18 مايو 2024 , 9:37

من رصيد الخواطر (1) / د.محمد محمود سيدينا

 

 

لقد أصاب هذا الوطن ضرر بالغ بسبب مرض التقوقع “الإديولوجي” المعشش في عقول وقلوب أغلب –حتى لا أعمم-النخب المتعاقبة على قيادته منذ أمد …

 تعتقد هذه النخب تقريبا أن من وافقها و سايرها قديس و ترى  من خالفها  إبليسا … لا يرون إلا لونين الأبيض و الأسود… الأبيض الناصع لونهم و الأسود لغيرهم … شعارهم من لم يكن معنا فهو ضنا!…

و النتيجة التي آل إليها حال البلد  بعد عقود هي –بإختصار- ما نراه من تصارع  و تنابز بالألقاب و خوض لمعارك وهمية لا ناقة لهذا الوطن  فيها و لا جمل و لا مسوغ لها إلا ما يتفاعل من سراب في عقول تلك النخب الموقرة…

بلدنا يحتاج الى جيل جديد معافى … يركز و يصوب نظره نحو الوطن… يعمل بجد و تفان و إخلاص و صمت … هدفه أن يجعل من بلده شيئا مذكورا… يمتنع عن خوض المعارك الوهمية التي يثيرها الهواة… معركته الوحيدة مع الجهل و الفقر و المرض و الاستبداد و الفوضى … يؤمن بوطنه و بأن هذا الوطن يمكن أن  يكون بالفعل وطنا عظيما إذ يمتلك كل المقومات لذلك من شعب ذكي و متنوع  و من موارد طبيعية غنية و من  تاريخ و جغرافيا تتيح له فرصا عظيمة  للسيادة يجب أن لا تضيع.

هذا الجيل الواثق و المؤمن بوطنه يجب أن يعمل على تحقيق أشياء مهمة لهذا البلد … أولها الأمن و الهدوء و الإستقرار … و ثانيها هزيمةالجهل  و نفي الفقر من ربوع الوطن… و ثالثها بناء دولة مؤسسات حقيقية تؤدي فيها المؤسسات دورها كاملا وفقا للنظم و المساطر و يحتل فيها الأفراد الأدوار التي تناسب قدراتهم و كفاءاتهم…

من الملاحظات التي تترك أثرا عميقا في النفس ما لاحظه صاحبي ذات فسحة و نحن في ساحة عمومية في عاصمة دولة يثق مواطنوها ببلدهم فيخدمونه و بذلك يخدمون أنفسهم… قال صاحبي و هو يتأمل تلك الساحة “الحديقة” الواسعة الخضراء في وسط ذلك الحي: “لو كانت هذه الساحة في موريتانيا لأجهزوا عليها دون تأخير و لتقاسموها قطعا أرضية بينهم و لقطعوا أشجارها و كنسوا عشبها و داسوا أزهارها ثم حولوها بعد ذلك أسواقا و حوانيت في طرفة عين”!… أراد صاحبي أن يقول إننا شعب يؤمن فقط بالمنفعة الذاتية و يكفر بالمنفعة العامة و بالصالح الجمعي… المهم عندنا هو ما سيستقر في جيب كل واحد منا و ليبقى بعد ذلك الجيب “الجمعي” فارغا و ممزقا…

لقد حان الوقت لخلق وعي جديد بالوطن مختلف عما ساد وجداننا حتى اليوم … و إذا لم نفعل فعلينا أن نتوقع الحصاد الذي  كنا نجنيه في كل مرة… إذ “لا يمكن حل المشاكل المزمنة بنفس العقلية التي أوجدت تلك المشاكل”.

علينا أن نؤمن بأنفسنا و بوطننا و بما يمتلكه من قدرات و ثروات و خيرات ثم ننطلق بعقلية مختلفة لنصل ببلدنا الى وضع يجعلنا نفخر بالإنتماء إليه و يجعل من تنافسنا فيه قيمة و معنى… لا معنى للتنافس في ساحة يعشش فيها الجهل و الفقر و المرض و تخيم فيها الفوضى و يعلو فيها صوت التنابز و التراشق بالألقاب … و لا قيمة للفوز في مثل تلك الساحات.

علينا أن نفهم و نعي أن خدمة الوطن هي في نهاية المطاف خدمة لنا جميعا و هي أيضا خدمة لكل واحد منا في نفس الوقت…ثم علينا أن نتصرف وفق ما يقتضيه ذلك الفهم و ذلك الوعي…و خير الكلام ما قل و دل.

 

شاهد أيضاً

ولد الطيب : الحكمة والمسؤولية سمات لازمت قيادة حزب التكتل

بسم الله الرحمن الرحيم.لم أتفاجأ بالقرار الصائب الذي اتخذه حزب التكتل بدعم المرشح فخامة الرئيس …