الصراع السياسي في جكني : من أجل ماذا ؟ ولمصلحة من ؟ د. أباي ولد الدي، أستاذ بكلية العلوم القانونية والاقتصادية

دكتورمن المعلوم أن الشباب هو طاقة حية وهو ثمرة هذه الأمة وقوتها، فقد قال عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أن الخير كله فيه والشر كله فيه ). فإن شاء الشباب وظف حماسته وصحته وثقافته وعقله وطموحه فيما ينفع الأمة والدولة والمجتمع، وبذلك يكسب عبر الوقت خبرة وتجربة تؤهل المجتمع وتقوده إلى الأصلح

مع الحفاظ على أخلاقه الفاضلة التي تعتبر هي الميزة التي تميز المجتمعات المحترمة وهي الصفة التي تم اصطفاء رسول البشرية بناء عليها، إذ قال له ربه ( وإنك لعلى خلق عظيم ). ومن مكارم الأخلاق تنزيل الناس منازلهم في الفضل والكرم والأخلاق الفاضلة، ليظل المجتمع بذلك محافظا على أخلاقه وقيمه التي لا يمكن أن يصلح بدونها.             

هي الأمم ما بقيت أخلاقهم     فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا

وأخلاق المجتمع عادة تنطلق من سلم هرمي يحترم فيه ويوقر ويهاب  الكبير الصغير ويجل فيه الصغير ويقدر الكبير، ويعذر فيه وينصف وبسامح غير العاقل …. وهكذا هي أخلاق المجتمعات الفاضلة.

لقد قرأت مقالات أربع – على الانترنت – إثنتان منها ردا على اثنتان تأكدت من خلالهن من صدق قانون علمي في الفيزياء كنت مقتنعا به وزادني الأمر قناعة وهو أن ( ردة الفعل تساوي الفعل في القوة أو أقوى منه ). المقالات كانت دائما الأولى من إحداهن تعبر عن رأي صاحبها في إحدى شخصيات المجتمع – التي قد تكون اعتبارية – وقد لا يضرها مثل تلك الكتابة، كما قد لا تنفعها الكتابة المضادة ومن غير شك لا تنفع المجتمع، بقدرما تضر بأصحابها (الكاتبين ). وتأتي المقالة الثالثة بنفس الطريقة والرابعة ردا عليها بلغة يحاول صاحبها أن تفوقها ألفاظا وحدة دون أن يبالي الجميع. والسؤال الذي يطرح نفسه دائما هو: لمصلحة من هذا الصراع ؟ وأي مطلب أو هدف يصل لهذا الحد ؟ فهل يرقى السياسيون أو يرضون – منطلقين من خلفيات أحزابهم – لأن يصل الخلاف السياسي بينهم لدرجة تصفية الحسابات الشخصية على حساب المقدسات المجتمعية والطموحات الفكرية والروح الرياضية للديمقراطيات الحضارية والقبول بما تتمخض عنه الانتخابات من نتائج متوقعة أو غير متوقعة لصالح زيد أو عمر أو أي حزب‼ .

وكيف ستبرهن الأحزاب والأيديولوجيات ومن ثم الأشخاص من ورائها، التي تدعي أو تريد النهوض بالمجتمعات والرقي بها، على قدرتها على تحقيق مطالبها، في الوقت الذي لم تستطع فيه ضبط تصرفات وسلوك الأشخاص المنتسبين أو المحسوبين عليها

الغريب في الأمر أن هذا السيناريو لهذا العام 2013 ، قد قرأت مقالات تمثل سيناريو مماثل له، هو نتاج كثمرة فكرية لجهود مجموعة من شباب المقاطعة في بداية المسلسل الديمقراطي في التسعينات والصراع على تجديد كرسي مجلس الشيوخ، المقالات كانت منشورة في جريدة أخبار أنواكشوط تحكي عن صراع غريب بين مجموعة من شباب المقاطعة يؤيد بعضهم أحد المترشحين ويؤيد البعض الآخر المتنافس الآخر معه، وقد وصل الأمر بالجميع حد الخروج عن كل الأعراف والقيم والأخلاق وما أظن المترشحين آنذاك يرضون الآن بما حدث وقتها، أما الشباب فلا شك لو راجع كل منهم ما كتبه آنذاك الآن لندم وتأثر وطلب السماح ممن كتب عنه لأن الأمر لم يغير في منظومة السياسيين ولم يضر أحدهم بقدرما برهن على تدني مستوى الخطاب السياسي لدى النخبة أو بعضها وكونه يرضى لنفسه أن يسيء لزيد إن أحب عمر ذلك أو لعمر إن أحب زيد ذلك – وعبر التاريخ لم يشهد الزمن أن زيدا كتب بالمباشر عن عمر كلمة سوء واحدة أو العكس وإنما يقولها عنه بالوكالة – وأحيانا دون توكيل- من هو مستعد دائما أن يصف نفسه بالعبقري والكاتب الفذ، وفعلا تمثل تلك المقالات درجة كبيرة من قدرة أصحابها على الكتابة مع جودة ما يكتبون، ويكون الأمر أحسن لو تم توظيف هذه الكتابات وتلك في إنارة الرأي العام لأهل المنطقة وصرف أنظار أهلها لما يجمعها لا ما يفرقها وما يضمن لها تحقيق مصالح الجميع – دون تمييز- لا مصالح أطراف ضيقة،  دون أن تمس العملية من أعراض و أخلاق وقيم المجتمع مهما

كان الخلاف السياسي ودون أن تفتح موجات من الحروب والحروب المضادة بين ناس ينتمون لنفس البلد والجهة والمقاطعة وأحيانا العشيرة والبلدية.

إن المتمعن في حالة سياسة البلد والإقليم، سيعرف أنه في السياسة (فن الممكن ) ليس ثمة عدو دائم، كما ليس ثمة صديق دائم، وبحكم هذا المنطق فالصديق قد يتحول في ظرف ما إلى عدو أي أنه يبحث عن مصالحه التي قد تتعارض مع صديق الأمس عدو اليوم وهذا حقه، كما أن العدو قد يتحول في ظرف آخر إلى صديق إن تعلق الأمر بمصالحه وهذا منطق لا ضير فيه في السياسة حسب تجربة الموريتانيين والديمقراطية طالما يحقق مصالح أصحابه.

إن الخلاف وتضارب المصالح هو أمر طبيعي لأفراد الأسرة الواحدة بحيث يكون أحد أفرادها مقتنع أو يعمل لصالح حزب أو شخص X  وترتبط مصلحته به، في حين يكون الآخر له مصلحة بحزب أو شخص Y ومع ذلك يجمع الإثنين غداء الأسرة وعشاؤها في صحن واحد مع الأبوين وبقية أفراد العائلة، بل قد يكون الصحن من مصروف صاحب X  أو أخيه الذي هو مع Y  وليس في الأمر أي عيب أو مكروه طالما أن مداخيل الإثنين تصل إلى الأسرة ويحترم كل منهما وجهة نظر ومصلحة وتوجه الآخر، وقد يصل الأمر أحيانا – في أعلى درجات النضج والموضوعية – إلى درجة التنسيق المقصود بهدف جلب أكبر قدر ممكن من المنافع والمداخيل للأسرة. ويبقى الكبير في الأسرة كبيرا والصغير صغيرا والكل في الأسرة يحترم ويجل الكل لتزيد مردودية أبناء الأسرة – رغم اختلاف أفرادها سياسيا- ولا يكون الخلاف على حساب روابطها ومقدساتها. وهكذا ينطبق الأمر على القبيلة وعلى الجهة والدولة

إن الخلاف إذا استغل و استثمر في المصلحة العامة التقى أصحابه في الهدف العام وكان ذلك يكفي لأن يحترم كل الآخر ، وإذا استغل في المصالح الخاصة أو الضيقة وصل كل واحد لما يريد لكن ذلك قد يكون على حساب المشتركات، مما يحتم تعظيم تغذية دائرة الخلاف لأنه لا أحد يستفيد من أحد و لا الكل يستفيد من أحد، بل إن الأحد قد يستفيد على حساب الكل في المدى القصير ويضيع كل شيء بما في ذلك مصالح الأحد وأناه على المدى المتوسط والطويل.

إن سنة الله في كونه تجعل الزمن دولة ويستفيد من دورانه كل إنسان، فقد تدور عليه الدائرة في زمن ما فيغبن ويغلب على أمره، ليدور الزمن على الغابن فيغلب على أمره ويصبح الغابن مغبونا والمغبون غابنا، فهل سيستفيد الاثنان من بعضهما البعض لتتعظ البقية وتعتبر، أم أن الكل غافل وينتظر أن يكون إما مغبونا أو غابنا دون أن يرضى بغير ذلك.

إن من يعيشون تحت السقف الواحد مجبر الواحد منهم أحب أم كره على أن يتنازل عن أناه لصالح الآخر، كما الآخر مجبر على أن يتنازل لصالح الأنا الآخر، لأن ذلك هو الضمان لسلامة وتحقيق العيش المشترك. فمثلا لو كان لدينا شخصان ألـ A و ألـ B يعيشان في غرفة واحدة لا يملكان غيرها، مصاب أحدهما بارتفاع الضغط ولا يتحمل الحرارة، ومصاب الثاني بالريماتيزم ولا يتحمل البرودة، فكيف يمكن لهما أن يعيشا سويا رغم أنهما غير مخيرين بحكم أنهما لا يملكان سوى غرفة واحدة في أن يتنازل كل منهما لصالح الآخر، فتارة تفتح نوافذ الغرفة لصالح احدهما وتارة تغلق لصالح الآخر، ولا حل آخر يضمن العيش المشترك بسلام وأمن إلا هذا.

إن الدرس الذي يمكن أن نتعلمه ونستخلصه من هذين الشخصين، أن لا أحد يمكن أن يفرض على أحد أو أحد يمكن أن يفرض على الجميع، طالما الأحد أو الجميع غير مقتنع أو راض بذلك، وطالما المصالح تتعارض ولا تريد أن تلتقي في مصلحة الجميع. إن منطق التنازل هنا والتفاهم والتعاذر هو سيد تحقيق المصلحة الخاصة للفرد دون أن ينسى واجبه ونصيبه من المصلحة العامة

وعليه، فإن الكل ينبغي أن يسعى لإنصاف البعض، ويسعى البعض لتقدير مصلحة الكل، حينها نصل إلى أن الخلاف قد يكون من مصلحة الأفراد لكنه يجب أن لا يكون على حساب مصلحة الكل، طالما أن البعض مجتمعا  يقدر مشتركات وثوابت الكل.

شاهد أيضاً

البنك المركزي الموريتاني يحصل علي منحة مساعدة فنية من البنك الإسلامي للتنمية ( بيان) 

في إطار مواصلة تطوير ودعم التعاون المثمر بين البنك المركزي الموريتاني والبنك الإسلامي للتنمية وقع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *