لا تزال أفريقيا، القارة السمراء والغنية بالموارد الطبيعية، تسترعي انتباه الغرب، وتثير اهتمامه، ليس فقط بسبب ما تشهده بلدانها من أحداث وصراعات، ورغم أن القارة لم تعد مستعمرة، إلا أن العين الغربية مصوبة إليها بدقة.في سياق الاهتمام الغربي بالقارة الأفريقية، اجتمع زعماء عالميون قبل يومين في مدينة بروكسل في بلجيكيا، لحضور قمة الاتحاد الأوروبي وأفريقيا والتي عقدت على هامشها سلسلة من الاجتماعات الخاصة تتعلق بالصراع الدموي الدائر في جمهورية أفريقيا الوسطى.
وبحث حوالي 80 من القادة الأفارقة والأوروبيين، سبل أعادة الاستقرار والترويج للمصالحة الوطنية من خلال المساهمة في إحياء الدولة في هذا البلد الأفريقي، حسب ما أعلن مجلس الاتحاد الأوروبي الذي يمثل الدول، حيث جدد القادة بقيادة فرنسا التزامهم بوقف دوامة العنف في أفريقيا الوسطى، إذ سينشر الاتحاد الأوروبي قبل نهاية مايو نحو 800 جندي، ومن جهتها تنوي الأمم المتحدة نشر 12 ألف جندي وشرطي قبل منتصف سبتمبر سيحلون محل قوة “ميسكا” الأفريقية التي تنتشر إلى جانب ألفي جندي فرنسي في إطار عملية “سنغاريس”.
مساعدات إنسانية
أما عن المساعدات التي سترسل فقد قرر الاتحاد الأوروبي تخصيص ثلاثين مليون يورو، من أصل 352 مليونا رصدها من أجل إرساء استقرار أفريقيا الوسطى، للمساهمة في إعادة بناء الدولة.
من جهته، أعلن وزير الخارجية البريطاني وليام هيغ الإفراج عن 7،2 ملايين يورو إضافية لتصل قيمة المساعدة الإنسانية البريطانية إلى 27،8 مليون يورو، وركزت رئيسة مفوضية الاتحاد الأفريقي نكوسازانا دلاميني زوما خلال افتتاح القمة على ضرورة “إسكات الأسلحة” في أفريقيا الوسطى، مشددة على وجوب أن يشمل ذلك القارة السمراء برمتها، فيما أكد رئيس المفوضية الأوروبية جوزيه مانويل باروزو اتفاقا داخل الاتحاد الأوروبي لتخصيص 800 مليون يورو للفترة بين عامي 2014 و2016 بهدف تعزيز القدرات الأفريقية الوقائية وإدارة النزاعات.
وقد جاء تركيز القمة الأوروبية الأفريقية التي نظمتها فرنسا على مناقشة الأوضاع المتدهورة في أفريقيا الوسطى، التي تشهد موجة اقتتال وصراعا عنيفين سرعان ما تحولا إلى عمليات اضطهاد ضد سكانها المسلمين، وكان المسلمون الذين يعاملون بشكل سيء في البلاد قد بدؤوا بتمرد “سيليكا” في شهر ديسمبر من العام الماضي، وتمت الإطاحة بالرئيس فرانسوا بوزيزيه في شهر مارس، ليحل محله الرئيس ميشيل جودوتيا ، كأول رئيس مسلم للبلاد ولكنه لقي مصاعب في ضمان الاستقرار في البلاد، لتعين بعده ” كاثرين سامبا بانزا” رئيسة البلاد.
ويمثل عدم الاستقرار وخطورة الأوضاع التي تشهدها بعض بلدان القارة السمراء كما في جمهورية أفريقيا الوسطى، ومالي، محفزا للتدخلات الأجنبية العسكرية على أراضيها، و تأتي فرنسا في مقدمة تلك الدول، والتي لطالما شكلت فيها القارة السمراء إحدى أهم دوائر السياسة الخارجية الفرنسية وهذا ما يبرر التدخلات العسكرية المكثفة التي تقوم بها في أفريقيا، حيث يعود التدخل الفرنسي في بؤر التوتر في القارة الأفريقية إلى عشرات السنوات، ويؤكد المراقبون أن ذلك يرجع إلى ارتباط فرنسا تاريخيا بمستعمراتها الأفريقية ومصالحها الحيوية والاستراتيجية هناك.
تسابق دولي
وفي أواخر العام الماضي، أعلنت فرنسا عن إعادة تنظيم قواتها العسكرية في مؤشر على تغيير في استراتيجيتها العسكرية في القرن الأفريقي وعلى نحو يتيح تواجدا إقليميا أكثر قوة، وهو ما ظهرت بوادره في مالي، وبعد ذلك في أفريقيا الوسطى، بعد التدخل العسكري على أراضيها، في ظل أزمات سياسية كبيرة تعصف بالبلدين.
ولعل التسابق الدولي في الاهتمام بالصراعات الدائرة في بؤر التوتر الأفريقية يرجع، حسب ما يراه الكثير من المحللين، إلى رغبة الدول الكبرى في الاستئثار بالثروات الطبيعية في تلك المنطقة، بما في ذلك اليورانيوم، الذي يستخدم في إنتاج القنبلة النووية، فضلا عن الماس والذهب، وانطلاقا من ذلك، تكثف الاهتمام الغربي المتزايد تجاه أفريقيا لشرعنة التدخلات العسكرية فيها تحت غطاء إنساني بحت، يخفي نوايا جدية لعودة استعمارية مختلفة إلى أفريقيا.
والمتتبع للمتغيرات السياسية على الساحة الدولية، والصراع بين القوى الكبرى خاصة بين الولايات المتحدة وروسيا والصين على أكبر قدر من النفوذ، يدرك أن ثروات القارة السمراء لا تزال تثير لعاب الغرب الذي أبدى اهتمامه بالمنطقة عبر التدخلات العسكرية التي كان ظاهرها إنسانيا وباطنها مصلحة استراتيجية، نوايا عبرت عنها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل داعية الاتحاد الأوروبي إلى ضخ المزيد من الاستثمارات في قارة أفريقيا لمواجهة المنافسة الاقتصادية المتزايدة من جانب الصين في القارة السمراء.
ورأت “ميركل” ضرورة أن تكون المنافسة الصينية لأوروبا في أفريقيا، حافزا لأوروبا على زيادة الاستثمارات هناك وليست سببا للانتقاد، كما أشارت إلى ضرورة أن يتجاوز دور الاتحاد الأوروبي في أفريقيا مجرد تقديم مساعدات تنموية، وهو ما يفسر المساعدات الغربية السخية التي قدمت في القمة المنعقدة أخيرا.
وقد كشفت العديد من التقارير، تعاظم النفوذ الصيني في القارة السمراء باستثمارات اعتبرت المنقذ الوحيد للأزمات الاقتصادية التي تعاني منها أغلب البلدان الأفريقية، وهو ما يعكس السباق الغربي الصيني للاستحواذ على أكبر قدر ممكن من التأثير في تلك المنطقة، وأصبحت فكرة تنامي الدور الصيني في القارة الأفريقية حقيقة لا يمكن الاختلاف عليها.
وقد حرص الرئيس الصيني “شي جين بينج” منذ توليه الرئاسة في الصين، على تعميق العلاقات الاستراتيجية مع أغلب البلدان الأفريقية ودعم المبادلات التجارية بينهما، وسعيا إلى تعزيز التعاون، صادق المنتدى الخامس للتعاون “الصيني – الأفريقي”، في بكين، على خطة عمل للفترة ما بين 2013 و2015، تمكن الدول الأفريقية من الحصول على قروض ميسرة قيمتها 20 مليار دولار لتطوير البنى التحتية، الزراعية والصناعة، ومساعدة الدول الأفريقية على تحقيق التنمية الذاتية والتنمية المستدامة، إضافة إلى إعلان الصين عن تدريبها خلال هذه القترة 30 ألف كادر من الدول الأفريقية في مختلف المجالات، وتوفيرها 18 ألف منحة دراسية للطلاب الأفارقة، كما عرض رئيس الحكومة الصينية أثناء زيارة قام بها للقارة السوداء في عام 2009 للدول الافريقية قروضا ذات شروط تفضيلية بلغت قيمتها 10 مليارات دولار.
النفوذ الصيني في أفريقيا
وتتجه الصين بشكل متزايد إلى أفريقيا من أجل النفط وغيره من المواد الأولية ولغاية أسواقها والحصول على الدعم الدبلوماسي الأفريقي، ولكن النقاد الغربيين يقولون إن المعونات والمساعدات التي توفرها بكين مربوطة بمصالحها الاستثمارية.
الاهتمام الصيني الكبير بأفريقيا، استرعى انتباه العديد من المراقبين والسياسيين على حد سواء، والذين حذروا من شكل جديد من الاستعمار الذي تنفتح أفريقيا أمامه طواعية في وجه المشاريع الصينية، وهي تخوفات حذرت منها وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون، متوقعة أن تكون الصين القوة الاستعمارية الجديدة في أفريقيا، وأن وجودها يشكل مصدر قلق بالنسبة إلى العديد من الحكومات الغربية، كما أبدى وزير الخارجية الحالي جون كيري مخاوفه من أن الاستثمارات الصينية في أفريقيا أصبحت أكثر من الأميركية.
وتنفي الصين، مع تصاعد التحذيرات للنوايا الحقيقية في علاقاتها مع الدول الأفريقية، وجود أية توجهات استعمارية أو إمبراطورية تجاه القارة السمراء، مؤكدة أنها لن تتدخل في شؤون الدول الأفريقية ولن تسعى إلى أي شكل من أشكال الهيمنة، إلا أن المراقبين يدركون أن الواقع هو عبارة عن صراع وجودي علني بين الأقوياء، والنتيجة للذي يحقق ويرسخ أكبر قدر من النفوذ على تلك المناطق الغنية بالثروات الطبيعية.
ويؤكد المراقبون أن نهج الصين في تعاملها مع أفريقيا خلق عداء قويا مع الدول الأوروبية وأميركا، في ظل سيطرة الصين على الحكومات الأفريقية من خلال المبادلات التجارية والاستثمارية، وبدأ الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة يثير تساؤلات ومخاوف النفوذ الصيني في أفريقيا ويستشعر الخطر على مصالحه في القارة، وهو ما خلق تنافسا أوروبيا أميركيا داخل أفريقيا، خوفا من زيادة قوة الصين الاقتصادية في القارة السمراء.
القلق الأوروبي و خاصة الفرنسي من الخطر الصيني الذي يهدد مستعمراتها السابقة، جعل باريس تتخذ خطوات لتطويق النفوذ الصيني الذي يهدد مصالحها الحيوية في تلك المنطقة، التي لا زالت فرنسا تعتبرها تابعة لها، حيث أشار موقع “غلوبال ريسيرش” البحثي، إلى اتفاق أبرم بين فرنسا واليابان باعتباره تعاونا استراتيجيا لمحاربة نفوذ التنين الاصفر المتزايد في أفريقيا.
المصدر:صحيفة العرب /لندن