20 مايو 2024 , 17:52

المشروع النهضوي العربي: عناوين الفشل والتجديد / عبد الله بن عمارة

101103084639gjJQ-300x2861شكلت الأحداث التي عصفت بالوطن العربي في السنوات الأخيرة في ما عُرف بـ«الربيع العربي» مفصلاً تاريخياً مهماً في التاريخ العربي الحديث بتداعيات قد تمتد تأثيراتها لعقود من الزمن.
خلق هذا الواقع التاريخي الذي فرضته هذه الأحداث تحديا فعليا لجهة العلاقة الجدلية بين تأثير الواقع وصيرورة المشروع النهضوي العربي، وبالتالي موضوعاته التي طبعت مضمونه منذ انطلاقته على يد رواد النهضة العربية في القرن التاسع عشر، ومن نافل القول إن إخفاقات هذا المشروع قد استفزت نخبة من المفكرين العرب لإجراء مقاربات نقدية، أو محاولات تجديدية في كثير من المفاصل التاريخية التي اعتبرت ذات تأثير كبير على المشروع النهضوي العربي كهزيمة 1967، أو تحدي العولمة …الخ، إلا أن الأحداث تلك تمثل تحدياً حقيقياً للنخب العربية لإعادة مقاربة الحمولة الفكرية بشكل أشمل، ولموضوعات المشروع النهضوي العربي على ضوء ما استجرته هذه الأحداث من أسئلة مصيرية.
فموضوع الاستبداد والحرية كان ولا يزال في قلب هذا المشروع، إلا أن موقعه هذا يفرض علينا طرح الأسئلة حول الأسباب التي أدت إلى فشل إرساء قواعد حداثية لضبط العلاقة بين الحاكم والمحكوم في المجتمع، تحول دون استئثار فئة معينة بالحكم وبالثروة، وهذا يقودنا الى سؤال جوهري عن علاقة مشروع بديل كهذا بالخارج الذي تمثله قوى الاستعمار، أي إلى أي مدى يكون هذا البديل معبراً عن حاجة داخلية في التحرر، وفي الوقت ذاته مدركاً أهداف المشاريع الاستعمارية النافذة إلى كياناتنا من هذه الثغرة بالذات، بقوة الاختراق الثقافي النيوليبرالي التي تجعل من الديموقراطية ومستلزماتها (المجتمع المدني، حقوق الانسان…..الخ) مجرد آليات لخلق «وعي مزيف» لديه القابلية للرضوخ لهذه المشاريع طوعاً. وهذا التحدي يفرض نفسه على المشروع النهضوي العربي، على اعتبار أن الوقوف على الحد الفاصل بين مواجهة الاستبداد ورفض التدخل الخارجي يتطلب جهداً تجديدياً واعياً.
و في موضوع التنمية ذي الأهمية القصوى، لكونه يعتبر هدفاً نضالياً لفئات واسعة من الأمة وجب فتح نقاش جدّي بصدده، وإن كان هذا النقاش قد بدأ منذ تحديات العولمة التي أعقبت سقوط المعسكر الشرقي، بالنظر الى تبني المشروع النهضوي العربي للخيار الاقتصادي الأقرب لهذا المعسكر. لكن المشاريع الإمبريالية الجديدة بقوتها الناعمة (الاختراق الثقافي) أو الخشنة (الاحتلال المباشر)، تعيد طرح العلاقة الجدلية بين فشل مشاريعنا النهضوية والعدوان الاستعماري (تجربة محمد علي والتجربة الناصرية نموذجاً). وهذا يطرح السؤال التالي: الى أي مدى يستطيع المشروع النهضوي العربي أن يبني تنمية مستقلة من خارج المنظومة الاقتصادية النيوليبرالية، التي تهدف الى ربط مصائر الدول الاقتصادية بمصالحها، وفق منطق الهيمنة للمركز والتبعية للأطراف؟
أما في موضوع الوحدة القومية، فيحيلنا إلى طرح أسئلة عميقة عن أسباب فشل الدولة الوطنية التي أفرزتها مرحلة ما بعد الاستقلال من جهة، وعن العروبة نفسها كعنوان للوحدة المنشودة من جهة أخرى. التجديد هنا يجب أن يمس الأساس النظري للعروبة، باعتبارها إطاراً حضارياً ينفتح على الخصوصيات الإثنية والثقافية الأخرى لا وعاء شوفينياً يهمش باقي المكونات.
إن عدم القبول بالإختلاف، ناهيك عن القدرة على إدارته وفق آليات سليمة بعيدة عن الإقصاء والعنف، يمثل المظهر الأبرز من مظاهر فشل الدولة الوطنية. وقد زاد من حدته تراجع الإصلاح الديني التنويري مقابل تمكّن المد السلفي الرجعي من الوعي الجمعي العربي ودفعه نحو المحافظة والجمود، فأصبح معه «للدعاة» سلطة معنوية على حساب ما يجب أن يكون للمثقف او لرجل الدين التنويري من سلطة معرفية على المجتمع. وهذا ما يدفعنا الى الغوص في الأسباب التي أدّت الى نكوص مشروع الاصلاح الديني التنويري ضمن المشروع النهضوي العربي، وتمكن رؤية رشيد رضا الجامدة من الانقلاب عليه والدفع بمسيرة الإصلاح نحو الارتداد.
إن تجديد الاصلاح الديني بإعادة إحياء «تراث التنوير» عند الإصلاحيين الأوائل، في التعامل المرن مع النص الديني المقدس وفتح باب الاجتهاد والوحدة بين مذاهب المسلمين… الخ أصبح اليوم حاجة ملحّة، لأن تهديد الرؤى السلفية غدا وجودياً، ليس على الدول الوطنية فحسب وإنما على الأمة نفسها، من دون ذلك، لن نكون إلا أمام إعادة إنتاج للظواهر الداعشية. وأول خطوات هذا التجديد هو إحداث القطيعة المعرفية المطلوبة مع الفكر السلفي الوهابي وجذوره المرجعية التيمية، باعتبارها عائقاً أمام تطور العقل العربي وإعادة النظر في إضفاء الشرعية عليه باعتباره حركة اصلاحية. والتي «تورط» فيها حتى بعض المفكرين القوميين.
إن التجديد في المشروع النهضوي العربي يتطلب في المقام الأول إجراء مقاربة نقدية تشمل كل موضوعاته، وتدرس بشكل علمي وواعٍ كل التجارب النهضوية السَابقة لجهة الأسباب الموضوعية لإخفاقها، الذاتية منها المتعلقة بوجود القابلية للفشل من غياب المؤسسات والاستبداد والارتجال في صياغة المشاريع التنموية، أو تلك المرتبطة بالغرب الاستعماري المُجهض لها بقوة العدوان.

شاهد أيضاً

محمدن ولد عبدالله يكتب : عندما تعطي القوس باريها

تابعت عن كثب مقابلة الناطق الإعلامي باسم  اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات الدكتور محمد تقي الله …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *