14 مايو 2024 , 13:35

بأي حق أو تفويض تختزل نخبة الأمة / الولي ولد سيدي هيبه

هيبه_1لاشك مطلقا أن الأحد عشر اسما الذين ذكرهم الدكتور حماه الله ولد السالم و أضفى عليهم صبغة ألمع كتاب موريتانيا، ألمعيون و شموع مضيئة في سماء الكتابة و أنهم بذلك نياشين على صدور كل الموريتانيين و مفخرة تباهي بهم البلاد في محافل الثقافة و الأدب و العلم و الإعلام إن تطلب الأمر ذلك.
و لكن بأي حق أو تفويض تهان أمة باختزال الإبداع و تقزيم العطاء فيها بهذا الحجم ثم ترمى بالعقم المعرفي و القصور الذهني دون ما إنصاف أو ترو أو نشر لمجهود علمي يستجمع الصنعة الكتابية و يرصد الأسماء و يقنن المحصول و يفتح الأبواب مشرعة على دروب الإنتاج المعرفي و التعبيري و التبادلي الفكري حول كل المواضيع لتزول الغشاوة عن الأعين و تطيب النفوس بما يليق بالمثقفين و المتعلمين و ذوي معرفة من احترام الآخر و تقدير عطائه أيا كان حجمه أو مستوى لغته التي حمله إياه ليصل إلى الآخرين، ذلك بأنه في كلا المستويين لا بد معطاء؟
و ليسمح لي الدكتور، الملهم بخطابته العالية و الذي يعاب عليه توانيه النسبي عن الكتابة على الرغم من أنه يجيدها في بعديها الشكلي و ألقصدي، أن ألفت انتباهه إلى أن الكتاب الموريتانيين، أكاديميين و أدباء و إعلاميين و مهتمين بالتحليل السياسي و علم الاجتماع و الاقتصاد و التاريخ و الحقوق وغير ذلك من الاهتمامات العديدة، كثيرون، بارعون، واعون و متمكنون من ناصية اللغات التي يكتبون فيها، تزجر بهم و تفخر الساحة الثقافية. و لن أذكر أسماء حتى لا أنسى أسماء أخرى أبلت و تبلي حسنا في حقول التوجيه و التنوير و التثقيف و التحليل و الإرشاد و الإعلام.
و هي الأقلام كذلك التي استطاعت في وقت قصير نسبيا أن تغني من الكتابات الأجنبية عربية و غيرها بمادة محلية خالصة و عالية المستوى و القيمة، المواقع الالكترونية و الصحف كما أثرت النقاشات و الحوارات التلفزيونية منذ تحرير الفضاء السمعي البصري بلغة رصينة، علمية، عالمة و سليمة بنكهة محلية طالما اشتهاها إخوان لنا في أرجاء المعمورة و قدروها حق قدرها ليرفعوا أهلها إلى مصاف المتميزين من بينهم و من ليعتبروهم في مصاف رموزهم الخالدة.
و أنا لست خير من يذكر بذلك الدكتور و هو البوصادي الذي تتبع بأبحاث رصينة و أكاديمية خطوات أجداده الأفذاذ إلى غاية جوامع اسطنبول عاصمة الديار الإسلامية أيام الدولة العثمانية مرورا بمصر و نجد و الحجاز.
إن جولة سريعة عبر المواقع الالكترونية العربية و الإفريقية في الشبكة العنكبوتية ستفصح لأي باحث محايد و موضوعي عن الكتابة الرصينة و المحتوي العلمي الرفيع القيمة و العالي الحبكة و النسق، لن يخطئ مطلقا كثرة الزبد المنبعث منها. و لو عاد بعد حين إلى أرض الوطن و ولج أوعية الكتابة و مستودعها من مواقع و صحف و منشورات لأدرك يقينا أن ثمة عبقا زكيا ساحرا آسرا و عمقا نافذا و رصانة و جودة و ملكة تستوطن أقلام كتاب البلد و أنها تغني من الجوع المعرفي الذي ما زالت بعض نخبنا تتوهم الشعور به مع إحساس آخر مغاير من الاستعلائية؛ و هما الشعور و الإحساس اللذان يجسدان حالة جامدة من الشيزوفرينا الذات.
و طبعا فإن الكتابة ليست “غولا” لا يقوى عليه أحد و لا “طوطما” يقدم عند قدميه الصمتُ و كبتُ المشاعر و دفنُ الأحاسيس و تكميمُ الأفواه عن إصدار صرخات الألم و ترانيم الرضا، قرابينَ لتهشيم الأنامل و إخراس العقول، بل الكتابة و على وجه التحديد في شكلها الإبداعي هي تعبير عن الرؤى الشخصية، وما تحتويه من انفعالات، وما تكتشف عنه من حساسية خاصة تجاه التجارب الإنسانية و هي ابتكار وليس تقليد، وتأليفا لا تكرار، تختلف من شخص لآخر حسب ما يتوفر لكلٍ من مهارات خاصة، وخبرات سابقة، وقدرات لغوية، ومواهب أدبية، وهي تبدأ بالفطرة، ثم تنمو بالتدريب والإطلاع. و لكن صحيح أيضا أنه لما كانت اللغة العربية تتكون من فنون هي: الاستماع، والتحدث، والقراءة، والكتابة التي هي رابع هذه الفنون، ليس لأنها أقلها أهمية بل لأنها تؤسس على فنون اللغة الأخرى، فإن هذه الفنون تمثل روافد تستقي منها الكتابة مادتها وأفكارها.

شاهد أيضاً

لماذا غزواني ثانية؟ / محمد محمود أبو المعالي

لا جَرم أنه ما جانف الصواب من طرح اليوم السؤال عما ينتظره الموريتانيون من ترشح …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *