هل يعلم الجميع أن الولي الصالح و المنفق الجواد، الراسخ القدمين بمقتضيات “لا إله إلا الله”، الموطأ الأكناف، لم يغادر ولاية آدرار و بالتحديد منها أطار و “آمدير” و “انتيد”، إلا نادرا أو لغرض الاستشفاء مؤخرا إلى نواكشوط و باريس، و ذلك منذ أن من الله عليه بالظهور الخارق مربيا للقلوب و وليا منفقا أجرى على أياديه البيضاء من الكرامات الإلهية ما تحار العقول الطاهرة في حصره و المنكرة عن استيعابه ؟
و لم تكن هذه الرحلات التي تعد كلها على أصابع اليد الواحدة بدافع الخوف من المرض أو هربا من الموت لأن الرجل عرف الله فهانت عنده الدنيا و سبح في بحور الإيمان حتى لم يكن يتللذ بغير ذكر الله و التفرد و الإخلاص لعبادته و الاستعداد للقائه، و لكنه كان يسعى إلى العلاج امتثالا لأوامر الله التي تدعو إلى حفظ النفس و البدن الذين خلقهما الله و أودعهما الجن و الإنس لعبادته دون سواها “و ما خلقت الجن و الإنس إلا ليعبدوني ما أريد منهم من رزق ز ما أريد أن يطعموني صدق الله لعظيم“. حقيقة قرآنية فاصلة في رسوخ الإيمان عرفها الولي و الشيخ المربى اعل الشيخ ولد امم فتدثر بهما عملا و احتسابا و أماط عن حياته سراب الدنيا و خداع ملذاتها الزائفة.
بلى، لقد كانت قلوب الناس تنساق إلى حلاوته و حوض صلاحه من كل فج عميق و تنهال عليه الدنيا بمتاعها و زخرفها من كل حدب و صوب فينفقها في وجه الله تعالى على كل من تضمنتهم سورة “التوبة” في محكم التنزيل المحيط بكل شيئ ” إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ ۖ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ صدق الله العظيم ” و يطعمها من غير حسابكل قريب و بعيد و حاضر و غائب فكان يرغب فيها الغني قبل الفقير التماسا للبركة و الصحيح قبل السقيم التماسا للسلامة من السقم.
لقد كان بهذا يريد أن يكون في زمرة(الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ سِرّاً وَعَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ صدق الله العظيم)و من الذين ينالون البر بما وعد اللهفي صادق القولو طاهره (لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون و ما تنفقوا من شيء فإن الله به عليم صدق الله العظيم).
و لم يكن الولي اعل الشيخ ولد أمم يغادر صغيرة و لا كبيرة من سنة الرسول الكريم صلى الله عليه و سلم الغراء ، في كل نية يبيتها أو عمل يقوم به، و كان بذلك دائم التأسي بها عاملا و موجها و مربيا و ناصحا بمقتضاها و فحواها في الممارسة و الخلق لدرجة أنه لم يكن يبقي شيئا قد يظن نفسه بحال تميل إليه علما بأنه ما أحب شيئا لذاته و لا لذاته من فرط الزهد في متاع هذه الدنيا الفانية حتى بات في أمرها مرتبطا بهدي نبي الهدى و سيد العارفين في شأن زوال متاعها و الأخذ بها إلا لله فحسب، حينما جاءته شاة كهدية، فقال للسيدة عائشة رضي الله عنها: ” تصدقي بلحمها “. وكانت السيدة عائشة رضوان الله عنها تعرف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب لحم الكتف، فتصدقت بلحم الشاة كلها، وأبقَتْ قطعة من لحم الكتف لرسول الله صلى الله عليه وسلم. وعندما عاد رسول الله صلى الله عليه وسلم ، سألها: ماذا فعلت بلحم الشاة؟ قالتتصدقت بها كلها وأبقيت كتفها. فقال صلى الله عليه وسلم: ” بل قولي أبقيتها كلها إلا كتفها.”
و إننا لا نجافي الحقيقة إن رددنا ما يقوله معدمو مدينة أطار و مهمشوها من ضياعهم بعد الذي كان يحميهم و يسعدهم في زمن اللهث وراء القوة التي تقصي القريب حتى يذل و الند حتى يدهس و الكل الآخر حتى تنصب فوق ظهوره رايات النصر الواهي و كبرياء القوة الكاذبة و الوهم المهلك.
في مدينة أطار، مدينة العابد الصالح اعل الشيخ ولد امم تشتم من بعيد رائحة الإخاء بين الجميع و العطف على الضعيف و تحديدا في وسط و على أطراف دائرته المنيعة، تلكم الدائرة التي تغيب فيها الفوارق فيتساوى الغني القادم و الفقير المقيم على مائدة الحب و التقوى التي أسسها لتسع الجميع، و قد انتشرت بين السكان مفردات عذبة النطق حلوة السماع اندمجت في لغة الجميع حتى باتت تتردد على كل الألسن و كأنها مقاطع موسيقية تتخلل سنفونية حب و تقدير الآخر في ملحمة الإنسانية التي أراد لها أن تكون.
رحم الله الولي العابد و الإنسان المنفق اعل الشيخ ولد أمم و جعل ذريته خير خلف لخير سلف و أعدها لحمل المشعل متقدا و تواصل مسيرة عطائه العظيمة إسهاما و إبقاء على روح الإنسانية و القيم الإسلامية الفاضلة التي أسس لها بالتقوى و خلص بالعمل و إن الله ليستحي من أن ينزع البركة من موضع قد جعلها فيه و هو القائل عز و جل و قوله الحق “و كان أبوهما صالحاصدق الله العظيم” فإنه لم يدخر والدٌ لولده ذخراً أعظم من أن يكون الأب صالحاً في نفسهفإن الأب إذا كان صالحاً في نفسه حفظ الله جل وعلا من بعده ذريته بصلاحه.