.
إبعاد مناطق الصيد، الخطأ القاتل
لقد طال قرار إبعاد مناطق الصيد كل أصناف المصايد، غير أننا سنقتصر هنا على مصيدة سمك السطح التي تمثل العمود الفقري للبروتوكول.
فالبروتوكول الجديد، نزولا عند إلحاح الجانب الموريتاني، أبعد منطقة الصيد من 12 إلى 20 ميلا بالنسبة لبواخر الصيد السطحي، مراعاة لحماية الثروة حسب تصور الجانب الموريتاني. فكان المنشود من وراء ذلك الحد من صيد سمك العمق، بينما قمنا بموجب هذا التصرف، بإرغام البواخر على الصيد في منطقة بحرية غير آهلة بالثروة. هذا الإجراء المتخذ من غير الاعتماد على دراسة معمقة، قد أدى، ليس فحسب إلى هجرة البواخر الأوروبية، بل كذلك نظرا لتعميمه، إلى هجرة أساطيل البلدان الغير أوروبية التي تعمل في صيد سمك السطح (تنظر لاحقا الأضرار الجانبية للاتفاق). إن هذا الصنف من الإجراءات يلزم أن لا يتم اتخاذه عبثا، بل بعد مشورة الهيئات العلمية المختصة، نظرا إلى أن المصايد متشابكة جدا. مع أنه يجدر بالذكر إلى أن المعطيات المتعلقة بالمنطقة متوفرة لدى المعهد الموريتاني للبحوث المحيطية والصيد، وكذلك لدى لجنة مصايد الوسط الشرقي للمحيط الأطلسي(كوفاس)، وكذلك لدى الهيئات الأوروبية المختصة.
وبعد اطلاع وزارة الصيد على الأضرار التي نجمت عن هذا الإجراء على مستوى صيد سمك السطح، قررت الوزارة الرجوع عن هذا الإجراء، كذلك من غير استسشارة الهيئات المختصة. فمن ذلك الحين، بقي تحديد مناطق الصيد، موضع تسويات على مستوى اللجنة المشتركة المكلفة بمتابعة البروتوكول، وذلك خارج اعتبارات علمية.
فاللجنة العلمية المنبثقة عن البروتوكول لم ترض مع ذلك أن تنجر إلى الدخول في تحديد مناطق الصيد (ينظر محضر اجتماع اللجنة العلمية، المنعقدة في “رين” في فرنسا من 02 إلى خمسة ابريل 2013).
زيادة نسبة البحارة الموريتانيين ـ بند تقني سيء التصميم
تنص الفقرة 1 من الفصل XIمن البروتوكول الحالي، على ما يلي: “باستثناء بواخر الطن التي تصطاد بالشباك الدائرية، والتي يلزمها أخذ بحار موريتاني واحد على كل سفينة، وبواخر الطن التي تستخدم خيط الصنارة التي يلزمها أخذ 3 بحارة موريتانيين على متن كل باخرة، كل باخرة للاتحاد الأوروبي يلزمها أخذ 60% من البحارة الموريتانيين ضمن البحارة الموجودين على متنها، من بين الأسماء الموجودة على اللائحة المقدمة من طرف الوزارة، بحيث لا تتضمن هذه النسبة الضباط. غير أنه في حالة أخذ هذه البواخر لضباط موريتانيين متدربين، فإن عددهم يحسب على حصة البحارة ا لموريتانيين”.
فَيُخَيَّلُ أن نسبة البحارة الموريتانيين على متن البواخر الأوروبية التي كانت حوالي 35% في البروتوكول المنصرم، قد ارتفعت في البروتوكول الحالي إلى نسبة 60%.
وقد يقودني هذا الإجراء إلى الملاحظة التالية:
ـ بالتأكيد قد تم رفع حصة البحارة الموريتانيين على متن البواخر الأروبية من قرابة 35 % إلى 60%. فنسبة 35% تخفي معلومة هامة، لأنه ضمن البروتوكول المنصرم كانت نسبة 35% هذه تشمل الضباط، وبصفة أخرى، كل باخرة أوروبية كانت ملزمة بأخذ ضباط وبحارة موريتانيين على متنها، في حدود 35% تقريبا.
ويقتصر البروتوكول الساري مفعوله حاليا على حصة 60% من البحارة باستبعاد الضباط. غير أنه تبعا للأعراف المتبعة، فإن إبحار ضابط يساوي إبحار بحارين.
ـ ويمثل استبعاد الضباط الموريتانيين من البروتوكول الجديد، تراجعا عن برنامج واسع لتكوين الضباط الذي تم البدء به منذ عدة سنوات، خاصة عن طريق المدرسة الوطنية للتعليم البحري والصيد، بحيث تمثل ذلك اليوم في تخريج عدة مئات من الضباط الموريتانيين لصالح سوق العمل الموريتانية.
ـ إن التوزيع الذي اعتمده البروتوكول بخصوص الضباط الأجانب والبحارة الموريتانيين يوشك كذلك أن يحدث مشاكل اجتماعية على متن البواخر الأوروبية. فبالفعل يمثل البحارة تقريبا نسبة 60 % من طاقم البواخر، بينما تمثل القيادة فيه نسبة حوالي 40 %. وبالتالي، فإن كل طاقم القيادة على متن هذه البواخر يوشك أن لا يتكون إلا من الأوروبيين، بينما تتكون العمالة السفلية لكل باخرة من البحارة الموريتانيين. وهو ما يوشك ضرورة أن يمثل فئوية على متن هذه البواخر، وهو ما يمثل عادة مصدر نزاعات، خاصة في ظروف البحر العصيبة.
فأرى أنه يلزم أن نبقى مرنين وأن نقوم بتصميم مخطط مناسب لحصص العمالة الموريتانية بخصوص كل مصيدة على حدة، بدل فرض توزيع ميكانيكي متشدد للوظائف على متن هذه البواخر.
فلنلخص بلفت النظر إلى أنه بالنسبة للحصة الموريتانية من العمالة على متن هذه البواخر، لم يتم إنجاز أي تقدم ملموس بشأنها في البروتوكول الجديد مقارنة مع البروتوكول المنصرم.
ولن ننهي هذا الموضوع قبل أن نلاحظ التراجع الهام الذي تمت تسجيله بخصوص المراقبين العلميين الموريتانيين الذين يلزم أخذهم على متن هذه البواخر.
هؤلاء الذين يتم إبحارهم لصالح المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد في إطار مهمة رقابية ودراسية للثروة، عبر الكميات التي تصطادها البواخر. فيقومون إذن بإحالة المعطيات التي حصلوا عليها بخصوص الثروة السمكية، إلى المعهد الموريتاني لبحوث المحيطات والصيد.
فكان ابروتوكول 2008 ـ 2012 يفرض في الفقرة 1 من الفصل VIII، أن “كل باخرة للمجموعة الأوروبية حاصلة على رخصة صيد في مناطق الصيد الموريتاني، تأخذ على متنها مراقبا علميا موريتانيا، باستثناء بواخر صيد الطن بالشباك المستديرة التي تأخذ مراقبين على متنها بموجب طلب مقدم من الوزارة. وعلى كل حال فلا يمكن إبحار إلا مراقب واحد على متن كل باخرة”.
أما في البروتوكول الجديد، فحصة أخذ المراقبين العلميين أصبحت تبعا لصنف الصيد وليس لكل باخرة، وذلك بأخذ مراقبين علميين (02) لكل صنف من الصيد: “بخصوص كل صنف من الصيد، فإن الطرفين يعينان على الأقل، باخرتين (02) للسنة، يجب أن يتأخذان على متنهما مراقبين موريتانيين، باستثناء بواخر الطن الذين يستخدمون الشباك الدائرية والذين يتم أخذ المراقبين العلميين على متنها تبعا لطلب مقدم من طرف الوزارة. ومهما يكن من أمر، فلا يمكن إبحار إلا مرافبا واحدا على متن كل باخرة” (الفصل X، الفقرة 1).
ويمثل هذا تراجعا واضحا بالمقارنة مع البروتوكول السابق. فبالفعل، بينما كان بالإمكان بموجب البروتوكول المنصرم، أخذ 94 مراقبا علميا على البواخر الأوروبية (باستثناء بواخر صيد الطن والرخويات)، فقد تم تقليص هذه الإمكانات إلى 14 مراقبا فقط (مراقبان علميان (02) لكل صنف من الصيد. هنا أيضا، باستثناء بواخر صيد الرخويات والطن بواسطة الشباك الدائرية.
أما فيما يخص قيام المراقبين العلميين بمهامهم، فإن البروتوكول الجديد يراعي نفس الشروط التي اعتمدها البروتوكول المنصرم الذي أنزل رتبة هؤلاء المراقبين باعتبارهم أتباعا لقبطان السفينة الأوروبية.
ففعلا تنص الفقرة 10 من الفصل X، أنه “عند نهاية فترة الرقابة، وقبل مغادرة المراقب العلمي للباخرة، يقوم هذا المراقب العلمي بإعداد تقرير، تبعا للنموذج رقم 9 من هذا الملحق، ويقوم بتوقيعه بحضرة قبطان السفينة الذي يمكنه الإضافة أو الإدراج ضمن هذا التقرير لكل الملاحظات التي يراها ضرورية، وتوقيعه بعد ذلك. تسلم نسخة من هذا التقرير لقبطان السفينة عند مغادرة المراقب العلمي للسفينة، ثم نسخة منه للوزارة وأخرى للاتحاد الأوروبي”.
ولكي نفهم جيدا البعد السلبي لهذا البند، فيلزم أن لا يغيب عنا أن المراقب العلمي يميز جيدا الأنواع والأحجام المحظور صيدها، وكذلك مقاييس عيون الشباك، ثم المناطق المسموح بالصيد فيها. وبهذا الموجب يصبح هذا المراقب العلمي هو العدو اللدود لقباطنة البواخر الذين لا يراعون قوانين الصيد.
فالبند المذكور أعلاه، يمكن القباطنة عند الاقتضاء، إلى إفشال مهمة المراقب العلمي “الغير حذر”.
لكن الأخطر هو أن أكثر بواخر أسطول الصيد الأوروبي، تنفلت بموجب هذا البند من رقابة هؤلاء المراقبين العلميين، ومن جهة ثانية تصبح موضوعية تقريراتهم العلمية مشبوهة، بحيث أن هذه التقارير لم تعد صالحة للاعتماد كأساس دراسة موضوعية حول الثروة السمكية.
تقليص مدة العقد، خطأ فادح
إذا ما رجعنا إلى التصريحات الرسمية، فقد اعتبرت مدة البروتوكول (سنتين)، مكسبا تم انتزاعه من شركائنا الأوروبيين المتعودين على مدة “مفرطة” قدرها 4 سنوات بخصوص البروتوكولات الماضية.
إن هذا التصور يَنِمُّ عن عدم الخبرة، والتتناقض مع التأكيدات الرسمية القائلة بأنه أفضل ابروتوكول تم توقيعه بين بلادنا والاتحاد الأوروبي إلى حد الساعة.
ففعلا، إذا كان الأمر يتعلق بابروتوكول من هذا النوع، فإن مصلحتنا في إيجاد ابروتوكول ذي مدة أطول، وتكون مصلحة الأوربيون في تقليصه.
فلنبين هنا أنه بموجب هذه المدة المتمثلة في سنتين، فإن ابروتوكولنا صار اسثتناء، لأن كل ابروتوكولات الصيد الموقعة مع الاتحاد الأروبي مدتها على الأقل أربع سنوات.
فمدة أربع سنوات تمثل حدا أدنى، وذلك للأسباب التالية:
ـ فالمفاوضات الممهدة لتوقيع ابروتوكول صيد تبدأ عادة سنة قبل نهاية سابقه، وذلك نظرا لتعقيد هذا النوع من المفاوضات من جهة، ورغبة أصحاب السفن الأوروبية في معرفة احتمالات التمديد أو نوعية الشروط، وذلك من أجل أخذ الاحتياطات اللازمة عند الاقتضاء، لإتاحة الفرصة لها في التحول إلى مناطق صيد أخرى.
ـ قنوات المصادقة الأوروبية طويلة ومعقدة: المصادقة من طرف اللجنة الأوربية، مرور البروتوكول أمام لجان مختصة عدة من البرلمان الأوروبي (لجنة التنمية، لجنة الميزانية…)، ثم المصادقة عليه بعد ذلك من طرف اللجنة الأوروبية.
وعليه، فإن فترة التمديد المحددة بسنتين تعتبر غير كافية، كما أنه يمكن أن تتحول إلى انسداد مثل ما نعيشه حاليا بالنسبة لتاريخ سريان البروتوكول المتباين بالنسبة لانواكشوط وبروكسيل. ففعلا، بالنسبة للجانب الموريتاني، دخل البروتوكول حيز التنفيذ فاتح أغسطس 2012 (تاريخ تطبيقه المؤقت) الذي هو تاريخ التأشير عليه من قبل الطرفين. أما بخصوص ابر وكسول، فتعتمد على المادة 11 المتعلقة بسريان البروتوكول التي تنص على أن “يدخل هذا البروتوكول وملحقاته حيز التنفيذ، في التاريخ الذي يقوم فيه الطرفان بتبليغ كل منهما الآخر بإنهاء الإجراءات الضرورية لدخوله حيز التنفيذ”، بحيث لا يدخل البروتوكول حيز التنفيذ بالنسبة لابروكسول إلا بتاريخ 16 ديسمبر 2012 الذي هو تاريخ المصادقة عليه من طرف البرلمان الأوروبي، فلا يمكن إذن للجنة الاوروبية أن تقوم بأي إبلاغ للطرف الآخر قبل هذه المصادقة. والأغرب في كل هذا هو الكيفية التي تم بها تحرير المادة 9 المتعلق بمدة البروتوكول التي تنص أن “يطبق هذا البروتوكول وملحقاته لمدة سنتين (2) بداية من تاريخ تطبيقه المؤقت دخوله حيز التنفيذ، باستثناء حالة إلغائه”. هذه المادة تعطي الحق لكلا الطرفين في دعواه المغاير للآخربحيث ذكرتنا حكم قاضينا المشهور “قاضي سدوم”. وتختفي وراء خلاف التواريخ هذا، رهانات مالية متعلقة بتسديد التعويض المالي المقدم من طرف الاتحاد الأوروبي الذي يستحق تسديد أول دفعة منه ثلاثة أشهر كآخر أجل من سريان العقد. أما بالنسبة للجانب الموريتاني، فهذه الدفعة من هذا التعويض يلزم أن تسدد في تاريخ أقصاه فاتح نوفمبر 2012، بينما يعتبرها الأوروبيون مستحقة في تاريخ أقصاه 16 فبراير 2013. مع أن حجة الجانب الأوروبي قليل الإقناعية، نظرا إلى أن البواخر الأوروبية بدأت ممارسة عمليات الصيد بداية من فاتح أغسطس 2012 بموجب اتفاق مؤشر عليه أو موقع، فهو يلزم الطرفين سواء كان مؤشرا عليه أو موقعها.
فيلزم الاتحاد الأوروبي، إما اعتبار أن البروتوكول دخل حيز المفعول بتاريخ فاتح أغسطس 2012، أو إما دفع جزء من التعويض المالي لموريتانيا يتناسب مع الفترة الممتدة ما بين فاتح أغسطس 2012 إلى 16 ديسمبر 2012.
فبديهي في هذه الصورة الأخيرة أن تكون مدة البروتوكول سنتين و خمسة أشهر، وهو ربما ما يبحث عنه الاتحاد الأوروبي.
ـ وحيث تعتبر مدة سنتين قليلة لامتصاص العون القطاعي الممنوح بموجب البروتوكولات، نظرا لما تتطلبه الإجراءات البيروقراطية البطيئة في بلدنا. فلنُذَكِّرُ أنه بخصوص البروتوكول المنصرم 2008 ـ 2012، بقي مبلغ 11 مليون أورو من العون القطاعي المقدم من طرف الأوربيين لم تحظ بمبررات استخدام، رغم تكرار طلب تلك المبررات من طرف الاتحاد الأوروبي.
يلزم أن يتضمن كل ابروتوكول صيد ذي مصداقية، بنودا متعلقة بتطوير الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وبلدنا، وخاصة، الاندماج الاقتصادي للفاعلين الأوروبين في مجموع قطاع الصيد في موريتانيا، وبالتالي ترقية الاستثمار الخصوصي وتحويل التقنيات (كما هي الحالة بالنسبة لابروتوكول 2008 ـ 2012 وكذلك بالنسبة للابروتوكول الموقع فيما بين الاتحاد الأوروبي والمغرب). غير أن ابروتوكول تقتصر مدته على سنتين ليس ملائما لمثل هذه الإجراءات التي تقتضي إطارا ثابتا ومستداما.
وأخيرا، فبخصوص الحالة الخاصة للابروتوكول الجديد، فمن مصلحتنا أن أيستمر لفترة أطول، خاصة أن الرخويات لم تعد مدرجة فيه من جهة، ومن جهة ثانية لكون 90 % من الإنتاج متكونة من سمك السطح. هذه المصيدة الأخيرة تعتبر مصيدة متنقلة، ومن مصلحتنا أن نستخدم كل الحصة الممنوحة لنا من طرف الهيئات المختصة (كوباس)، أي 1 مليون طنا للسنة)، وإلا سيتم اصطياد هذه الحصة من طرف جيراننا. ينضاف إلى ذلك أن البواخر الكبيرة المخصصة لهذه المصيدة بدأ وجودها ينقص شيئا فشيئا في العالم، و الفرصة متاحة لنا في اكتسابها عن طريق شريك ذي مصداقية مثل الاتحاد الأوروبي.
الإتاوة العينية: صعوبات في تطبيقها
يعول البروتوكول الجديد على منح إتاوات عينية تمثل نسبة 2% من الحصة الإجمالية لسمك السطح، أي 6.300 طنا، في حالة ما إذا ما تم تحقيق هذه الحصة، ولم يكن هناك إخفاء في التصريح عن الكميات. فحسب علمي، لم يتم تحديد الأصناف التي تطالها هذه الإتاوة العينية، لأن عبارة “سمك السطح” مبهمة حيث تنضوي على عدة أصناف من السمك، مثل: الصورال والماكريل والصردينلا والصردين، إلخ.. وللالتزام بالدقة، فإننا لا نعرف توزيع عينات الأسماك في الكميات الممنوحة، لأن أسعار العينات متباينة.
تعتبر هذه الإتاوة شيئا جيدا لأنها تمثل شيئا إضافيا، لكنها كما تم تصورها، تطرح مشكلين، لنا ولشريكينا الأوروبي. أما فيما يخص شريكنا الأوروبي فيواجه مسألة تسليم هذه الكمية من السمك: فالسمك يوجد على بواخر كبيرة لا يمكنها لأساب تقنية، أن تقترب من الميناء. فالصيغة الوحيدة لاستخلاص المنتوج منها هو إرسال قوارب تقليدية صغيرة. فتفريغ كميات من السمك من باخرة كبيرة على قارب صغير ليس بالأمر السهل.
ـ أما بالنسبة إلينا، فإن هذه الإتاوة العينية تنافس جناح الصيد التقليدي الوطني الذي يتولى تموين سوقنا الداخلي بالأسماك.
ـ فيلزم إذن إيجاد حل لهذين المشكلين.
ـ وقد فكرت شخصيا في حل يظهر لي مناسبا: فبدل استلام هذا المنتوج، نقوم ببيعه لشركائنا الأوروبيين (أصحاب السفن)، ثم نشتري بثمنه منتوجات طازجة من سوق الصيادين التقليديين بانواكشوط، ثم نقوم بعد ذلك تثليجها في مصانعنا بانواكشوط. وقد أظهرت نتيجة حساباتي أن الكميات المتحصل عليها بهذه الطريقة هي نفس الكميات التي نستلمها تقريبا، إلا أن هذه الطريقة المقترحة تحظى بالامتيازات التالية:
ـ نشتري منتوجات تتناسب مع استهلاك مواطنينا بدل فرض منتوجات لا يعرفونها عليهم (مثل الصورال).
ـ نقوم بتشغيل مصانعنا على الأرض.
ـ نختزل ثمن النقل من انواذيبو إلى انواكشوط.
ـ نسهل لشركائنا تسديد الإتاوة العينية التي سيتم تسديدها بهذا الموجب نقدا وليس بالعين.
ويتضح من خلال ما قدمنا آنفا على أن البروتوكول الحالي في الحقيقة لم يأت بشيء خارق للعادة مقارنة مع البروتوكول الذي سبقه وحتى مع البروتوكولات المماثلة له. بل على العكس من ذلك سجل البروتوكول الحالي تراجعات على عدة جبهات. فيجدر الآن بنا أن نُظْهِرَ على أن البروتوكول كان موضع النقص على جوانب أخرى هامة، ولكنها للأسف هذه المرة، قليلٌ من يعرفها من الجمهور الموريتاني.
الانخفاض الهام للعون القطاعي
ـ يتكون التعويض المالي المدفوع من طرف الاتحاد الأوروبي كهئية، دائما من مبلغين:
ـ مبلغ مخصص لميزانية الدولة،
ـ ومبلغ مخصص لتطوير قطاع الصيد (العون القطاعي).
ـ ففي الاتفاق المنصرم 2008-2012، مَثَّلَ هذا العون القطاعي بالنسبة للسنوات الأربع (4)، ما مجموعه 65 مليون أورو، أي ما معدله 16.250.000 أورو، أي نسبة 21% من مبلغ التعويض المالي.
ـ ففي الاتفاق الجديد لم يبلغ هذا التعويض إلا 3 ملايين أورو، أي نسبة 4% من المبلغ العام للتعويض المالي.
ـ هذا المبلغ ضئيل بداهة، أحرى إذا ما استحضرنا أن حاجيات القطاع من الاستثمار متعددة ومتنوعة، على سبيل المثال: تدعيم الرقابة، دعم المدرسة البحرية، حماية المساحات البحرية، بل أيضا تطوير الصيد التقليدي الذي كان ولم يزل القطاع الفقير إلى الاستثمار القطاعي، من غير أن ننسى دعم مدينة انواذيبو، التي أضحت في عقود الصيد بمثابة الأب الذي يسخر منه أبناؤه،كما يقول المثل الشهير.
ـ ومن باب المقارنة، فإن العون القطاعي يمثل في ابروتوكول الصيد المبرم ما بين الاتحاد الأوروبي والمغرب 2013 ـ 2017، 46% من مبلغ التعويض المالي (تنظر المادة 3 من ابروتوكول الصيد المبرم بين الاتحاد الأوروبي والمغرب).
ـ أما في ابروتوكول الاتفاق مع “الغريونلاند (فيعتبر هذا البروتوكول الثالث بخصوص ولوج الثروة السمكية، بعد موريتانيا والمغرب)، فهي تمثل 25%.
ـ فيمكن إذن اعتبار أن تطوير القطاع بعيدا من أن يكون أولوية في البروتوكول الحالي.
التخلي عن الاندماج الاقتصادي للفاعلين الأوروبيين
لقد عول البروتوكول المنصرم (2008 ـ 2012) في مادته رقم 8، على حزمة من الإجراءات التي ترمي إلى تشجيع اندماج الفاعلين الأوروبيين في قطاع الصيد الموريتاني وترقية الاستثمار الخصوصي. وهكذا تمكن القراءة في المادة السابقة ” يتعهد الطرفان بترقية الاندماج الاقتصادي للفاعلين الأوروبيين في مجموع قطاع الصيد في موريتانيا .. يتفق الطرفان بتعيين مجموعة مشتركة للتفكير من أجل النظر دوريا في المسائل المتعلقة بترقية الاستثمار الخصوصي في قطاع الصيد في موريتانيا، خاصة تسهيل إقامة مؤسسات خصوصية أوروبية، وشركات مختلطة، إلخ..”.
للأسف تم محو هذه الترتيبات من البروتوكول الجديد، وذلك ما شكل تراجعا لهذا اابروتوكول مقارنة مع الاتفاق الإطار (APP) وابروتوكول 2008ـ2012.
التخلي عن الصيد الاختباري
يهدف الصيد الاختباري الذي يسمى أيضا الصيد التجريبي، إلى اكتشاف فرص صيد إضافية غير التي تم الحصول عليها، لتمثل بذلك وسيلة تطوير للقطاع. وقد نص البروتوكول الماضي 2008 ـ 2012 في مادته الخامسة (5) على حزمة من الترتيبات لتشجيع ممارسة هذا النوع من الصيد الذي لا يمكن القيام به إلا عن طريق تعاون تقني وعلمي مع شركائنا. وقد كرس البروتوكول الموقع بين المغرب والاتحاد الأوروبي أيضا مكانة كبيرة لهذا الصيد. غير أن هذا النوع من الصيد قدتم تجاهله من طرف البروتوكول الحالي. وهذا أيضا ما شكل تراجعا للابروتوكول الحالي مقارنة مع البروتوكول الماضي.
الأضرار الجانبية للابروتوكول الجديد 2012 ـ 2014
قامت وزارة الصيد بإسراع تعميم لبنود هذا البروتوكول الجديد فور توقيعه (فيما يخص المناطق والإتاوات، إلخ..) على الأساطيل الغير أوروبية، وأساسا أساطيل أوروبا الشرقية، خاصة فيما يتعلق بسمك السطح، وذلك من غير مراعاة الظروف الخاصة لهذه الأساطيل.
والأخطر في ذلك طلب الوزارة من هذه الأساطيل تسديد إتاوة تعادل ما يدفعه الاتحاد الأوروبي (بما في ذلك الإتاوة والتعويض)، جاهلة أو متجاهلة أن هذه الأساطيل لا تحظى بآليات إعانة مالية (التعويض)، مثل تلك التي يحظى بها الأسطول الأوروبي. فوجدت البواخر غير الأوروبية نفسها مرغمة على تسديد إتاوة قدرها 346 أورو عن كل طن مصطاد من سمك السطح، بينما لا تدفع البواخر الأوروبية إلا 123 أورو عن نفس الطن المصطاد.
ينضاف إلى ذلك إبعاد مناطق الصيد )من 12 إلى 20 ميلا)، حيث خلقت نفس المخاوف بخصوص انخفاض الإنتاج لدى البواخر الأوربية.
وهذا ما مثل الطامة الكبرى بالنسبة لهذه الأساطيل غير الأوربية التي غادرت مياهنا تاركة وراءها مئات البحارة العاطلين وعجزا كبيرا بخصوص الإيرادات الميزانية.
إن مغادرة هذه الأساطيل قد انجر عنها بنفس الموجب إفلاس شركة “ساحل بنكرينغ” المنشأة بين جمهورية السودان وموريتانيا. كانت هذه الشركة تتولى دور الممون بالوقود لهذه الأساطيل، فانجر عن إفلاسها هي الأخرى تسريح عشرات العاملين. وهذا ما يذكرنا بالأزمة التي أحدثتها مغادرة الأساطيل المذكورة والتصريحات اللاذعة للمدير المساعد لوكالة الصيد الفدرالي الروسي، مهددا برفع البروتوكول الموريتاني الأوروبي أمام المنظمة العالمية للتجارة.
وبعد أن وعت الوزارة بصفة متأخرة، خطورة الخسائر، قامت بتراجع غير مدروسن وذلك بتخفيف الشروط المضروبة على هذه الأساطيل، غير أن هذه الأخيرة تأخرت رغم كل ذلك في الرجوع إلى مناطق الصيد الموريتانية.
إن تعميم شروط ابروتوكول 2012 ـ 2014 على الأساطيل الغير أوروبية لا يمكن أن يفهم إلا بتفسير متعسف ومن وجهة نظري خاطئ لترتيبات الفقرة 5 من المادة 1 من البروتوكول التي تنص على أن “مجموع الإجراءات التقنية الخاصة بالحفاظ على الثروة واستصلاحها وتسييرها، وكذلك الترتيبات المالية، والإتاوات أو الرسوم الأخرى التي تلزم بالحصول على رخص الصيد، مثل ما هي محددة بالنسبة لكل صنف من المصايد في الملحق 1 من هذا البروتوكول، سيتم تطبيقها على كل أسطول صناعي أجنبي يقوم بالصيد في مناطق الصيد الموريتانية، يتسم بنفس المواصفات الفنية التي يتسم بها أسطول الاتحاد الأوربي”. هذا البند لا يستند في شيء إلى التعويض المالي المدفوع من طرف الاتحاد الأوروبي بموجب البروتوكول، والمنصوص عليه في المادة 2 منه وليس في الملحق 1 المذكور آنفا. ثم بعد ذلك، إذا كانت اللجنة الأوروبية هي السبب في هذا التعميم المجحف لموريتانيا، فقد تجاوزت بموجب هذا التصرف قرار البرلمان الأوروبي الصادر بتاريخ 12 مايو 2011 المذكورة آنفا والذي يمثل خارطة الطريق بالنسبة للجنة الأوروبية و الذي تنص في نقطته (i): “نظرا إلى أنه من الأهمية بمكان، في إطار التفاوض حول فرص الصيد بموجب البروتوكول الجديد، مراعاة العلاقات التي تربط موريتانيا ببلدان أخرى تقوم بالصيد هي الأخرى، على أساس اتفاقيات ثنائية أو خاصة، في منطقتها الاقتصادية الحكرية”.
وفي نهاية المطاف، يعتبر تعميم شروط البروتوكول الحالي التي تدرج التعويض المالي الأوروبي، أفضل الوسائل لاستبعاد أساطيل صيد البلاد الأخرى.
وختاما، أقول إن اتفاقيات الصيد مع الاتحاد الأوربي تنقسم إلى نوعين (2): اتفاقيات الشراكة التي تساعد على تنمية البلد والمعروفة باسم “اتفقاية الشراكة في قطاع الصيد” (APP)، ثم الاتفاقية التي تقوم بتثمين التأثيرات المالية فقط، والتي تسمى عموما بالاتفاق “اصطد وسدد وغادر” (PPP). فأرى أن البروتوكول الحالي يمكن تسجيله ضمن هذا الصنف الأخير، وذلك بموجب كون الاجراءات المتخذة بخصوص تطوير القطاع والبلد قد تم التخلي عنها أو تجاهلها، بما في ذلك:
ـ تفريغ الحمولات في انواذيبو المسبب اللآثار الضمنية المربحة للقطاع وللاقتصاد.
ـ العون القطاعي الذي ينتظر منه أن يساعد في تطوير القطاع،
ـ الشراكة وتطوير الاستثمار الخصوصي،
ـ البحث الذي يعتبر أساسا لكل تنمية، وذلك فيما يتعلق خاصة بالصيد الاختباري.
وبالمقابل، فقد تم إحداث ضجة واسعة لتثمين الإسهام المالي للبروتوكول الجديد، وهو ما يحتاج إلى البرهنة كما رأينا آنفا.
فقد انحرف إذن ابروتوكول 2012ـ2014 عن إطار التعاون (APP) الموقع سنة 2006 بين الاتحاد الأوروبي وموريتانيا والذي تم تمديده حتى غاية 2018 والذي يحث خاصة على تنمية موريتانيا عن طريق ابروتوكولات الصيد المبرمة في هذا الصدد.
محفوظ ابراهيم اطفيل
أمين عام الاتحادية الوطنية للصيد سابقا
رئيس المنظمة غير الحكومية “بحر وتنمية”
البريد الألكتروني: tawaz100@yahoo.fr

شاهد أيضاً

رئيس الجمهورية يصل إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي

وصل رئيس الجمهورية، ، السيد محمد ولد الغزواني،صباح اليوم الجمعة (6 دجمبر 2024) إلى العاصمة …

اترك تعليقاً