5 مايو 2024 , 21:39

المقاطعة الانتخابية : بين الفقه والسياسة/ الفقيه : إسلم ولد سيد المصطف

الحديث عن مقاطعة الااسلمنتخابات من وجهة نظر سياسية، أمر مألوف وشأن معهود، خلافا للحديث عنها من وجهة نظر فقهية. فهو لن يمر قطعا دون أن يُثير غضبا، أو يخلق سخطا أو يترك استغرابا. ذلك أنه لا يزال من بين القوم من يرى، حشر الفقه في الزاوية الشخصية الضيقة معتقدا أن الذين “يزجون به.” في كل معارك الحياة، جليلها و حقيرها، إنما هم قوم كثيروا القيل والقال
وقد رأيت من منطلق مبدئي، ومنهج تعليمي، أن أثير الموضوع – استغلالا للمناسبة – وتنويرا للعامة والخاصة. فأقول: إن المقاطعة السياسية للانتخابات هي ” ترك فعال” مقصود، يهدف إلى الإبطال أو الفساد، أي أنها فعل تركي مؤثر. الترك فعل في صحيح المذهب ……
وهو ترك يستهدف إفشال الفاعلين ” وتهزيل” انتخاب الناخبين
وهو يختلف عن “الحياد السياسي” لأن هذا الأخير تصرف سياسي لا يسعى -من حيث الأصل- لخدمة أي طرف ولا ترجيح أي كفة لكنه قد يستعمل لتحقيق هدف سياسي، سيما وأن فاعله يعتبر -واقعيا وقانونيا- معبرا عن إرادته، في حين أن المقاطع لايُعتبر معبرا قانونيا وإنما يعتبر معبرا من حيث المعنى السياسي. لذلك كان الإقبال على الانتخاب يشكل ضربة قوية وهزيمة منكرة للداعين للمقاطعة
والفقهاء لا يحبذون الحياد، خصوصا مع تبين الحق من الباطل، قال الإمام الطبري: لو كان في كل اختلاف يكون بين الفريقين الهرب منه ولزوم المنازل، لما أقيم حق ولا أبطل باطل
كذلك تختلف “المقاطعة السياسية” عن “اعتزال السياسة” لأن الاعتزال ترك سلبي يقتضي نفي الغرض السياسي كليا، وهو موقف مطلوب شرعا عند التباس الأمور وعدم وضوح حكم الشريعة فيها. وقد مارسه بعض الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين فيما شجر من الخلاف بينهم، كسعد بن أبن وقاص، وعبد الله بن عمر ومحمد بن مسلمة
وتبيين حكم المقاطعة الانتخابية للرئاسيات الحالية ، يستند إلى مرجعيتين اثنتين:
المرجعية الأولي: هي العقد الذي عقد ته الأمة الموريتانية فيما بينها، تنظم به شؤون حكمها، وتضبط به تصرفات حكامها، ومواطنيها ذلك هو الدستور الموريتاني
المرجعية الثانية: هي النصوص الشرعية العامة والخاصة، والقواعد والمقاصد والمصالح الإسلامية
وبما أن الدستور الموريتاني عقد عام ومجرد بين الأمة ومن يحكمها، فإن مخالفته، والخروج عليه ينافيان قوله تعالى:
“يأيها الذين آمنوا أوفوا بالعقود” وقوله تعالى: “أوفوا بالعهد إن العهد كان مسؤولا.” وقوله صلى الله عليه وسلم: المؤمنون عند شروطهم
وقد نص الدستور الموريتاني في مادته السادسة والعشرين على أن مدة انتداب رئيس الجمهورية لا تزيد على خمس سنوات. ومع نهاية ذلك الانتداب تجب شرعا العودة إلى الشعب
وكما لا يحق شرعا لرئيس الجمهورية أن يسير أمور الدولة بعد انقضاء مدة تفويضه، أو توكيله فإنه لا يجوز لبعض هذه الأمة، أن يمتنع من التحاكم إلى الشعب، بعد انقضاء مدة التخويل السابقة، والتوكيل المنتهية. ليختار من يسير له أموره، فذلك شبيه بالامتناع عن التقاضي أمام القضاء، أو ما يعرف في المصطلح القضائي باللدد. وهو سعي مباشر إلى الفراغ الدستوري
والفراغ الدستوري يحرم السعي لوجوده، خصوصا في هذا العصر، لأنه انتقال من النظام إلى الفوضى، ومن الأمن إلى الخوف، ومن السلطة إلى “السيبة” أو نحوه
وقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، خطورة فراغ السلطة فبدؤا بتلافيه قبل دفن النبي صلى الله عليه وسلم. وعندما حاول عمر رضي الله عنه أن يذهب عن السلطة دون أن يولي أحدا كما فعل عليه الصلاة والسلام ضج منها الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، مما دفعه في النهاية إلى ابتداع أمر وسط بين فعل النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر رضي الله عنه. وترجع الحروب التي وقعت بعد “فتنة الدار” إلى الفراغ الدستوري الذي وقع بعد مقتل عثمان بن عفان رضي الله عنه مظلوما. فلو أنه رضي الله عنه كان أوصى لأحد بعده في الخلافة لما آل الأمر إلى ما آل إليه
ويكون الأمر أكثر خطورة، وأشد مخالفة، اذا كان القصد من مقاطعة الانتخابات، -كما يرجح بعضهم- هو الإبقاء على قدر من اللغط، والمشاكسة، والضغط على النظام، وإرباكه وإزعاجه، أو التقليل من مصداقيته، أو عرقلة مسيرته الأمنية والتنموية، من أجل الحصول على مكاسب مادية، أو عائدات مالية، أو مواقع معنوية، لا تخولها النصوص، ولا تؤشر على استحقاقها صناديق الاقتراع، لأنه –إضافة إلى ما قد ينجم عنه من ضرر عام- سعي واضح للرشوة، مقابل السكينة العامة، أو دفع مقصود لما سماه بعض الكتاب السياسيين بالمجهول
وقد يقول المقاطعون إنهم كانوا يسعون منذ البداية إلى تحقيق ظروف تسمح لهم بمشاركة ذات مصداقية في الانتخابات، وأن الطرف الآخر استعجل الأمر وحسمه من طرف واحد، لكن يبدو أن الطرف الآخر كان مدركا لما يمكن ان يبيته المقاطعون من مراهنة على الوقت، ومن سعي خفي لدفع النظام بحنكة وكياسة، وانسيابية حوارية، وتصاريح متفائلة حتى يخرج من زمن الشرعية والمشروعية، إلى وقت لا تغطيه المأمورية الدستورية، فيسقط في فخ الفراغ الدستوري، فيتبدل الخطاب السياسي وتتغير المعطيات والمطالب ويتحقق الهدف النهائي من اللدد السياسي أو الانتخابي. سيما وأن بعض سياسيينا يمكن وصفهم بأنهم “قوم لد
وإذا صح هذا التحليل أو التوجيه –وهو صحيح فيما نرى- لأن التوجه إلى صناديق الاقتراع لا يعلق عليه المقاطعون أملا كبيرا- فإن مستقبل الديمقراطية في بلادنا ما زال غامضا، بفعل بعض النخب السياسية، التي لا تنظر إلى الديمقراطية بوصفها منهجا حضاريا راقيا وسلوكا اجتماعيا ناضجا. وإنما تنظر إليها بوصفها آلية للانقضاض على الحكم، أو وسيلة من وسائل الكر والفر لاقتطاع نصيب ما من كعكة الحكم
ذلك أن ترسيخ الديمقراطية، وتعميق المنازلة السياسية، لا بد لهما من طول الممارسة وقبول الهزيمة، والرضوخ الدائم لحكم الشعب، حتى يقتنع الناس باستحالة التبادل على الحكم بغير الديمقراطية، وتتبلد أذهانهم ومعتقداتهم على ذلك، بحيث يصبح المستولي على السلطة بدون انتخابات حرة ونزيهة، غاصبا حقيقيا، كما سماه عمر بن الخطاب رضي الله عنه. وإذا كانت المعارضة الراديكالية، فضلت أن تكون المنازلة بينها مع النظام في “الإحجام والإقدام” بدل “الأعداد والأرقام”، فإنها تواجه خطرين يهددانها، إن لم يكن في أصل وجودها، ففي مصداقيتها على الأقل
الخطر الأول: هو تعريتها من تسيير ما تبقى عندها من أنصار، لأن تسيير “السكون والإحجام” في أجواء الهرج والمرج، والاحتفال والطمع، اشد صعوبة وأكثر دقة من الانخراط في التيار العام المتحرك، سيما مع غياب المبدئية، وانعدام المصلحة، وانسداد أفق ومستقبل المعارضة. رغم أن الأصل أن السكون أسهل نفسيا وأيسر مادي
الخطر الثاني: أن توجه الناخبين إلى صناديق الاقتراع بنسبة تفوق أو حتى تساوي نسبة الانتخابات التشريعية والمحلية الماضية، التي قاطعتها المعارضة يفقد المعارضة كل مصداقية شعبية ويبرز –حتى أكثر من المنافسة بالأرقام- مدى التحجيم المميت، أو الضمور المضني، الذي آل إليه أمر المعارضة
صحيح أن الظروف الطبيعية، والأحوال البيئية، لا يساعد أي منها على الإقبال على الانتخابات، خصوصا في المناطق الشرقية الآهلة بالسكان، بسبب أوضاع التنمية، وارتفاع درجة الحرارة وتشويش وضع اللوائح الانتخابية، عقب انتخابات محلية عاصفة ، إضافة إلى ما يسببه الاطمئنان الكبير على مرشح الأغلبية السيد محمد ولد عبد العزيز من خمول أو إهمال. ويبقى إجراء الانتخابات الرئاسية في موعدها المقرر دستوريا، وفاء بالعهد والتزاما بالعقد، ومصداقية في الممارسة الديمقراطية وحذرا مبررا من الفراغ الدستوري الذي تعيشه بعض الدول العربية
نواكشوط، بتاريخ 14-06-2014

 

شاهد أيضاً

في  انتظاركم يا صاحب الفخامة / يحي ولد عبدو الله  – دبلوماسي

فى الحادي عشر من الشهر الجاري ستكون مدينة كيفه عاصمة ولايتنا الحبيبة لعصابة على موعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *