وَلاَ تُسْنِدَنَّ الحَقَّ بِالْقَوْلِ وَحْدَهُ
فَإِنً عِمَادَ الحَقِّ مَا أَنْتَ فَاعِلً
للولاء أصوله، وللوفاء ضوابطه وقواعده..وللقيادة سحرها على الناس، ودورها عند الشدائد، ومفعولها في رفع الهمم وطمر المحن وتفكيك الأزمات التي تشكل حالة استثنائية من التيه والاختلاط والتباس الوعي، فلا تعطي المرء القدرة والامكانية للوصول إلى يقينات أو أفكار كليّة تجلو حقائق الأمور وتفكك تشابكاتها وتوصل الى قناعات توافقية وعقلانية.. حين تتدافع الأفكار وتتداخل الوقائع وتختلط الامور إلى درجة الابهام والدهشة، ويكاد الانسان يحار فيما يقول وفيما يدبّر ويفكّر .
ولقد ولدت الحالة السياسية الوطنية عشية انتخابات 23 نوفمبر الفارط واقعا تنافسيا جادا وجديدا أفرز حالة غضب، ونزق ، وتمردات استثنائية لاتزال تولّد تعبيراتها الحادة والفوضوية ، لكن ما يؤرق فيها هو انفتاحها على قضايا متعددة يصعب نظمها في نسق وسياق واحد، ولذا يبدو الأمر أكثر تعقيدا والتباسا وأكثر نزوعا للانسداد والإبهام…
سوى أن القدر قيض للأيام الصعبة والتحديات الجسيمة والوقائع الحالكة رجالا على حجم التحدي، لا يعرفون في وقت الشدة مكانا للحسابات الصغيرة، والحزازات القديمة، والمنافسات الحزبية، والخواطر الملوثة بمحاليل الشماتة والتشفي، بل يعمدون بدل ذلك إلى جسر الهوة، وردم كل الخلافات، ومحو كل التعارضات والتناقضات، وغسل كل ما يعلق بالمشاعر والأحاسيس من شوائب ورواسب ومعاتبات.
رجال أدركوا سريعا أن فضيلة التنازل المتبادل والتساهل مع الآخر تحتاج إلى إرادة سياسية حازمة، وقوة عقلية راجحة، ومغالبة نفسية وروحية شاقة، وقدرة هائلة على الترفع والتسامي والتسامح.. لأن التحديات الجسيمة تتطلب تضحيات عظيمة، وأعمالاً جليلة، وهمماً شامخة، وقدراً كبيراً من ‘الجهاد الاكبر’.
ولعله من المصادفات التاريخية النادرة في بلادنا أن يوجد الرجل الأمثل للمهمة الأصعب، في الوقت الأدق، سوى أن الحال كانت هكذا في حملة حزب الإتحاد من أجل الجمهورية على مستوى العاصمة نواكشوط، التي تقلد مهمتها وزير التنمية الريفية ابراهيم ولد أمبارك ولد محمد المختار، وهو الرجل الذي تصادف وأن كنت شاهدا على بعض ما بذله في سبيل إنجاح المهام الموكلة إليه، لا بل وتجاوز مستوى الإنجاز والإكمال إلى عتبة ابتكار الحلول الأنجع واجتراح الإستراتيجيات الأجدى والأنفع، سبيلا إلى رفع التحدي الانتخابي على مستوى العاصمة، ومؤازرة النهج الذي رسمه وتبناه وعمل من أجله رئيس الجمهورية السيد محمد ولد عبد العزيز..
طيلة هذه الأيام الحافلة بالوقائع لمسنا من الرجل عفة في النفس، ونظافة في اليد، وحسنا في المعشر وتحريا للصدق والنزاهة، والأمانة والشرف جعلنا نجزم مطمئنين أنه خير مثال على الجمع بين المنصب الرسمي الرفيع والولاء الثابت للمبادئ الأخلاقية السامية، فقد ظل حريصا طيلة الحملة على صورة الحزب وهيبة الدولة معا، واعيا ضرورة تخليصها من عثراتها وأزماتها وتعزيز وجودها وصمودها على كافة المستويات، هذا مع قدرة فائقة على المجاهرة بالحق والحرص على الحوار والبحث الجدي والجماعي عن جوامع وطنية، وقواسم مشتركة، واستشراف إصلاحات سياسية واقتصادية متدرجة، ومقاربات في الصفوف والمواقف والأهداف ، خصوصاً بعدما برهنت التحديات الحاضرة ان من المستحيل الفصل بين ما هو حزبي داخلي، وما هو وطني عام وشامل..
ومع الوقت ترسخت لدي ـ شخصيا ـ قناعة متجذرة أن القراءة العميقة والدقيقة لشخصية هذا الرجل الواعد، تكشف بجلاء عن صرامة جوانية خارقة تستتر خلف هذا المظهر الهادئ والوديع والمهذب.. وأصبحت كامل اليقين ان ثمرة الأعمال المسندة إليه ستكون من نوع مختلف، وأن قدراته على الإدارة والتدبير سوف تفوق كل تصور.. فكم تحدث، خلال جلسات العمل عن رؤيته الديموقراطية والاصلاحية موضحا ومشددا على أن الانتخابات ليست تحشيدا غوغائيا عصبويا بلا معاني أو غايات، وانما هي عملية سياسية – اجتماعية طوعية راقية في اختيار من يرى فيهم الناخب أنهم يمثلون المطالب والمثل والتقاليد الكبرى للمجتمع، ويدافعون ويعبرون عن مباديء سامية في الحرية والتقدم.
لكن الرجل لم يكن ـ شأن الكثيرين ـ يطلق كلاما مرسلا جزافا وإنما كان يعاضد حديثة بالفعل ورؤيته بالعمل وطرحه بالتطبيق مانحا الأولوية القصوى لمتطلبات الناس، وملخصا في كلمات قليلة صيغة الكثير من البرامج والمخططات العلمية والعملية الكفيلة بتطوير أنماط الحياة، وتسريع وتائر التنمية، وتلبية احتياجات الشعب المتطلع بلهفة وشغف الى عيش رغيد وحياة افضل…
لأجل ذلك كله لم أتفاجئ ـ كمتابع للمشهد السياسي ـ بحجم الإنجازات العينية المشهودة التي حققها الحزب على مستوى نواكشوط، وهي المكاسب التي ترجمت في فوز مستحق بخمس بلديات من أصل المقاطعات الثمانية التي خاص فيها الحزب جولة الإعادة، رغم دقة الظروف السياسية التي اكتنفت عمل الحزب، لاسيما في منطقة نواكشوط،وهي إنجازات كانت لتكون ـ ربما ـ بعيدة المنال لو لم يرصد للمهمة صاحبها، إلا أن شَنّا ـ لحسن الحظ ـ وافق طبقه كما يقال، فانعقد النصر الذي كان حلما، وتجسد الأمل عملا، بعد جهد وجد، أقل ما يوصف به أنه تجاوز كل مفردات “أفْعَلَ” التفضيل، و لو أن المقام يتسع للتحليل والتعليل ، لكان بمستطاعنا تقديم مطالعة مطولة أو مقاربة مفصلة حول جملة من المهارات والمبادرات التي اجترحها الرجل على مدى سير الحملة، ليس فقط لتعزيز تحالفات الحزب ، ولحفظ بنيته من التشقق والتمزق، ولصون قواعده الشعبية من التفكك والضياع.. بل أيضاً لوضع معارضيه ومنافسيه، منذ البداية، في الجانب الخاسر من معادلة الصراع السياسي، ودفعهم لكي يتولوا بأنفسهم استنزاف قدراتهم، وتسعير خلافاتهم، والمسارعة إلى الضمور والانحسار فالتلاشي والأفول.