6 مايو 2024 , 11:57

مروءة الأحرار وعجز العبيد / أحمد فال بن الدين

02

كنت جالسا قبل أيام مع أحد الأصدقاء؛ فأدرْنا التلفازَ فإذا لحظات وصول اللاجئين السوريين إلى ألمانيا. وإذا ذوُو المروءات من الألمان مصطفين بمحطات القطار، حاملين لافتات كُتب عليها “مرحبا بكم”، فانهار صديقي باكيا. لم أفتّش صديقي عن سرّ بكائه، وما أحسبني كنت بحاجة لذلك. فاللحظات الفائضة إنسانيةً تهز كيان المرء، سيما إذا كان الذهن يقارنها بمواقف خزيٍ ودناءة من ذويه.
كنت أتأمل أفواج اللاجئين المارين بين صفوف الألمان، ناثرين الزهورَ عليهم، متخيلا مشاعرهم وهم الذين جفاهم ذوو القربى وألجأوهم إلى أضيق الطريق. كنت أفكر فيما بقي في ذهن هؤلاء اللاجئين من احترام لقيم المروءة العربية الأصيلة. كحق الجوار والانتصار للضعيف.
غير أني عدتُ، فتذكرت أن من يلام هم الحكام، لا الشعوب. إذ لا أشك أنه لو أجري استفتاء في أي بلد عربي لاستقدام اللاجئين السوريين فستصوت الأغلبية الكبرى لاستقدامهم وسيتنافس الناس في استضافتهم في بيوتهم وتظهر لوحات إنسانية طافحة بالمعاني. فما زال العربي -الذي نعرفه في حياتنا- كريما مضيافا ذا قلب حي وروح مئثارة. ولعل المثال المصري دليل على ذلك. فعندما كان المصريون محكومين من طرف رئيس يمثلهم – مع محدودية صلاحياته- كانت حدودهم مفتوحة أمام السوريين، وكانت جامعاتهم تستقبل أي سوري دون قيد أو شرط. غير أن أول قرار اتخذه عسكر الهزائم خلال الساعات الأولى من انقلابهم هو إغلاق الحدود وفرض التآشر على السوريين.
إن الاستبداد الجاثم يشوه أخلاق العربي. لذلك كتب الكواكبي قبل أكثر من مائة عام يقول:
“الاستبداد يتصرَّف في أكثر الميول الطبيعية والأخلاق الحسنة فيُضعفها أو يُفسدها أو يمحوها. فيجعل الإنسان يكفر بنِعم مولاه؛ لأنه لم يملكها حقّ الملك ليحمده عليها حقّ الحمد. ويجعله حاقداً على قومه؛ لأنهم عونٌ لبلاء الاستبداد عليه، وفاقداً حبّ وطنه؛ لأنَّه غير آمن على الاستقرار فيه، ويودُّ لو انتقل منه، وضعيف الحبِّ لعائلته؛ لأنه يعلم منهم أنَّهم مثله لا يملكون التكافؤ، وقد يُضطرّون لإضرار صديقهم، بل وقتله وهم باكون.”
فمن الصادم أن الحكام العرب يرون القادة الأوروبيين يتناقشون حول ضرورة تقاسم عبئ اللاجئين، فلا يرون في أنفسهم أهلاً لتحمل جزء من المسؤولية، أو حتى النظر إلى أنفسهم بأنهم قوم يستطيعون المساعدة وتحمل جزء من العبء. ومن المتجاوز أن سبب تعاطي الساسة الأوروبيين إيجابيا مع اللاجئين هو أنهم محاسبون أمام شعوبهم، يرجونهم ويخافونهم. وليس لخصائص ذاتية أو إنسانية معينة. وذاك ما يفتقده حكام العرب.
ماذا سيضر الدول العربية -خصوصا دول الخليج والجزائر- لو فتحت أبوابها أمام العمالة السورية الماهرة وسمحت لها بالعمل علّ ذلك يخفف نزيف الجرح الشامي النازف؟
لا تمر مأساة بالعام العربي إلا ذكرت المتأملَ بعمق الهوة بين الشعب وحكامه. بين الحاكم المتغطرس المثلوجِ الفؤاد، وبين مواطنه الذي ما زال يؤمن أن العربي أخو العربي، وتذهب نفسه حسرات لكل سوطٍ يقع على ظهر أخيه.
لذا، فالمواطن العربي غير ملام على تقصيره في حق السوريين، إذ هو مثلهم في تعاسته وعجزه ولجوئه. فهو لاجئ في وطنه، ذليل في أقسام شرطته، مهان بين يدي حكامه. غير أنه ملوم في تقصيره في نيل حريته من عصابات الفساد والاستبداد التي تُغيِّب محاسنَه وتبرز مساوئه كل حين.

شاهد أيضاً

في  انتظاركم يا صاحب الفخامة / يحي ولد عبدو الله  – دبلوماسي

فى الحادي عشر من الشهر الجاري ستكون مدينة كيفه عاصمة ولايتنا الحبيبة لعصابة على موعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *