24 مايو 2025 , 6:51

أمن «الساحل والصحراء»: التنافس العالمي وأزمات الدولة الأفريقية / بقلم: محمد ولد المنى

2018يشهد مجال الساحل والصحراء أهمية متزايدة كقلب جيواستراتيجي لأفريقيا، وكمحور للعلاقات عبر البحر الأبيض المتوسط وأفريقيا وغرب آسيا، بالنظر إلى تزايد مشكلاته الأمنية من جهة، وتزايد الاهتمام والتنافس الدولي حول أفريقيا من جهة ثانية، حيث تعد السيطرة على الصحراء الكبرى بمنزلة مدخل للسيطرة على أغلب القارة الأفريقية. فهل يمكن إقامة ربط تاريخي لبعض الظواهر الأمنية والثقافية الحديثة بمحطات ووضعيات تاريخية صحراوية أفريقية؟ وما حقيقة وجود تنافس إقليمي وخارجي في المنطقة؟
في الكتاب الذي نعرضه هنا، «الأمن في منطقة الساحل والصحراء في أفريقيا»، لمؤلفه كريم مصلوح، نجد نقاشاً مستفيضاً حول مشكلات الساحل والصحراء، وما إذا كانت مشكلات أمنية خالصة، أم أنها مشكلات أمنية وسياسية وإنسانية وجيواستراتيجية وجيوثقافية. وقد جاء الكتاب في قسمين رئيسيين؛ تم تخصيص أحدهما للأبعاد المحلية والإقليمية للأمن في منطقة الساحل والصحراء، وهو يناقش سمات الأمن المحلية والإقليمية للمنطقة، وضغوط التعاون الإقليمي والدولي. أما القسم الثاني فيتركز على العناصر التفاعلية الناتجة عن انخراط بعض القوى المهمة في الساحل والصحراء، مع محاولة الوقوف على الأدوار الفرنسية والأوروبية، ودورَي الصين والولايات المتحدة، ثم محاولة تفسير أزمة مالي والعملية الفرنسية فيها عام 2013.
وكما يوضح الكتاب فإن مفهوم إقليم الساحل والصحراء يتعلق بمنطقة نشأت عليها دول حديثة التكوين، متنوعة التكوينات الإثنية والسياسية والمذهبية، وتتخبط في مستويات متدنية من التنمية، كما تعاني من مشكلات انعدام الاستقرار السياسي. وإلى ذلك تتزايد الحسابات الدولية وتتجدد حول الساحل والصحراء، إذ لم يعد الأمر يتعلق باهتمام الدول المستعمِرة سابقاً، كفرنسا، بل أصبح يشمل دولا أخرى مثل الولايات المتحدة والصين والهند والبرازيل. كما أن المنطقة مرشحة لاكتساب عوامل جذب جيواقتصادية إضافية بعد اكتشاف كميات جديدة ومتزايدة من النفط واليورانيوم في غرب أفريقيا، علاوة على ما تتمتع به هذه المنطقة من قدرات هائلة في مجال الطاقة البديلة (الشمس والرياح). فعناصر الثروة هذه، يقول المؤلف، يمكن أن تضيف أبعاداً جديدة وحيوية للاهتمام الإقليمي والدولي بالساحل والصحراء. وقد اكتسب الدور الأميركي زخماً قوياً منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، مع تزايد الإعلان عن حركات مسلحة في المنطقة قد تستهدف المصالح الغربية. ووفقاً للمؤلف، فقد أضحى التحدي الناجم عن وجود تلك الحركات السمة الأساسية لمشكلة الأمن في الساحل والصحراء، لذلك نجده يصنفها من حيث انتمائها الجيوسياسي ومنطلقاتها، فيميز بين أربعة أصناف منها في المنطقة: جماعات مسلحة وسياسية محض لا علاقة لها بالنشاط الجهادي، وجماعات مسلحة ذات أهداف «جهادية» (مثل «القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي» و«بوكو حرام» في نيجيريا)، وجماعات مسلحة متخصصة في التجارة غير المشروعة (تهريب الأشخاص والكوكايين والسجائر والسلاح)، وأخيراً جماعات مسلحة تمارس القرصنة والسرقة والخطف.
ويعتقد المؤلف أن أهم عناصر القوة لدى هذه الجماعات هو الجغرافيا الصعبة التي تنشط فيها داخل واحدة من المناطق الأقل مراقبة في العالم؛ إذ يتضح من ذلك أن الجماعات الجهادية في المنطقة ليست على جاهزية عالية، تنظيمياً ولوجستياً وبشرياً، إذ ارتكز أغلب عملياتها، حتى عام 2010، على اختطاف رهائن، مع بعض الهجمات المتقطعة والصغيرة في موريتانيا، بينما شكلت عمليتها ضد مركز أمني في مدينة تمنراست الجزائرية، في مارس 2012، إحدى عملياتها النوعية القليلة في المنطقة.
ويناقش المؤلف محدودية هذه الجماعات المسلحة من خلال ضعف الدول التي تنشط فيها، والتي تفتقر لبنيات أمنية قوية، وللرقابة على مساحات واسعة من أراضيها وحدودها الطويلة، كما هو حال الحدود الطويلة في شرق موريتانيا مع مالي، حيث تتداخل المناطق وحركة السكان الرحل. وأمام هذا الوضع تقوم بعض الدول الإقليمية بدور اللاعب المحوري، كما هو حال الجزائر التي أصبحت «الراعي الرسمي» لمحاربة الإرهاب في الساحل والصحراء، وذلك انطلاقاً من محددات يذكرها المؤلف؛ مثل وضعها الجغرافي الذي يمنحها صحراء واسعة في الجنوب، وتجربتها في محاربة الجماعات المسلحة، وكونها البلد الأغنى في المنطقة ضمن بلدان الميدان الأخرى.
ويعتقد المؤلف أن ظواهر النشاط الجهادي والتطرف وأشكال الجريمة الأخرى، كعناصر استراتيجية للأمن في الساحل والصحراء، لا يمكن معالجتها بمعزل عن مشكلات الفقر والبيئة الجغرافية الصعبة، وكذلك معضلة انتشار الفساد الإداري والسياسي والمالي في دول المنطقة. ومن ذلك الأزمة الداخلية التي اندلعت في مالي عام 2012، وأعقبها استيلاء التنظيمات المسلحة المتشددة على شمال البلاد، مما استدعى عملية التدخل العسكري الفرنسي في عام 2013. وهي عملية، كما يقول المؤلف، تقع في الإطار الجيواستراتيجي العام للإدارة الفرنسية حيال هذه المنطقة بصورة خاصة، لكنها لا تنفصل عن عناصر الأزمة التأسيسية الجذرية والعميقة في مالي وجاراتها الساحليات الأخريات.

شاهد أيضاً

التسويق الاجتماعي كأداة لتعميق الأثر التنموي”من البناء إلى التأثير”

لقد شهدت موريتانيا خلال العقود الماضية تطورا تدريجيا في أدوات السياسات الاجتماعية غير أن أغلب …

اترك تعليقاً