26 أبريل 2024 , 22:44

مصيدة الانتخابات..

sidiسيد ولد محمد الامين/ “لا أريد المزيد من الجبن.. أريد فقط الخروج من المصيدة”- ريتشارد تمبلر

يدور في خلدي أحيانا أنني على خطأ، وأتساءل هل الخيار الذي اتخذه بخصوص هذه الانتخابات هو الخيار الأمثل؟ أدعي أنني ديمقراطي، وأطمح للديمقراطية فلماذا أتخلى عن واحدة من أهم الوسائل الديمقراطية: الانتخابات..!!؟

ألا يمكن أن أوجه نضالي للتحسين من ظروف هذه الانتخابات حتى تكون أفضل، وأعمل وفق منهج متدرج لأصل إلى مطمحي ولو بعد حين، فما أريده يستحق التضحية حقا، لم التعجل وحرق المراحل؟

لماذا أرفض هذه الانتخابات جملة وتفصيلا؟

ولماذا أرغب بالخيار الأصعب (المقاطعة)، وأتجاهل الخيارات الأسهل؟

لكن..

لو لم أكن أنطلق من فكرة أن “الديمقراطية قبل الانتخابات” لكنت ملاما على مقاطعة هذه الانتخابات، فالانتخابات ليست سوى وسيلة للديمقراطية أما الغاية فهي الديمقراطية، وعلى هذا يجب أن تكون الوسيلة سليمة للوصول إلى نتيجة سليمة.

أعيد التفكير في ربع قرن من الانتخاب والتصويت فلا أصل إلى الاقتناع بأننا نسير في درب الديمقراطية أبدا.. إننا نسير في الاتجاه الخطأ ونجانب طريق الديمقراطية.

أعود إلى ملابسات وظروف الديمقراطية التي وفدت إلينا فجأة.. في نهاية الثمانينات وأعود لتصريحات الرئيس الفرنسي ” ميتران” وجولات وزير خارجية الولايات المتحدة “بيكر” وعدم استعداد أوروبا وأمريكا للتعاون مع الدول التي لا تنتهج الديمقراطية، وأعود إلى تفرس وجه النظام الحاكم في ذلك الوقت: “لجنة الخلاص الوطني” القادمة على إثر انقلاب 12/12/1984 والتي قررت مسايرة الغرب في مطلبه وطلبت من “كلاب حراستها” تفصيل ديمقراطية على مقاس بزاتها العسكرية ونهم قادتها للتسلط والأوامر والطغيان ونهب أموال الشعب، فأنجز دستور يعطي لرئيس الجمهورية 11 نوعا من الصلاحيات: سيادية ودستورية وقضائية وتشريعية وتنفيذية وتنظيمية وعسكرية وأمنية ووووو..!!

 

 

 

صلاحيات لا تتاح حتى لأعتى الطغاة في العالم، وبرلمان يكرس التراتبية الاجتماعية والنظم التقليدية البائدة المعيقة للتطور والتقدم.

حتى القوانين التي أتاحت الحريات وضعت فيها أقفال لتوصد الأبواب أمامها متى ما شاءت السلطة التنفيذية ذلك ومتى ما اشتهته (قانون الصحافة، قانون الأحزاب)..

أتاحت هذه الديمقراطية على المستوى المحلي للناس اختيار عمد ليس لهم من الأمر شيء، كان الهدف من وراء ذلك هو تمثيلية محكمة لإلهاء الناس عبر التنافس القبلي والجهوي، واستخدام الصراعات المحلية كوسيلة لضبط وربط الناس بالمخزن الحاكم الذي يقدم ويؤخر على أساس الولاء له ويبعد ويقصي على أساس معارضته مستخدما في ذلك مال الناس، مال الشعب (ألم نسمع تهديدات الجنرال لمن لم يصوت على مرشحيه؟!!).

أتاحت هذه الديمقراطية الشكلية مشاركة الناس في الإدلاء بأصواتهم في الانتخابات، لكنها إلى اليوم ظلت عاجزة أن  تتيح لهم الإدلاء بها بحرية.

وهنا أعود لطرح هذا الأسئلة على نفسي ولكم أن تطرحوها على أنفسكم: هل هذه هي الديمقراطية التي نطمح لها؟

هل إذا شاركت في هذه الانتخابات التي يقررها عساكر انقلابيون، سأكون ديمقراطيا، وإذا لم أشارك بها سأكون معاديا للديمقراطية؟

هل إذا شاركت في هذه الانتخابات التي تشرف عليها لجنة ترضى بقمع مواطنين بسبب تعبير سلمي مناهض لها، لجنة يعمل فيها موظفوها على أساس اختيارات عائلية في الغالب دون النظر للكفاءة، لجنة يشكك الجميع في قدرتها واستقلاليتها.. هل إذا شاركت سأكون ديمقراطيا، وإن قاطعت سأكون معاديا للديمقراطية؟

هل هذه الانتخابات التي يحكمها منطق التنافس القبلي والعشائري بدل التنافس السياسي وتنافس البرامج هي الانتخابات التي يجب أن أخوض؟

لا..

لن أشارك، لأن ربع قرن من إعطائنا جبنة الانتخابات من طرف العسكر لنقع في مصيدة تشريع حكمهم يكفي..

لن أشارك لأنني واع بخطورة الوقوع في المصيدة في كل مرة..

 

 

 

سأقاطع لأنني “أريد” التحرر من مصيدة العسكر..

سأقاطع لأنني “أريد” نظاما ديمقراطيا حقيقيا تكون فيه السيادة للشعب..

سأقاطع لأنني “أريد” دولة مؤسسات غير مرتبطة بشخص ولا مجموعة أشخاص، دولة يسود فيها العدل والرفاه..

سأقاطع لأنني أريد عمدة بصلاحيات الوالي..

سأقاطع لأنني “أريد” للمواطن أن يكون قادرا على معاقبة منتخبه السابق لتقصيره في مسئوليته، لا أن يكون عرضة للتلاعب من قبل كل انتهازي هب أو دب في كل مرة..

سأقاطع لأنني “أريد” للمواطن أن يريد..

يسقط حكم العسكر.. تسقط انتخابات تشريع حكم العسكر..

المجد للشعب.

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *