19 مايو 2024 , 5:19

موريتانيا: خطاب “إيرا”.. استهداف للمجتمع أم للإسلام؟!

era_1عرف سكان بلاد شنقيط باحترامهم وتقديرهم لعلماء الدين الإسلامي، الذي يشكل قاسما مشتركا بينهم، فعندما قرر الاستعمار الرحيل، لم يجد بدا من إلصاق صفة الإسلام بالدولة، فاختار لها إسم “الجمهورية الإسلامية الموريتانية”.
واليوم، وبعد مرور أزيد من نصف قرن على استقلال موريتانيا عن المستعمر الفرنسي، جاءت نخبة من بني جلدتنا، تسعى لتفكيك النسيج الاجتماعي والخلقي، من خلال استهداف الدين الإسلامي، الذي ربط بين سكان هذه البلاد، منذ ظهوره على يد المرابطين، في منتصف القرن الخامس الهجري.
نخبة تنحدر من شريحة الأرقاء السابقين وتدعي أن لديها مشروعا حقوقيا وسياسيا للدفاع عن تلك الشريحة، التي عانت طويلا من ظلم التاريخ، من خلال استهداف رموز الإسلام ممثلة في العلماء وموروثهم من الفقه الإسلامي.
إذا أدركنا أن للعلماء في الإسلام قيمة ومكانة خاصة، لقول الله تعالى: “إنما يخشى الله من عباده العلماء”، وقوله: “أسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون”، فإننا سندرك أن استهدافهم ومحاولة النيل من مجهوداتهم العلمية والفقهية، تندرج في إطار الحرب على الإسلام واستهداف مقومات بقاء هذا الوطن، الذي يستمد وحدته وهويته من الإسلام.
لقد حاول مناضلو حركة ايرا “الانعتاقية”. الاستفادة من تجارب سابقة في محاربة وحدة المسلمين، من خلال إبعادهم عن أخلاق الإسلام وشريعته السمحاء، فلم يسلم الرسول(ص) ولا القرآن، فقد سعى دوما أعداء الإسلام إلى تمزيق قدسيتهم في قلوب المسلمين.
وجد الإسلام ظاهرة العبودية مستشرية في المجتمعات من قبله، فلم يشأ أن يقر نصا في تحريمها، تفاديا لعواقب اجتماعية واقتصادية وخيمة، وإنما سعى إلى تحديد منابعها من أكثر من عشرين منبعا إلى منبع واحد متمثلا في الأسر، في حين عمل على تعدد مصارف عتقها في مجالات الظهار وكفارة الجماع في رمضان وكفارة اليمين وكفارة القتل..
وظلت المجتمعات الإسلامية من أكثر المجتمعات حرصا على حماية حقوق الأرقاء، وذلك وفقا لتعاليم الرسول (ص)، فقد روى الشيخان مسلم والبخاري أن المعرور بن سويد قال: لقيت أبا ذربِالرَّبَذَةِ وعليه حلة وعلى غلامه حلة، فسألته عن ذلك فقال: إني ساببت رجلا فعيرته بأمه، فقال لي النبي صلى الله عليه وسلم: يا أبا ذر أعيرته بأمه؟! إنك امرؤ فيك جاهلية، إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ جعلهم الله تحت أيديكم، فمن كان أخوه تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم، فإن كلفتموهم فأعينوهم.
لقد مثل ذلك الفقه، الذي يسميه منتسبو حركة ايرا بفقه النخاسة، صمام أمان وحماية للأرقاء في مجتمعات كانت تمارس فيها العبودية على نطاق واسع، فكان لزاما على الفقهاء أن يجتهدوا في وضع قوانين مستنبطة من مصادر الشريعة الإسلامية، وهي كتاب الله وسنة رسوله.
بعد صدور مرسوم 1981 القاضي بتحرير العبيد من الرق والتعويض لأسيادهم، أصبح الفقه المتعلق بالرق من فقه الأوراق، فلم يعد بالامكان تدريسه ولا تطبيقه في دولة حرمت الرق.
لكن ذلك القرار المفاجئ شكل صدمة كبيرة للأسياد، الذين حرموا من التعويض، وضياعا للأرقاء السابقين، الذين وجدوا أنفسهم، بين عشية وضحاها مرغمين على توفير مستلزمات الحياة من سكن وملبس ومعيشة وصحة وتعليم، دون أن يمتلكوا أية مقومات، مما تعاظمت معه ظاهرة آدواب والكبات، الذين عانت ساكنتهم وما زالت تعاني من الفقر والجهل والمرض.
أوضاع مأساوية، سهلت للساعين للمناصب من أصحاب الأجندات الخاصة، استغلال مصائب أولئك القوم لتحقيق مكاسب وفوائد، فأصبح منهم الزعماء والوزراء والأباطرة، في حين ما زالت تلك الشريحة المهمشة والمظلومة تعاني في ظل غلاء الأسعار وانتشار البطالة وانعدام التكافل الاجتماعي، من كل مظاهر التخلف داخل وخارج المدن الكبرى.
من المؤسف أن يسمح لمن أقام محرقة لكتب الفقه الإسلامي ووجه إساءات بالغة لعلماء الدين الإسلامي أن يسلك طريقا سهلا للمشاركة في الانتخابات الرئاسية، وأن يجد خطابه المصطنع، المبني على الكراهية والعنصرية، صدى في قلوب الآلاف من سكان بلاد شنقيط، المعروفين بحبهم للإسلام وللعلماء.
سيدي ولد سيد احمد
sidi_sidahmed@yahoo.com

شاهد أيضاً

ولد الطيب : الحكمة والمسؤولية سمات لازمت قيادة حزب التكتل

بسم الله الرحمن الرحيم.لم أتفاجأ بالقرار الصائب الذي اتخذه حزب التكتل بدعم المرشح فخامة الرئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *