السلفيات، الزواج ومغامرات الحب السري

07-760x509“تذكر.. عليك أن تغتسل من أفكارك المسبقة قبل أن تطأ بقدمك اليمنى أية أرض، حاول أن تتحرر قدر المستطاع من قبضة التمثلات الداخلية، التي تراصت عبر الزمن لتشكل منظارا لكل ما ترى”.. هذا الذي كنت أفكر فيه قبل أن أصل إلى الموعد الذي حدده لي “علي”، الذي كان قد درسني اللغة الإنجليزية فيما مضى واحتفظنا بعلاقة صداقة بيننا بعد ذلك.
هبة مهيدة
كان الموعد مع فتاة ثلاثينية العمر ومعروفة بانتهاجها السلفية، كنت قد طلبت منه أن أتحدث إلى شباب وشابات بغية إعداد روبورتاج عن العلاقة بالآخر عموما، وخصوصا الزواج والحب عند هذه الفئة من الناس.. أعترف بأن مصطلح (الفئة من الناس) مزعج بالنسبة لي وهو توصيمي أكثر منه توصيفي وفقا للدلالة السوسيولوجية.. لكنني عمدت أن أتجاهل وزن المصطلحات هنا لأنني لست بصدد إعداد بحث علمي، إنما هو روبورتاج لرصد العلاقة بالآخر.. وكيف يكون تفاعل الفرد عندما ينتمي إلى جماعة.. وعندما تضع له هذه الجماعة منظومة من الفكر والقيم والحقوق والواجبات وتحدد له ما ينبغي فعله وما لا ينبغي.. وترسم له الأطر التي لا ينبغي الخروج عنها أو منها.
وصلت إلى المركز الثقافي التي تعمل به سعاد.. لم أجدها في مكتبها، كانت في الطابق العلوي.. وعندما نزلت سألت زميلتها عني فقالت لها هي هناك بانتظارك.. بعد تبادل التحايا، جلسنا متقابلتين حول طاولة في قاعة القراءة وكانت تحاول أن تشرح لي أسباب تواجدها بين الطابقين العلوي والسفلي.. أي بين المكتبة وبين مكتب العلاقات العامة، وكيف أن مدير المؤسسة عينها مسؤولة عن مكتب العلاقات بالفنانين ولذلك فهي تفكر في ترك العمل هنا وطلبت مني – بالمناسبة – أن أدعو لها الله كي تجد مكانا آخر مريحا لها.. سألتها.. بنقابك هذا الأسود.. تتكفلين بملف العلاقات مع الفنانين؟؟.. (يجب الإشارة هنا إلى أن كلمة الفنان التي كانت تعنيها تقصد بها مطرب راي)، ردت قائلة نعم والغريب أنه يبدو أن جلبابي الأسود لم يعد يزعجهم، بل يبادرون بالحديث حتى في مواضيع أخرى.. ولكني – تضيف سعاد – سألت أحد الشيوخ في المسجد فرد عليّ بوجوب ترك هذا المنصب، وهذا ما أصبو إليه.
كنت أفكر في كيفية إثارة موضوع “الحب” والعلاقة بالآخر هكذا بلا مقدمات.. وبلا فلسفات.. لقد سبق وأن كان لي حوار مع طالب في الجامعة وكان سلفيا وعندما كنا نخوض في المسائل الفلسفية كان يبدي رأيه معترضا على ما تطرحه الفلسفة من مواضيع للبحث ولأنه كان كثير القراءة، فكان يردد عليّ تارة ما كتبه ابن تيمية من أنها – الفلسفة – علة لا تنفع وجهل لا يضر وأنه “لا يبحث فيها الذكي ولا يفهمها الغبي”، كما كان يردد علي الحديث الذي يقول فيه رسول الله (ص) “من وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمىً، ألا وإن حمى الله محارمُه “وكان يعتبر الفلسفة بابا يقود ختما إلى الشبهات، وسنعود لهذا الحديث الذي يستند إليه الكثير من السلفيين لاحقا.
لكن.. – وهنا رفعت صوتي لتسمع ما كنت أفكر فيه – كيف ستكون علاقاتك بالآخر عندما تحمل فكرا مغايرا يجعلك تؤمن بأنك على صواب وعندما تنطلق من أسس مرجعية معرفية تضع أمامك حدود الفعل وبصرامة لا ينبغي التطاول عليها، هل سيكون العقل يقظا باستمرار حتى في تلك التربة التي لا ينتعش فيها “الحب تفويض وتسليم، والعقل سباحة قد يصل بها الإنسان إلى الشاطئ وقد يغرق” هذا رأي.. وإن كانت خلفيته صوفية.. فأي حب لا يخلو من التصوف، أو لا ينبغي له .. على الأقل.
بادرتها بالقول إن هذا ببساطة ما أريد معرفته لدى السلفيين. أخبرتني أولا عن أسباب اهتدائها إلى هذا المنهج وكيف ارتدت الجلباب غداة إحباط واكتئاب شديدين أصاباها إثر فشل مشروع زواجها الأول.. فقالت.. فور تخرجي من الجامعة كنت أعمل كبائعة في مكتبة بيع أسطوانات دينية من قرآن ودروس إلخ.. وابتسمت وهي تقول.. لا تغرك المظاهر فاللذين يقبلون على شراء تلك الأسطوانات ليسوا دائما الأقرب إلى الملائكة في طباعهم.. ثم أضافت بحسرة.. لو أنني كنت مرتدية للجلباب في تلك الفترة لكنت تفاديت الكثير من العراقيل في حياتي، ولما أصبح يعرفني القاصي والداني في هذه المدينة.. لدرجة أنني أصبحت أركب سيارة أجرة فيقال لي.. أنت التي كنت بالمحل تبيعين الأسطوانات.. عموما تواصل سعاد لم يخطبني أحد منذ كان سني 18 سنة ولكن بعد ما أخذت أسمع القرآن كثيرا في المحل.. فكان ذلك بمثابة الرقية الشرعية الذاتية لقد تغير الوضع وبدأ الشباب يتقربون مني وطلبي للزواج، وبعد ما تعرفت إلى أحدهم واتفقنا على الزواج وحضرت كل ما يلزمني كعروس، فسخ الخطوبة وانسحب بلا مبررات مقنعة يبدو أنه كان يصغي كثيرا إلى آراء والدته.. ويبدو أنني لم أنل إعجابها. هذا ما ألمني كثيرا.. وفي ذلك الوقت تقريبا شكل لي أزمة نفسية حادة لأنني أردت أن أعرف لماذا حدث لي ما حدث … وقتها، كانت لي صديقة.. تعرفت عليها بالمحل وكانت تدعوني باستمرار إلى الذهاب للمسجد وتدعو لي بالهداية، كانت هي الأخرى تتردد على المسجد لحفظ القرآن وأخذ دروس في التوحيد كانت متقدمة في السن وغير متزوجة وكانت ترفض أن يكون لها هاتف نقال أو اشتراك بالأنترنت، لأنها تؤمن بأن ذلك فتنة للمرأة قد يجعلها تنزلق في علاقاتها بالآخر.. وهنا أمسكت سعاد بسدادة قارورة الماء التي كانت على الطاولة وقالت لي.. لأن الجنس والأشياء الأخرى التي قد تسمحين بها في علاقتك بالرجل مثل هذه السدادة لو فتحتها مرة يصعب غلقها مرة أخرى.. هذه الصديقة – تقول سعاد – هي التي أخرجتني من أزمتي تلك فعندما ضاقت أمامي السبل، قصدت المسجد الذي كانت تدرس فيه التوحيد بحثا عنها، والتحقت بها.. ولأن الله يتدبر أمور عباده بعناية – تضيف سعاد -.. فلم أعتبر من محض الصدفة أن يكون الدرس ذلك اليوم كله حول القضاء والقدر وكيف أن جوهر الإيمان إنما يكون بقبول ما يعترض طريقنا في الحياة من دون اعتراض وكنت قد رأيت في منامي قبل ذلك بأيام أنني عثرت على مفتاح، وتبين لي أن المفتاح إنما كان دروس التوحيد في المسجد مصداقا لقوله صلى الله عليه وسلم “لا اله إلا الله مفتاح الجنة”.. ومنذ ذلك الحين تغيرت حياتي بدأت أحفظ القرآن بهمة عالية والتزمت بارتداء الجلباب واقتنعت أنه لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا.. وبأن أعمال الله تعالى إنما تدور بين الرحمة والمصلحة والعدل والفضل، وبأنه لا بد من الرضا حتى يتحقق الإيمان.
بعد ذلك عملت كمربية أطفال في مدرسة قرآنية، وتعرفت على سيدة كانت ترافق طفلها إلى المدرسة يوميا وذات يوم سألتني إن كنت أرغب بالزواج من أخ زوجها وسألتها إن كان متدينا وقالت نعم.. وجاء لبيتنا رفقة عائلته لطلب يدي والتقينا ورضينا ببعض شكلا، ثم توالت الأحاديث بيننا على الموبايل لكنني اكتشفت بأنني أمام رجل جهول بأمور الدين، ومدمن أفلام إباحية وعلاقات جنسية.. ومع هذا واصلت المشوار لأنني كنت أرغب بالزواج أولا، ثم لأنني قلت في نفسي لعلي أستطيع تغيير طباعه مع الوقت.. لكن توالت الصدامات بيننا وفسخ هو الخطوبة.. وعدت لطرح الأسئلة مجددا وحمدت الله أنني لم أتورط معه أبعد من ذلك وأنا أفكر في قوله تعالى”الزَّانِي لا يَنكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنكِحُهَا إِلاّ زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى ألمؤمنين” سورة النور الآية 3.
كانت سعاد تتكلم بعفوية كبيرة ولم أشأ توقيفها لكن بعد سردها القصة سألتها إن كان لابد للسلفيين من أخذ دروس في التوحيد فردت علي بالإيجاب وعن ضرورة ارتداء الجلباب فقالت بالطبع، وذكرت لي كيف اقتنعت بضرورة الالتزام بالمظاهر مستدلة بكتاب “طريق الهجرتين وباب السعادتين” لابن القيم وقالت بأنه كان أكثر الكتب تأثيرا في حياتها وفيه قرأت الحديث القدسي الذي يقول “وعزتي وجلالي لو أتوني من كل طريق واستفتحوا من كل باب لما فتحت لهم حتى يدخلوا خلفك”.. سعاد قالت الكلام الكثير إذ أوعزت سبب تأخرها في الزواج إلى رقي مستواها الفكري قائلة بأن المتدين لا يقبل بامرأة أعلى منه مستوى وأكثر منه معرفة.. ذلك أنه يتعامل بالعرف أكثر من تعامله بالشرع.
كما أنهت الحديث بوصية أوصتها بها الأستاذة ليلى التي تلقت علومها الفقهية في سوريا قبل أن تشرف على الإرشاد في مسجد بالمدينة، تقول الوصية “أربعة من الرجال لا ينبغي الارتباط بهم البخيل بماله لأنه بخيل حتى في مشاعره، والشكاك والكذاب والمتكبر. انتهى حديثي بسعاد ورافقتها بسيارتي إلى المسجد الذي تدرس فيه التوحيد.. وأبدت سعادتها بالحديث معي ودعت لي بالهداية وقالت لعل لقاؤنا هذا سبب لولوجي هذا العالم واتباعي هذا المنهج، منهج الصحابة والتابعين وتابعيهم من السلف الصالح.
بعد ذلك توجهت إلى بيت أحد الجيران التقيت ببناته، يترددن على المسجد بانتظام لأخذ دروس في التوحيد وحفظ القرآن.. استقبلتني البنات بكل رحابة.
قالت لي نبيلة 28 سنة أنها فسخت خطوبتها على شاب سلفي لأنه منعها من الاتصال به على الموبايل ليتسنى لها التعرف إليه قبل الزواج، كما منعها حتى من اقتناء الموبايل بحجة أنه فتنة للمرأة، وفرض عليها مجموعة شروط قبلتها في البداية، لكنها تخوفت من صرامتها في النهاية وانتهت بإنهاء مشروع الزواج من بين هذه الشروط ألا تشاهد في التلفزيون إلا القنوات الدينية وألا تشترك بالأنترنت ولا تدخلها وألا تسكن لوحدها حتى لا يوسوس لها الشيطان عندما يغيب هو في عمله وألا تصل من الرحم إلا والداها عملا بالآية التي فيها “وقرن في بيوتكن”.
في المقابل، تروي لي فاطمة 35 سنة أنها تزوجت من رجل سلفي كان قد قدم إلى المسجد وسأل والدها إذا ما كان لديه بنات للزواج، وتوصل إليها وبالفعل كان قد منعها هي الأخرى من التواصل معه عن طريق الموبايل بعد ان التقيا ورضيا ببعض وكانت الفتاة في غاية السعادة وذكرت الحديث القدسي الذي يقول على لسان الله تعالى “أنا عند ظن عبدي بي” وقالت بأنها نوت الخير فوجدت فيه كل الخير…. وعن الظروف الاجتماعية والمادية التي تعيش فيها تقول بأن زوجها والسلفية عموما – أو على الأقل أولئك الذين تعرفهم – يعملون بالآية القائلة “قل من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق قل هي للذين آمنوا في الحياة الدنيا خالصة يوم القيامة كذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون” وبأن من لديهم الامكانيات المادية يعيشون في أحسن الظروف وحكت لي عن ابنة عمتها التي أوشكت على الطلاق من زوجها السلفي لأنه يمنعها من الذهاب إلى المرشات للاستحمام مع أنه لا يوفر لها في البيت المكان ولزوم الاستحمام.
إختلفت التفاصيل إذن لأنها الحياة بيومياتها تستدعي ردود أفعال مختلفة وأغلبهم كما قالت لي سعاد يغلب على سلوكهم الطبع لا التطبع.. ومع هذا فنجد السلفي يتكلم وعلى لسانه الحديث القائل “من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد”.
بعد هذه اللقاءات كان يجب عليّ أخذ وجهة نظر الرجال في الموضوع.
وعلمت من صديقي “علي” أن لا أحد منهم يرضى بلقائي إلا وأنا مرفقة بمحرم، تلك هي القوانين فطلبت من صديقي أن يستفسر لي عن بعض الأمور ويدونها ثم أحررها بالأمانة التي يقتضيها إعداد الروبورتاج ثم صادف وأن سمعت بابن الحي الذي أقيم فيه وهو مفخرة كل أبناء الحي، وهو أستاذ جامعي بالمملكة العربية السعودية وعالم بأمور الدين سلفي الاتجاه، ومحبوب جدا يفتخر رفقاؤه بالحديث عن السلفية عندما تثير أمامهم اسمه.. طلبت من ابن الجيران أن يتحدث إليه بشأن إعداد هذا العمل، رحب كثيرا وقال لا أمانع إن جاءت للبيت رفقة أحد محارمها وبعد اطلاعه على بعض الأسئلة بدا له الموضوع لا يستحق اللقاء لأننا لسنا بصدد فتوى أو أسئلة فقهية، إلا أنه أصر على تصحيح بعض المفاهيم من وجهة نظره فأكد مثلا بأن مشايخ السلفية الكبار وأئمتهم يرون أن السلفية هي الرجوع إلى الكتاب والسنة لفهم سلف الأمة من الصحابة والتابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وأن السلفية ليست لا تيار ولا مذهب ولا حزب ولا جماعة إنما هي الدعوة إلى نبذ كل شيء جديد في الدين في جميع أبوابه إن كان في العقيدة أو الشريعة أو الأخلاق فهي الفرقة الناجية والمنصورة، كما أضاف بشأن “الحب” أن الرسول عليه الصلاة والسلام أحب السيدة خديجة وكان يقول “رزقت حب خديجة” وبعد وفاتها كان يرتعش عندما يرى أختها لأنها كانت تذكره بها ثم أضاف بأن للحب سلطان لا يستطيع عليه لا سلفي ولا تلفي – على حد تعبيره – في إشارة إلى الغير المحسوبين على المنهج.
في حديثي مع “علي”، روى لي قصة (ج 36 سنة)، طلب يد فتاة وطالبها بالالتزام بأمور كثيرة سبق شرحها لكنها لم تقبل ففسخت خطوبتها منه ثم تزوج من امرأة لم تستطع تحمل ثقل قائمة المحظورات عليها في بيتها وخاصة عزلها على أهلها، فتطلقت منه بعد إنجابها لولد وبعدها تزوج من فتاة من الوسط الريفي فتحملت الحياة بلا موبايل وبلا أنترنت وبلا قنوات أجنبية داخل بيتها وهو الآن يعيش معها حياة هادئة.
سألته عن سر الالتزام عندهم بالرغبة في تقليد السلف الصالح في كل شيء مع أن الحياة اليوم تغيرت مثلا وفيها الكثير من المستجدات كالتكنولوجيا الحديثة التي طغت على شتى ضروب الحياة ولا يمكن تجاهلها، بل حتى أن البعض يستعملها من أجل انشاء علاقات بهدف الزواج، فرد علي بأن العقيدة لديهم لا تتم إلا باتباع منهج أهل السنة والجماعة الفرقة الناجية التي قال فيها الرسول (ص) “خيركم قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم، قال عمرانُ: لا أدري أذكر النبي صلى الله عليه وسلم بعدُ قرنينِ أو ثلاثةً، قال النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّ بعدَكُم قوماً يخونون ولا يُؤْتَمنونَ، ويشهدون ولا يُسْتَشهدون، ويَنْذِرونَ ولا يفونَ، ويَظْهَرُ فيهِمُ السِّمَنُ”. وأن أي عمل ينبغي أن لا يخلو من شرطين الأول أن يكون خالصا لوجه الله والثاني أن يكون منجزا بالطريقة نفسها التي انجزه بها الرسول (ص)، فقوام هذا المنظور أن حال الأواخر لا يصلح إلا بما صلح به حال الأوائل.
في سياق الحديث وبما أننا في فصل الصيف حدثني عن ظاهرة الشواطئ الخاصة بالإخوان والسلفيين وهي معروفة في الغرب الجزائري وينظمون فيها حتى أيام السباحة للنساء محروسة من طرف أزواجهن ولا أحد يتطاول عليهم أو يجرؤ على ذلك وحتى دوريات الدرك الوطني تأتي للمراقبة وتغادر دون أدنى تدخل منها في أي شيء.
وعن أسباب حرمان المرأة المتزوجة من الموبايل وحتى العازبة فيقول لي على لسانهم طبعا بأنه فتنة لها وكذلك الأنترنت استنادا للحديث الذي يقول فيه الرسول (ص). (إن الحلال بيِّنٌ وإن الحرام بيِّنٌ، وبينهما أمور مشتبهاتٌ لا يعلمهن كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعِرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمىً، ألا وإن حمى الله محارمُه، ألا وإن في الجسد مضغةً إذا صلَحت صلَح الجسد كله، وإذا فسَدت فسَد الجسد كله: ألا وهي القلب) رواه البخاري ومسلم. في حين الملاحظ أن الرجال يستعملون الهواتف النقالة ويترددون على الأنترنت بشكل عادي.
بعد هذا الاستطلاع.. عدت لنفسي وفكرت في الحب الذي كتب في القرن الخامس للهجرة أمام ظاهري وهو ابن حزم الأندلسي، أجمل مؤلف في تاريخ المسلمين ألا وهو طوق الحمامة في الألفة والآلاف وجعله يخصص فيه باب في قبح المعصية وباب في فضل التعفف وثمانية وعشرون بابا في أصول الحب وأعراضه، عدت لنفسي لأفكر في هذا الموج المستبد حين يعترينا، الذي لا سطوة لنا عليه وسألت ماذا عن هذا الممكن الهارب من قبضتنا في العلاقات الإنسانية، مع كل القراءات التي كانت تدور في ذهني من أن الحب تراث أبينا آدم وبأنه مشتركنا الإنساني بلا نزاع ومحور الوجود وصانع العمار.. فنحن من حيث كوننا أفراد لا نستطيع العيش بمعزل عن الآخر داخل جماعات، والآخر هو من يمدك بالإحساس بالوجود وبالإنسانية.. إذ لا معنى لك كانسان وأنت وحيد على سطح جزيرة.. الآخر هو مصدر الأنا فيك، فما نحن بالتالي إلا “موكب من الآخرين المتلاحمين، بخيوط رفيعة لا تكاد ترى من الولادة إلى المماة” على حد تعبير كوكتو. فرد علي صديقي أن الحب – وفقا للمنظور السلفي – هو ما يأتي بعد الزواج، الرسول عليه الصلاة والسلام قال “المؤمن مألف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف” والله سبحانه تحدث عن المودة والرحمة.
لكن يبقى أن الإنسان حالات وأحوال وأن الأمور ليست بمثل الصرامة التي يتكلم بها البعض فعدد المقبلين على الأنترنت من أجل التعارف والزواج لا يستهان به باعتراف البعض وبشهادات وملاحظات البعض الآخر، بل بالعكس قد تشكل هذه الوسائل التكنولوجية حلا بديلا عندما يصبح اللقاء أمام الملء عصيا، فالكثير من الشباب يقولون رأيا ويتبنون موقفا أو سلوكا مغايرا وأغلبهم يملكون حسابات على الفيسبوك.. مثل سعاد التي أصبحت صديقتي على الفيسبوك والتي أعتقد أنها ليست متعصبة كثيرا للفكر السلفي كما هو منتشر عند البعض الآخر بل وجدت فيها مثلا للفتاة الملتزمة التي تود الزواج.
قد تكون الرؤية تملي بعض الحسابات قبل عيش التجربة وتبقى للتجربة سطوة في توجيه المسارات.

شاهد أيضاً

الانتحال الإلكتروني بالذكاء الاصطناعي يعقد تطبيقات المواعـدة

سيكفيك التحدث إلى أي شخص يخوض حالياً غمار تجربة مجنونة تتمثل بمحاولة البحث عن الحب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *