3 مايو 2024 , 23:34

انتخاب السيادة.. والخريطة الاستراتيجية الدولية الجديدة / د. العميد أمين محمد حطيط

aminhtaytنادراً ما يصدر عن الغرب المكابر مواقف تظهر غيظه من الخسارة ورعبه من تفاقمها، ولكن سورية اخرجت الغرب المعتدي عن طوره ودفعت بمسؤوليه للاعتراف بحجم الكارثة الاستراتيجية التي حلت بهم في منطقة الشرق الاوسط ومنها الى العالم برمته، من خلال العجز عن تحقيق انجاز ذي طبيعة استراتيجية قابل للصرف السياسي انطلاقا من العدوان على سورية.‏
فالغرب بات يشعر ان احلامه وطموحاته بامتلاك منفرد للقرار العالمي لتكون اميركا سيدة المعمورة، ان الغرب هذا بات على يقين بان الحلم سقط ولن يتوقف السقوط عند هذا الحد بل ان الخسائر الاستراتيجية تتوالى فتنتج الواحدة الاخرى بشكل غير مسبوق حتى قبل انتهاء الحرب الباردة. ولم يكن جيفري فيلتمان (السفير الاميركي السابق في لبنان مهندس اكذوبة «ثورة الأرز» التي شاء الاميركي منها الانطلاق الى شرق اوسط اميركي)، فيلتمان الذي زرعته اميركا في الامم المتحدة الى جانب امينها العام لينقذ مصالحها في عصر المتغيرات والانقلابات الاستراتيجية الدولية الجارية منذ انطلاق العدوان على سورية، فيلتمان هذا يطلق الصرخة الآن محذراً اميركا ومطالبا بإعادة النظر بسياستها حيال سورية لانه يخشى ان تفقد ورقة لبنان وورقة الاردن بعد ان فقدت ورقة سورية. وان اهم ما في موقف فيلتمان الان وهو رسمه للواقع بمنظور اميركي واعترافه بخسارة المواجهة في سورية، وسيسجل التاريخ ان موقف فيلتمان هذا هو الاعتراف الاميركي الاول بالهزيمة في الصراع الدولي الدائر على الارض السورية.‏
ولم يبق موقف فيلتمان يتيماً بل جاء موقف السيناتور الاميركي ماكين المعروف بعدوانيته وشراسته ضد حرية الشعوب وسيادتها بشكل عام وضد محور المقاومة وسورية بشكل خاص، ماكين وفي الاسبوع المنصرم اعاب على اوباما مواقفه «الانهزامية» التي اطلقها في «وست بوينت» (الكلية العسكرية الحربية الاميركية التي ينشأ فيها الضباط الاميركيون)، مواقف كان اهم ما فيها تعهداً مقنعاً يطلقه الرئيس الاميركي أمام الضباط بان القيادة الاميركية لن تلقي بهم بعد الان في اتون نار وحروب جديدة خارج الارض الاميركية وان عليهم التحفز للدفاع عن حقوق اميركا ومصالحها انطلاقا من الارض الاميركية فقط. وهو موقف يشكل برأينا انسحابا اميركيا نهائيا من منظومة «الحروب عبر الحدود» وطي صفحة «استراتيجية القوة الصلبة» بشكل نهائي.‏
على ضوء هذه المواقف نقرأ او نستقرأ ما يدور في العالم الان من صراعات ومواجهات بشكل عام وفي سورية بشكل خاص، ونتوقف عند الممكن والمحتمل من السلوك الغربي او اكثر تحديدا السلوك الاميركي حيال تلك المواجهات الممتدة من اوكرانيا على الحدود الروسية، الى شمال افريقيا وبشكل خاص ليبيا ودول جوارها والاهم ما بين الجبهتين ما يجري في سورية بالذات، الجبهة او الميدان الذي ثبت ان المواجهات فيه وعبره، انتجت بشكل اكيد النظام العالمي الجديد ورسمت الخريطة الاستراتيجية الدولية الجديدة، وحسمت التوزانات الدولية الجديدة. ومن خلال هذه القراءة والاستقراء نستطيع رسم المشهد كما يلي:‏
1) طوى الغرب مكرها صفحة «الحروب عبر الحدود»، واضطر للانكفاء والتراجع عن فكرة فرض القرار بالقوة العسكرية وبالجيوش التي تحتل اراضي الغير وتغير الانظمة وتسقط الحكام، ودخل الغرب الان – كما دخلت اسرائيل قبله في العام 2006 – دخل «دائرة عجز القوة» وبات يملك قوة رغم تعقيدها وأهميتها قاصرة عن تحقيق اهدافه في السيطرة على العالم او انشاء منظومة استعمار جديد بمواصفات تناسب مصالح الغرب وقدراته وتواجه المخاطر المحتملة من هذا الجانب او ذاك.‏
2) بات الغرب ملزما بالتحول من سياسة اقامة الفضاء الاستراتيجي الحيوي الشامل للعالم كله، الى سياسة تحديد الخسائر والمحافظة على جزر النفوذ في معسكر الخصم، وفي ذلك انقلاب استراتيجي هام لا يماثله في عصرنا الحاضر الا ما حدث عقب تفكك الاتحاد السوفياتي وتوقف الحرب الباردة، وانطلاق اميركا في مشروع ارساء النظام العالمي القائم على الاحادية القطبية، المشروع الذي نشهد سقوطه الكلي الآن.‏
3) انقسم العالم اليوم الى شرق قادر عن الدفاع عن حقوقه ومصالحه، وغرب عاجز عن انتهاك تلك الحقوق، شرق بات يمتد من الصين في الشرق الاقصى الى لبنان على ساحل المتوسط، ولم يتبق للغرب في هذه المساحة التي يقطنها اكثر من نصف سكان العالم، لم يتبق الا جزر متناثرة تستعد اميركا للانسحاب من بعضها (كما هو الحال مع أفغانستان) وتتهيب او تخشى الزامها بالخروج وخسارة البعض الاخر (كما هو الحال مع الاردن وسورية وفقا لتحذيرات فيلتمان) ولا تفيد المكابرة او الغضب الذي يبديه هذا وذاك عندما يكون حديث عن فضاء استراتيجي حيوي لمحور المقاومة يمتد من ايران الى شاطئ المتوسط، فهذا الفضاء بات اليوم امرا واقعا لا يخفيه نفي من اصيب بالعمى السياسي او العجز عن التقدير والفهم الاستراتيجي.و الاخطر في هذا الانقسام هو ان الشرق يسير في خط صاعد بخلاف الغرب الذي يتراجع وفقا لخط انحداري، خاصة مع العجز المركب اقتصادياً وعسكرياً وعلاقات دولية .‏
4) انقلب الغرب من مهاجم للأهداف عبر البحار وبعيدا عن الحدود الى ملزم بالدفاع عن النفس والمصالح في عقر داره، وان التحذير الذي أطلقته «صحيفة الاندبنت» البريطانية بالامس هو امر بالغ الاهمية والدلالة لجهة توقع انتقال الارهاب الى بريطانيا مباشرة مع انتهاء الازمة السورية التي باتت تسير بالخطا المتسارعة نحو نهايتها، وقبل هذا التحذير كانت مواقف مماثلة تصدر عن دول أوروبية عدة (فرنسا، المانيا، بلجيكا،…) ودول النفط الخليجي التي باتت تخشى على مستقبل امنها وترتعد منه و تسعى الى ترتيب علاقات بعيدة عن النظر تمكنها من مواجهة العواصف الامنية المرتقبة ضدها.‏
5) انكشف الغرب وافتضح امره في مخططاته الكيدية في الدول التي يبتغي السيطرة عليها لنقل السلطة وتسليمها الى الدمى التي يصنعها، وباتت اكذوبات «المرحلة الانتقالية»، و«التنحي».. الى ما هنالك من خدع، مناورات مفضوحة لن تجد لها سبيلا الى التطبيق، ووحدها صناديق الاقتراع التي تعبر عن ارادة الشعوب فقط يؤخذ بما يصدر عنها وهذا ما يثير جنون الغرب.‏
في ظل هذا المشهد الدولي الجديد تجري الانتخابات الرئاسية في سورية، انتخابات تؤكد على المتغيرات الدولية وتثبت نتائج المواجهة في الميدان التي اضحى ميزانها راجحا وبشكل اكيد وبمعدلات عالية ومن غير امكانية اجراء مراجعة او تعديل باتت لمصلحة سورية التي تثبت انتصارها مع محور المقاومة بصرفه في السياسة عبر صناديق الاقتراع التي باتت كابوسا يؤرق دعاة العدوان الغربي وقيادته الاميركية وادواته الاقليمية، حتى اخرجتهم عن طورهم ودفعتهم الى منع اجراء الانتخابات على اراضيهم، حتى والتحق لبنان عبر وزير داخليته المرتبط بتلك السياسة واتخذ من القرارات ما يحد من ممارسة السوريين لحقهم الانتخابي.‏
وهنا نؤكد على عدم اهمية المواقف العدائية الغربية ضد الانتخابات الرئاسية السورية، فهذه الانتخابات تجري على الأرض السورية او في السفارات السورية في الخارج التي لم تمارس الدول المعتمدة لديها سلوكيات القمع ومنع الممارسة الانتخابية (43 دولة سمحت بإجراء الانتخابات فيها)، ونذكر بـ«لا أهمية المكان في اي حال» لأن الانتخاب يقوم به انسان على اي مكان، والشعب السوري اظهر من خلال العينة الموجودة في لبنان كم هو تواق وملهوف لتأكيد انتصار دولته عبر ذهابه الى صندوق الاقتراع لينتخب السيادة والاستقلال والحرية، متمسكا بالقائد الذي يمثل رمزا لكل ذلك. وبعد مشهد السوريين في لبنان (وهم يمثلون عينة عشوائية من الشعب السوري) وحشودهم الاسطورية باتجاه سفارتهم في لبنان ليمارسوا حقهم بالاقتراع، لن يجدي تشكيك او تخرص او ادعاء بمشروعية الانتخابات وصدقيتها او عدمها.‏
اما عن الاعتراف بالنتائج او عدمه، فان سورية لا تنتظر من عدو او خصم او مجرم ان يشهد لها او يعترف بمشروعية اعمالها، وهي تسير في هذا السياق متمثلة قول الشاعر العربي «واذا اتتك مذمتي من ناقص… فهي الشهادة لي بأني كامل» ويكفي ان يكون السلوك السوري مبعثا لغيظ العدو وغضبه حتى يكون في هذا الامر قرينة قاطعة على صحة السلوك وصوابيته، ثم من قال ان سورية تنتظر من اولئك المعتدين شهادة؟، ومن يستطيع ان ينسى انه مع انقسام العالم الى شرق وغرب، ان التكتلات الدولية التي تنتمي سورية اليها، هي جاهزة واكدت على هذا الجهوز للاخذ بنتائج ما يصدر عن صناديق الاقتراع من تعبير عن الارادة الشعبية السورية.‏
وأخيراً هل يمكن لعاقل ان ينسى ان الشعب السوري يذهب الى صناديق الاقتراع من اجل تثبيت انتصار دولته على العدوان الذي استهدفها وانه لا ينتظر من المعتدي المهزوم المكابر اعترافا وانه لا يعبأ بعراقيله!!؟ فالمواطن السوري يتحفز اليوم الى المساهمة بشكل او بأخر في صنع النصر الذي يتحقق، فإن حالت ظروفه دون النزول الى الميدان وتحمل معاناة المواجهة، فانه على الاقل سيسجل مساهتمه في الذهاب الى صناديق الاقتراع ليكون من صناع الانجاز الاعجاز، وان التوقيع على لائحة الانتخاب هو بمثابة تأكيد الانتساب الى لائحة الشرف التي ادرجت فيها اسماء الأبطال صناع الانتصار.‏
(الثورة)

شاهد أيضاً

أبعاد الخلافات بين مالي وموريتانيا

تصاعد التوتر بين مالي وموريتانيا خلال الأشهر الثلاثة الماضية، بسبب استهداف مواطنين مدنيين موريتانيين عزل في …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *