26 أبريل 2024 , 6:16

معاوية الانسان……بقلم د.أحمدو محمد الحافظ

05

في تاريخ الدول العربية والإسلامية نماذج من الحكام الذين ملؤا الدينا وشغلوا الناس إبان حكمهم وحتى بعد انقضائه.
الناس صنفان بين مغال في المدح وآخر مغال في الذم وبين هذا وذاك يندر الانصاف ويكثر التجنى.

الرئيس العقيد معاوية ولد سيد أحمد الطايع ذلك الضابط المؤدب الصامت الكتوم، عاشق الليل وصديق الفيافي قذفت به الأقدار لرئاسة بلد كان إلى حد قريب آنذاك مجرد عضو بسيط في جيشه الوطنى.

معاوية من هؤلاء الزعماء الذين ما زالوا يشغلون الرأي العام رغم مرور عقد من الزمن على آخر ظهور له للعلن.

سأحاول في هذه السانحة أن أتطرق إلى مواقف إنسانية حكاها لي مقربون من الرجل ما زالوا يحفظون له الولاء رغم أن القوم قلبوا له ظهر المجن وهجوه بأقذع الكلام بعد أن مدحوه بما فيه وما ليس فيه.

يحكى عنه –والعهد ة على الراوي – أنه كان رفيقا بمعارضيه حتى إن اقتضت الظروف السياسية سجنهم أوالتنكيل بهم فإنه كان يحرص على متابعة شؤون أسرهم وترتيبات بيتهم الداخلى.

وفي إحدى المرات اعتقلت أجهزة الأمن ابن أحد الشخصيات الوطنية وكان والده سجينا حينها- وبحسب الرواي فإن ولد الطائع تدخل بنفسه وأمر بإطلاق سراح الفتى وطلب من أحد مقربيه أن يتعهد بيت المعارض المذكور وأن يتكفل بحاجيات البيت ما دام ربه في السجن وقال له: فلان مهما فعل هو شخصية وطنية من حقه علينا أن لا نترك بيته بلا راع .

موقف آخر أكثر غرابة رويته عن دبلوماسي سابق قال لي:

بينما كان أحد رجال الأعمال المقربين من ولد الطائع يتحرك بسيارته الفارهة في أحد شوارع نواكشوط إذا به يتفاجأ بلغط في الشارع أفضى إلى إغلاق الطريق، نزل الرجل من سيارته الفارهة ليعاين المشهد فكان أن رأى أحد زعماء المعارضة في تلك الفترة وكان حديث عهد بالسجن يحاول جاهدا أن يخرج سيارته المتعطلة والمتواضعة من الشارع هاله المشهد وقام بمساعدة الرجل حتى انطلقت السيارة إلى حال سبيلها وذهب كل منهم إلى سبيله.

هاتف رجل الأعمال ولد الطايع طالبا منه أن يسمح له بإهداء معارضه العنيد سيارة رباعية تعينه على غوائل الزمن وتحسن ظرفيته أمام أتباعه فما كان من ولد الطائع إلا أن وافق وبحماس قائلا: “فلان ما تدلى به ليد”

كان ولد الطائع حريصا على أن يترك بينه وبين خصومه شعرة معاوية وكان المقربون منه اجتماعيا يحاولون بكل ما أوتوا من سلطة ومال أن يحسنوا إلى من أساء إليهم الرجل- أو أساءوا إليه – ويبسطون إليهم اليد حتى يكفروا عن سيئ أفعال السياسة بحسن أفعال المروءة.

في حادثة أخرى تحكي عن ولد الطائع أنه خلال اجتماع دولي كبير في بانجول تفاجأ الجميع من انسحاب الرئيس معاوية دون أن يبدى لهم سببا واستخلافه لأحد معاونيه ليخلفه في تمثيل موريتانيا في ذلك الاجتماع المهم.

لم يعرف الجميع إلا بعد برهة أن الرجل قطع زيارته بعد أن علم أن أحد وزرائه تعرض لحادث سير مؤلم ولم يرض أن يبقى في اجتماع ووزيره ينزف.

لم يكن الوزير المذكور من شريحة ولد الطايع ولعلها رسالة لمن يصفون الرجل بأنه كان عنصريا يبغض جزءا من الشعب على حساب الجزء الآخر.

كل هذه الحكايات تعبر عن طبع معاوية الانسان الطيب والذي لا يزال جزء من شعبه يتباكون على حكمه ويتمنون أن يعود ولسان حالهم يقول رحم الله الحجاج ما أعدله، ليس لأن معاوية يذكر بالحجاج بل لأن من أطاح به لا يذكر بعمر بن عبد العزيز رضي اللـه عنه رغم الدعاوى العريضة.

لنظام ولد الطايع أخطاء وهفوات لا يكاد يسلم منها أي نظام لكن من الخطأ أن تحمل كل المسؤولية لشخص ولد الطائع ويعاد في كل عام شتمه وهجاؤه واتهامه بالفساد كما لو كان هو المفسد الوحيد في البلد

موريتانيا كلها كانت “مؤيدة” للرجل ومن يهاجمون حكمه الآن كانو يتسابقون لرضاه بالأمس ويحلمون أن يحظوا منه ولو بابتسامة عابرة.

وليت الذين يهاجمون معاوية بعد أن مدحوه عن حق أو باطل وتقلبوا في المناصب واستفادوا من حكمه ليتهم أخذوا منحى الرئيس بيجل الذي لم يقبل التنكر لصاحبه رغم كل المغريات ورغم غياب الرجل وتغيبيه فقد ظل بيجل وفيا للرجل ذاكرا لفضله معترفا بجميله .

التاريخ وحده سيحكم على ولد الطائع وغيره من حكام البلد وفي انتظار حكمه سيبقى الناس فيه فريقين، فريق مبغض يحمله مسؤولية ضياع بلد وآخر محب يعتبر زمانه “زمان الوصل بالأندلس”، وهذا قدر الزعماء أو القادة التاريخين لأي بلد سواء كانوا طغاة أو ديمقراطيين.

أما العدل فهو منزلة بين منزلتين أخطأها معظم الذين قيموا الرجل.

لسان حال الرئيس معاوية ولد الطائع وهويتفرج على من صنعهم وقلدهم مقاليد الأمور وأولاهم من الأمر أمرا وهم يلعنونه ويلعنون حكمه هو لسان أمير عربي أصيل زال ملكه بعد نعيم فأنشد:
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا ** أنيس ولم يسمر بمكة سامر
ولم يتربع واسطا فجـنوبه ** إلى المنحنى من ذي الأراكة حاضر

سيبقى معاوية الانسان خالدا في ذاكرة من عايشوه ومكفرا عن خطايا معاوية الحاكم وبين الاثنين تتشكل لوحة من تاريخ موريتانيا الحديث مستعصية على النسيان.

شاهد أيضاً

بين الطوباوية والبرغماتية / الولي ولد سيدي هيبة

اثبتت دراسات قيمة أن أكثر ساكنة المعمورة جنوحا إلى السلم هم ساكنة ضفاف الأنهار، التي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *