18 مايو 2024 , 10:25

الخبير الدستوري الدكتور محمد الأمين ولد داهي يشارك في منتدى الدوحة ومؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق

001
الدكتور محمد الأمين ولد داهي

خاص – المرابع ميديا: شارك الخبير الدستوري ورئيس المعهد العالي للدراسات العليا التطبيقية الدكتور محمد الأمين ولد داهي في منتدى الدوحة الرابع عشر ومؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط ، الذي حضره عدد من كبار المسؤولين من بينهم:
– دمومينك دوفيلبان ، رئيس وزراء فرنسا الأسبق.
-باسكال بونيفاس،رئيس معهد العلاقات الدولية والإستراتيجية (IRIS).
– جاسيك بروتاسويتش، نائب رئيس البرلمان الأوروبي.
– اللورد ويليام أوف باغلان، عضو امناء (BBC) السابق، والوكيل الدائم السابق للأمم المتحدة، والمستشار السابق لوزير الخارجية – المملكة المتحدة.
– موريس لورا، رئيس جمعية الصداقة الفرنسية- القطرية في البرلمان الفرنسي.
وقد ناقش المنتدى الذي اختتم أعماله يوم 14 مايو 2014 ،على مدى ثلاثة أيام العديد من المواضيع والمحاور وأوراق العمل المهمة بمشاركة واسعة وكبيرة من ممثلي الدول والحكومات والوزراء وقيادات وشخصيات سياسية وفكرية وبرلمانية بارزة ورجال أعمال وخبراء في شتى المجالات من المنطقة والعالم، بالإضافة إلى ضيوف شرف المنتدى من الأرجنتين والسودان وفرنسا وألبانيا.
ويعتبر منتدى الدوحة الذي يعقد بالتزامن مع مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط ، ويلتئم للمرة الرابعة عشرة بالدوحة، واحدا من أبرز المنتديات الدولية في مجال الشؤون الدولية المعاصرة.
وتناولت جلسات المنتدى السبع مناقشة مواضيع وأوراق عمل حول الديمقراطية ” بناء ما بعد التغيير” وحقوق الإنسان .. الأمن الإنساني في ظل الصراعات والأزمات والتنمية وتأثير الطاقة والاستقرار الإقليمي والاقتصاد والتجارة الحرة وواقع الاقتصاد العالمي والإعلام والسلطة الرابعة الرقمية والتحولات المجتمعية في الشرق الأوسط .

وقد عقد منتدى الدوحة في دورته الرابعة عشرة وسط تحولات سياسية واقتصادية لافتة وكبيرة في المنطقة والعالم، تؤكد في مجملها الأهمية الكبيرة التي يكتسبها المنتدى منذ انطلاقته الأولى وما تطرق اليه في دوراته السابقة من دعوات إلى الإصلاح واعتماد التنمية كأساس للأمن السياسي والاجتماعي وبخاصة التنمية الانسانية.
يذكر أن أول منتدى قد عقد عام 2001 تمهيدا للاجتماع الوزاري لمنظمة التجارة العالمية بالدوحة في نوفمبر من نفس العام .
وحمل المنتدى اسم المؤتمر القطري- الأمريكي حول الديمقراطية والتجارة الحرة.
وتناول مسائل مهمة وحيوية شملت التجارة الحرة والحقوق الاقتصادية وحقوق الانسان وحرية الصحافة والانسجام الديني في ضوء الخلاف السياسي وتفعيل العملية الديمقراطية والعلاقة بين الإسلام والديانات السماوية الاخرى.
وتوالى بعد ذلك عقد الدورات تباعا حتى الدورة الرابعة عشرة في الفترة من 12 الى 14 مايو الجاري.
أما مناقشات مؤتمر إثراء المستقبل الاقتصادي للشرق الأوسط فغطت محاور ومواضيع وأوراق عمل حول بناء اقتصاديات تخلق فرص العمل في الخليج، حيث تم في إطار هذا المحور مناقشة مواضيع اقتصادية من بينها واحد بعنوان ” نمط جديد للاقتصاد والتنمية في المنطقة وعبر العالم”، ومحور آخر بعنوان ” الشرق الاوسط كمحور إلى آسيا “.
كما شملت جلسات المؤتمر مناقشة موضوع تمويل الشركات الصغيرة والمتوسطة الحجم والمشهد الاقتصادي العالمي وأعمال النظم الأيكولوجية في العالم العربي ، فيما عقدت مؤسسة “راند” جلسة بعنوان ” تكاليف النزاع الإسرائيلي الفلسطيني، بجانب مناقشات أخرى شملت عناوين ومحاور حول مقاربات مبتكرة لخلق فرص العمل وريادة الأعمال الاجتماعية، وغير ذلك من العناوين الجانبية في نطاق هذه المحاور الرئيسية.

اضغط لتكبير الصورة

004

002

003
………………………..
وقد كان الدكتور محمد الأمين ولد داهي ضمن المتحدثين في الجلسة الأولى: الديمقراطية، بناء ما بعد التغيير
وفي ما يلي نص المحاضرة:
المراحل الانتقالية الديمقراطية في العالم العربي و تحديات التغيير الجارى
الجلسة الأولى: الديمقراطية، بناء ما بعد التغيير

بسم الله الرحمن الرحيم
أشكركم على دعوتي للمشاركة في هذا المحفل الهام ، منتدى الدوحة الرابع عشر، و موْتمر إثراء المستقبل الإقتصادى للشرق الأوسط، لتبادل بعض الأفكار حول التجربة العربية والدولية في تحولات و تحديات التغيير السياسي الديمقراطي.
ولكن قبل أن نناقش جوانب هذا التحول أو الانتقال الديمقراطى، اسمحوا لي أن أستغل هذه الفرصة لأحيي جميع المشاركين فى هذا المنتدى، و أتمنى للشعب القطري و حكومته النجاح الكامل في أعمالهم و خصوصا فى مبادراتهم المتنوعة للنهوض بعالمنا العربى وتعزيز نهجه الإصلاحى الديمقراطى.
فيما يتعلق بعملية التحول الديمقراطى فى الدول العربية، سأقدم ملخصا موجزا عن ورقتِـــى حول هذا الموضوع، متناولا أولا تعربف التحول أو الانتقال الديمقراطي ؟ و ثانيا تطوره و أبعاده فى محورين أساسيين المحور الأول يتعلق بالتحول الديمقراطي فى بعده الدولى و آثاره على التحولات الديمقراطية العربية التى سنقدمها فى المحور الثانى.
ما هو المقصود بالتحول أو الإنتقال الديمقراطي ؟
” التحول الديمقراطي” هو العملية السياسية التي تسمح بالانتقال التدريجي من الدكتاتورية أو الاستبدادية إلى الديمقراطية فى بلدٍ ما ، و يتخذ التحول أو الانتقال الديمقراطى أشكالا مختلفة تجرى وتتجسد فى الواقع على مدى عدة سنوات. و تقيم المرحلة الانتقالية على أساس معايير متعددة من أهمها الفترة الزمنية التى تستغرق و التساع الإجماع السياسى التى تبنا عليه و عادة ما تتبع ذلك مرحلة توطيدٍ للديمقراطية بهدف ضمان الاستقرار.
تنتهي مرحلة الانتقال عندما تتحقق الديمقراطية في بلدٍ ما عن طريق التعددية الحزبية وتعزيز ثقافة التناوب السلمى علي السلطة ، و المشاركة الفعلية من طرف جميع القوى السياسية فى اختيار قادتها عبر انتخابات تنافسية حرة ونزيهة مقبولة من طرف الجميع ، تحت إشراف هيئات رقابية مستقلة، و اعتماد مبدأ فصل السلطات و الاستقلال الفعلى للقضاء، و استعمال مسطرة المراقبة الدستورية للقوانين، و تكريس دولة القانون و المواطنة و المساواة و حرية الصحافة، و ممارسة الحريات الفردية والجماعية ، و ترقية المرأة و الأقليات.
يبين التاريخ أن التحول الديمقراطي هو الحركة التي لا تتوقف أبدا ، لأنها مشروع مجتمع مثالى يتطلب باستمرار متابعة البناءَ و التحسين لأن الديمقراطية هى سلطة الشعب التى تــــُـــمارَس من طرفه و من أجله، وفقا للتعريف الذي قدمه الرئيس الأمريكي الراحل أبراهام لينكولن سنة 1863.
I/ التحول الديمقراطي فى بعده الدولى
أ‌. النماذج الأوروبية الأصلية و النموذج الأمريكي
تسود الثقافة الديمقراطية فى أوروبا الغربية الليبرالية و الصناعية، وقد بدأت منذ مدة طويلة بالثورات البريطانية 1688، و الفرنسية 1789 ، و تتوطد فيها بشكل متزايد، بحيث يبقى الشعب وحده السيد الحقيقي في اختيار ممثليه و قياداته السياسية، فى نظام يكرس الحرية في جميع العلاقات بين المواطنين و الدولة.
و أنجبت ابريطانيا عبر تطورها التاريخى الطويل كمملكة دستوريه ،أول نموذج ديمقراطى برلمانى عرف انتشارا واسعا فى أوروبا و العالم، بينما أنجبت فرنسا نمطا شبه رئاسى برلمانى.
أما فى أمريكا الشمالية ، فإن ثورة 1776 ، بلورت ديمقراطية متميزة عبر تاريخ طويل أدى إلى تشكل النظام الديمقراطى الرئاسى الحالى.
وقد أدى تأثير هذه الأنماط إلى اتساع تطبيقها في اوروبا الغربية و اليابان بعد الحرب العالمية الثانية و فى اوروبا الجنوبية المتوسطة فى السبعينات من القرن الماضى أى فى البرتغال، المملكة الإسبانية و اليونان و أمريكا الجنوبية و فى التسعينات فى أوروبا الشرقية وإفريقيا وبعض الدول العربية.
ب. بعض التجارب الانتقالية الديمقراطية الناجحة
فى هذا المجال سأذكِّـــر ببعض التجارب شبه المثالية أو الناجحة فى وقت قصير, فى بعض الدول لتكون معا مرجعا للاقتباس و الاستئناس للتجارب الانتقالية العربية الجارية. و قد اخترتُ من بين هذه النماذج التحول الديمقراطي للمملكة الإسبانية و أوروبا الشرقية والحالة الخاصة لجمهورية جنوب أفريقيا.
التحول الديمقراطي للمملكة الإسبانية
بعد وفاة فرانكو في نوفمبر تشرين الثاني 1975، شكل بناء الديمقراطية الهدف المشترك للغالبية العظمى من القوى السياسية بقيادة الملك اخوان كارلوس، ومثل أيضا تحديا سياسياكبيرا، بسبب مختلف الأطراف الفاعلة المعنية وأهمية القضايا المعلقة: طبيعة النظام والمؤسسات ، الأزمة الاقتصادية ، مع الأخذ بعين الاعتبار تطلعات المناطق الانفصالية وصياغة العلاقة بين الدين / الدولة ، ودور القوات المسلحة و ممارسة لتعددية و الجربة.
و يمكن لنا، من وجهة نظرة مؤسساتية دستورية، أن نعتبر أن المرحلة الإنتقالية تمتد من وفاة الجنرال فرانكو 1975 ، وحتى وصول فيليبي غونزاليس ، قائد حزب العمال الاشتراكي الإسباني للحكم سنة 1982.
و قد بذل الملك الجديد جهود مثمرة تجسدت فى الحصول على إجماع القوة السياسية الإسبانية في اعتمادها على عدة قرارات مهمة من بينها الاجرائات التالية:
– ما يعرف بميثاق “النسيان”)1977( فيما يخص مخلفات الحرب الأهلية بين الملكيين والجمهوريين،
– اتفاقات مونكلوا الاجتماعية بين الأحزاب السياسية والحكومة 25 أكتوبر 1977 لاستعادة القدرة على نمو الاقتصاد الإسباني ،
– قانون العفو العام من 14 أكتوبر 1977 ،
– وأخيرا دستور عام 1978
و شكل النموذج الإسباني منذ عام 1980 مرجعا للبلدان في أوروبا الوسطى وأمريكا اللاتينية ودول البحر الأبيض المتوسط، حيث أن عملية الانتقال الاسبانية اتخذت شكل الانتقال “الممنوح” أو “الهيبة” من قبل الملك اخوان كارلوس و المجموعة المسيطرة على السلطة و في سياق استمرارية مؤسسات فرانكو التي من خلالها وضعت طريقة للديمقراطية الليبرالية ،و تسوية تفاوضية بين الإصلاحيين و المعتدلين من مهندسى الملك الجدبد و قوى المعارضة . و مكن هذا النهج الحذر و البراغماتي من التعبير المعتدل عن الارادة الشعبية بعيدا عن التطرف.
التحولات الديمقراطية في أوروبا الشرقية أو نموذج الحزب الواحد
بدأ التحول الديمقراطي في أوروبا الشرقية مع نهاية احتكار الحزب الواحد أى الأحزاب الشيوعية للسلطة السياسية وإدخال التعددية الحزبية فى النظام السياسى الجديد .
إن إرساء الديمقراطية في هذه الدول بعد الثورات السياسية فى التسعينات من القرن الماضى مثل مرحلة جديدة و قد حدث بتباطؤ و تسارع، حسب طبيعة النظام الشمولي في هذه الدولة أو تلك. و بني النظام الجديد فى المجال التشريعي على النموذج الأوروبي. و قد شهد ثلاثة إصلاحات رئيسية متداخلة : إصلاح سياسي وإصلاح اقتصادي و إصلاح تربوى.
فى هذا السياق السياسي، و تحت غطاء الديمقراطية والحرية، بدا التحول الديمقراطي بتشكيل طبقة سياسية جديدة ، تتكون من مجموعتين رئيسيتين من الأحزاب السياسية : أحزاب ليبرالية محافظة قومية و أحزاب ديمقراطية اشتراكية.
ويتميز المشهد السياسي الحالى بالصراع بين هذين القطبين من خلال التناوب السلمى على السلطة معززة البناء الديمقزاطى ، مسهلا اندماجها التدريجى فى المجموعة الأروبية. &nbsp ;
حالة جنوب إفريقيا الخاصة
عرفت جنوب أفريقيا أول انتخابات ديمقراطية 1994. و اليوم وبعد عشرين سنة ها هى تنظم بنجاح انتخاباتها الخامسة، مكرسة تحقيق هدفها المتمثل في توطيد الديمقراطية.
إن التوترات القوية التي ظهرت في نهاية نظام الفصل العنصري والتى مكنت الأقلية البيضاء بممارسة أبشع الجرائم ضد الإتسانية فى حق الأكثرية السوداء، لم تعرقل التحضير المحكم للانتقال السلمي الديمقراطي الذى لم يتوقعه أحد.
اختارت جنوب أفريقيا تنظيم كل تفاصيل الانتقال والتحول معتمدة على القانون و الإجماع. في ألواقع إن استخدام أدوات مثل، الدستور و لجنة الحقيقة و سياسات ألمساواة، أظهرت أهمية سن قوانين جديدة لإعادة بناء الدولة للسماح بالمرور من نظام الفصل العنصري إلى نظام ديمقراطي .
إلا أنها سجلت أيضا بصفة لم يسبق لها مثيل أساسيات العدالة الانتقالية من خلال لجنة الحقيقة والمصالحة من نوع جديد . كما بدأت أيضا سياسة إصلاح ، يعتمد على مبدأ المساواة ، و مشروع إعادة الإعمار الشامل للدولة.
وتشكل جنوب أفريقيا و إعادة بناء الدولة فيها مصدر إلهام لكثير من الدول التي تمر بمرحلة انتقالية ديمقراطية.
أهم ما في هذه التجربة هو آلية ” الحقيقة والمصالحة ” التي جنبت البلد ويلات الإنتقام تحت قيادة الزعيم نلسون مانديلا الذى قاد البلاد كأول رئيس أسود لهذا البلد الإفريقى بعد نهاية نظام الفصل العنصري ، مكنته من بناء أمة ” قوس قزح “، حيث االأسود و الأبيض و الأصفر يتعايشون بسلام كمواطنين في نفس البلد .
II/التحولات الديمقراطية في العالم العربي
يبين التطور التاريخي أن بعض الدول العربية قد شهدت مرحلتين من التحول الديمقراطي.
المرحلة الأولى فى الثمانينات و التسعينات من القرن الماضى (1980-1990) ، مع التحولات الديمقراطية في جنوب المتوسط ، و المرحلة الثانية هى التحولات الديمقراطية الجارية منذ 2011.
أ. التحولات الديمقراطية العربية الأولى
تعنى هذه المرحلة الأولى أساسا مصر وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا، واليمن والأردن ، أى إما أنظمة عسكرية (موريتانيا واليمن ) أو أنظمة الحزب الواحد مثل مصر، الجزائر، تونس ، سوريا والعراق أو الملكيات الدستورية ( المغرب والأردن).
و قد أقرت بعض هذه الدول تدريجيا وعلى استحياء إصلاحات التعددية الحزبية وتعيين السلطات عن طريق الإ نتخابات و إعطاء بعض الحريات.
وعلى الرغم من هذه الإصلاحات تابعت القوى السياسية المطالب بإصلاحات ديمقراطية أعمق و إنشاء نظام أكثر انفتاحا مع التركيز على حقوق الإنسان ،وحرية التعبير، وانتخابات حرة وشفافة و تحسين الظروف المعيشية للمواطنين.
في الواقع ، تميزت هذه الأنظمة بتركيز السلطة و عدم الانفتاح على المعارضة. كما تمت التضحية بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. وبعبارة أخري فإن هذه الأنظمة بدل تلبية هذه المطالب و بناء ديمقراطية حقيقية لم تهتم إلا بمحاولة توطيد استقرارها و نظامها السياسى المنقوص.
ب. طبيعة التحولات العربية الجارية منذ 2011
يبدو العالم العربي اليوم من موريتانيا إلى سوريا ، فى موجة ديمقراطية عنيفة وهشة فى نفس الوقت . إذ تسببت الثورة التونسية و المصرية فى صدمة حقيقية للإنسان العربي، و مع ذلك لم توْدي إلى حدوث تأثير الدومينو-كما كان معتقدا – الذي من شأنه تغيير كل الأنظمة الاستبدادية في العالم العربي.
إن العالم العربي في الواقع، ليس كتلة متجانسة. بالتوازي مع ثورات 2011، شهدت بعض الأنظمة العربية احتجاجات شعبية محدودة مثل الجزائر، موريتانيا، ألأردن و المغرب و دول الختيج العربى.
وبالتالي فإنه من الصعب إصدار حكم مسبق على الوضع العام ، ومن المهم أن نتذكر أنه إذا كانت كلمة ديمقراطية هي الآن المصطلح السائد فى مجال السياسة ،بعد أن كانت شبه محظورة، يبقى من الأساسي تحديد و تعريف الديمقراطية التي نحلم ببنائها فى دولنا.
إن عملية تحولات الأنظمة العسكرية العربية ، إلى أنظمة ديمقراطية ستكون طويلة الأجل بسبب الدور الرئيسي للجيش الذى يريد الحفاظ على درجة عالية من التحكم في العملية الديمقراطية الانتقالية.
وفي هذا الصدد ، فإن حالة مصر والجزائر و موريتانيا واليمن توضح هذا الاتجاه : إن الانتقال الديمقراطى سيكون شبه ” منحة ” من قبل الجيش . لأنه اذا كان قد فقد السيطرة على بعض جوانب ألعملية الانتقالية، فإنه ما زال يسيطر على جزء مهم منها يسعي من خلالها لإقامة نظام ديمقراطي يتوافق مع معاييره المتعلقة بالأمن القومي من خلال فرض نوع من الحكم الذاتي له في إدارة السياسة و الدولة والمجتمع.
لذا يجب على القوى السياسية معرفة التكيف مع هذه الاشكالية لانجاز المرحلة الانتقالية فى هذه الدول.
حالة سوريا والعراق
خلافا للثورتين التونسية والمصرية ، يتميز الصراع فى العراق وسوريا بطابعه الدينى –الطائفي، الذي بلور انقسامات فى المجتمع بين السنة و الشيعة (الأقلية الشيعية في العراق ، ولأقلية العلوية في سوريا) و المهيمن بين المؤيدين والمناهضين إذ تحولت السلطة السياسية والعسكرية و الإدارية ومؤسسات الدولة إلي أدوات في أيدي جماعات محاربة مانعة أي شكل من أشكال الاحتجاج للمواطنين السنة.
و المفارقة من حيث المنطق الديمقراطي لتوازن السلطة السياسية ،أن الحكم فى الدولتين، بيد الاقلية.
حالة ليبيا
يوضح الوضع في ليبيا أيضا أهمية الخصوصيات الوطنية والمحلية و هشاشة النظام السابق الذى عمل على تضعيف وتمزيق الجيش الوطنى وتهميش التعليم لكى لا تتكون نخبة قادرة على تغيير النظام و لا جيش يحمى ذلك التغيير.
إذ تواجه البلاد الآن شبه حرب أهلية وتقسيم وفوضى تغذيه مختلف القوى السياسية المتواجدة.
و يقوم المجلس الوطني الانتقالي ببطء كبير و صراع طفيلى بين مكوناته بمحاولة فرض سلطته الغائبة على التراب الوطني.
و يتميز الوضع الحالى بانعدام الأمن و تعطل الحكومة فى أداء الواجبات المسندة عادة إلى السلطات العامة (الشرطة ، المرور) و تعدد الميليشيات المسلحة والنزاع علي شرعية المجلس الوطني الانتقالي و عدم وضوح البرنامج الانتقالى وغياب خارطة طريق لتحقيق انتقال ديمقراطى.
حالة المغرب
في المغرب ، بعد موجة من الاحتجاجات الاجتماعية والسياسية التي قادتها ” حركة 20 فبراير ” ، برهن الملك على نوع من المهارة السياسية والقدرة على التكيف .
فقد قام النظام الملكي بتقديم تنازلات في مواجهة الانتقادات من أهمها مسألة الفصل بين السلطات ، و الاعتراف بحقوق الإنسان الأساسية ومكافحة التمييز ، والمساواة بين الرجل والمرأة ، و حرية الرأي ، و حرية الصحافة والحق في الحصول على المعلومات ، وجعْل اللغة البربرية لغة رسمية ثانية.
اتخذت ردة فعل النظام شكل الإصلاح ألدستوري و كان الابتكار الرئيسي تعيين رئيس وزراء من الحزب السياسي الذي يحتل المرتبة الأولى في الانتخابات البرلمانية. وبعبارة أخري بدأ بناء ملكية دستورية برلمانية حقيقية.
حالة تونس
منذ انتخابات أكتوبر 2011، انقسم المجتمع التونسي إلى قطبين متعارضين تدفعهما قيم الفئوية و المصالح الشخصية في بعض الأحيان على حساب المصلحة الوطنية و الثقافة الديمقراطية.
إن أسباب هذه الفجوة تكمن أولا في سياسة الحكومات المتعاقبة منذ الانتخابات الأخيرة ى، والتي تجاهلت طبيعة المرحلة الانتقالية. الخطأ الأول تجلى فى دفع العديد من قادة الترويكا إلى إعطاء الأولوية لتعزيز الحفاظ على السلطة و لم يأخذوا بعين الاعتبار الخصوصيات التي تحرك عملية الانتقال الديمقراطى التونسى.
على هذا الزخم ، قامت جماعات المعارضة بتطوير منهجية جديدة ضد السياسة المتبعة من قبل الترويكا و النهضة . و تميز الصراع السياسى بينهم كما لو كان الهدف هو القضاء على ” الاخر ” مهما كانت التكاليف و غير مهتمين بالظروف لنجاح العملية الديمقراطية.
على هذه الخلفية المحفوفة بالمخاطر واغتيال القادة السباسيين شكرى بلعيد و محمد ابراهمى 2013 ، بدأت الأزمة السياسية بتكوين تحالف أحزاب المعارضة مع الجبهة الشعبية والاتحاد العام التونسي للشغل الذى شكل تطورا جديدا يزن وزنه ضد الترويكا مما مهد الطريق لعملية انتقالية توافقية عبرت عن مستوى الوعى لدى الإنسان التونسى.
في يناير كانون الثاني 2014، اتخذت القوى السياسية التونسية خطوة جريئة على طريق الديمقراطية موْسسة بها الجمهورية التونسية الثانية.
اعتمد نص الدستور من قبل الجمعية التأسيسية باجماع القوى السياسية ،و استقالت الحكومة التونسية التي يهيمن عليها الاسلاميون في هدوء، و شكلت حكومة انتقالية مؤلفة من تكنوقراط مسؤولة عن تنظيم انتخابات جديدة في أواخر 2014( الرئاسية والتشريعية ) لإنشاء مؤسسات دستورية جديدة.
ج. آليات نجاح التحولات الديمقراطية العربية
يدخل العالم العربي مرحلة جديدة من تاريخه، تتميز بالرغبة في القطيعة مع ماض اتسم بالقمع والظلم و انعدام الأمن، وعدم اعتماد مبدأ التعددية ألسياسية والتنوع العرقي والديني و ممارسة الحريات الفردية و الجماعية. و يمكن لكل هذه العوامل أن تعرقل هذه التجربة الديمقراطية الجديدة إذا ما أخذنا بعين الإعتبار:
– أن الانتفاضات الشعبية العربية نمت و تطورت بدون قاعدة إيديولوجية أو قائد، وغالبا ما بدأها الشباب والنساء؛ و تهدف إلى تغيير نظام قمعي يقبض على السلطة السياسية والاقتصادية عن طريق أقلية.
– أن التطلعات الأولية للانتفاضات الشعبية كانت على حد سواء اجتماعية (توزيع أكثر عدلا للثروة ) وسياسية (دعوة من أجل الحرية و الكرامة ).
– أظهرت هذه الانتفاضات الشعبية العربية انقسامات اجتماعية و دينية متجذره و قوية في المجتمعات العربية (سوريا، العراق ، ليبيا، اليمن … ) : و أكدت أن الحركات الإسلامية لديها مزيد من النفوذ على حركات الاحتجاج السياسي والانتخابي (تونس، ليبيا ، مصر ، المغرب و موريتانيا ) مع أنها لم تكن هى القوة المبادرة لهذه الانتفاضات. ومع ذلك فإن التحول الديمقراطي في العالم العربي لا يمكن أن ينجح بدون التأكيد على البعد الحضارى و الثقافي و الهوية ،الذي تلعب فيه التيارات السياسية، الاسلامية والقومية و الليبرالية مكانة هامة.
– توْدى الانتفاضات الشعبية ضد الأنظمة القائمة إ لى تكلفة اقتصادية واجتماعية باهظة، توقف الحركة الاقتصادية ، انخفاض الاستثمار الخاص ، ارتفاع معدلات البطالة .وهذا أيضا يجعل منها مصدرا لخيبة أمل المواطنين .
إن التقارير المختلفة للأمم المتحدة في السنوات الأخيرة توْكد هذا البعد، وبصفة خاصة الحاجة إلى إعادة بناء المجتمعات العربية من خلال إصلاحات في مجالات الحريات المدنية وحقوق الإنسان، و إدماج المرأة واكتساب المعرفة.
وقد ألهم تقرير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عن التنمية البشرية في العالم العربي 2002 المبادرة الأمريكية للشرق الأوسط الكبير 2004 . و كشف هذا التقرير ثغرات ضخمة في عدة مجالات : عدم وجود المشاركة السياسية، و الحرية والمعرفة و حقوق المرأة و التساع الفقر.
بعض الأرقام في هذا التقرير: 40 ٪ من الأمية، و البطالة( 50 مليون الشباب في سوق العمل) ، والفقر (ثلث السكان يعيشون على أقل من دولارين في اليوم) ، 6.1 ٪ تمثل استخدامات السكان الانترنت ، 5.3 ٪ فقط من النواب من النساء. كما تلاحظ عدم وجود المشاركة السياسية و النقص في الحرية؛ الفارق الكبير بين مستوى محو الأمية ومستوى الثروة و انخفاض معدل الاستثمار في البحث العلمى والتطوير ( 0.5 ٪ من الناتج المحلي الإجمالي ) .
إن استمرار هذه الوضعية السيئة تعوق لا محالة التنمية و لا توْدى إلا لتغذية بيروقراطية مفرطة و أقلية نافذة وقضاء غير مستقل. وبعبارة أخري فإن بعض الدول العربية تعاني من فشل كبير في النظم السياسية والاقتصادية و الاجتماعية.
في ضوء هذا الوضع ألسيئ يتطلب التغلب على العديد من تحديات التحولات العربية الجارية نقاش و بلورة الإقتراحات التسع التالية: 1- بلورة أجندة أو خارطة طريق انتقالية لبناء مشروع مجتمع ديمفراطى، على أساس التشاور و الإجماع بين جميع القوى السياسية من تيارات سياسية، إسلامية و قومية و ليبرالية، تتلاءم مع وضع بلدهم و و عدم إعطاء الأسبقية للاستفادة الحصرية من الشرعية الانتخابية للأغلبية البرلمانية فقط . و على المدى الطويل، تطوير التربية الديمقراطية بعناية من أجل توطيد ثقافة الحوار و احترام رأى الآخر. هذا التحدي يعنى بنفس القدر ألحكومات ومجموعات المعارضة و عناصر المجتمع المدني.
2-تحسين بناء النظام السياسي من خلال إعادة تعريف العلاقة بين الدولة والأحزاب السياسية و المجتمع المدني. وبعبارة أخرى ، فتح مجال المشاركة و تعميق النقاش بين الدولة و الشباب و المواطنين لمنحهم الخيارات السياسية الضرورية للمرحلة الانتقالية.
3- إعادة بناء الوحدة الوطنية والمصالحة مع الماضي من خلال استعادة العدالة لإعادة تثبيت الثقة بين السكان ؛
4- استخدام استفتاء شعبي لإ قرار الدستور ، مع العلم أن اعتماد دستور ليست كافية لبناء سياسة أمنية أو لحل الأزمة الاقتصادية وإنما هو خطوة هامة في بناء الديمقراطية.
5- تحديد و حل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية العاجلة للسكان.لأن تأخير تلبية الاحتياجات الأساسية ، يمكن أن يؤدي إلى خيبة أمل ، وإلى اضطرابات اجتماعية أو حتى إلى العداء تجاه السلطات الجديدة.
6- معاملة أعضاء النظام السابق من كبار المسئولين بطريقة عادلة ومبررة و ربما حظر إعادة انتخابهم موْقة على أساس توافق سياسى واسع.
7- إصلاح قانون الانتخابات لضمان انتخابات ديمقراطية. و إقرار فى هذا المجال “التمثيل النسبي” في الإنتخابات البرلمانية لتمثيل معظم القوى السياسية و إقرار سلطة إدارية مستقلة لتسيير انتخابات حرة وشفافة.
8- السماح للجيش بالقيام بدوره الهام في المرحلة الانتقالية باعتباره الضامن للعملية الامنية، في حين إ خضاعه للسلطات السياسية المدنية المشروعة بعد انتخابها.
9- هناك بالتأكيد القيم العالمية التي يجب الوفاء بها : إنشاء نظام قانوني لترقية و حماية حقوق الإنسان و إدخال مادة التربية الديمقراطية فى المناهج التربية ليضمن أكبر قدر ممكن من ممارسة الحريات الفردية و الجماعية و حرية التجمع ، والتعبير… &nbsp ;
وبعبارة أخرى، يجب أن تكون الصيغة النهائية للانتقال الديمقراطي أى خارطتها ، وتوقيتها ، محل إجماع القوى السياسية.
هذا هو السبب في أنني أعتقد أن كل دولة عربية و بصفة خاصة قواها و أحزابها السياسية يجب أن تعرف كيفية صياغة مسارها الديمقراطى.لأن كل بلد يشكل حالة فريدة و عليه القيام بتحليل شامل لوضعه السياسى من أجل بلورة لنفسه مشروعه المجتمعي الديمقراطي الخاص به.
هذا هو ما تكرسه التجارب الانتفالية الحالية فى تونس والمغرب و شيئا ما اليمن، والسودان التى تمكنت حكوماتها و أحزابها و قواها السياسية من بلورة أجندة أو خارطة طريق انتقالية، على أساس التشاور و الإجماع تتلاءم مع و اوضاعهم ألخاصة آملين لهم ألنجاح، ففى طريق التشاور يكمن النجاح.
هذا ما نرجوه لهم آملين أيضا أن تكون تجاربهم الجارية مجال إلهام و اقتباس للآخرين. لأنه لا يوجد شيء أسوأ في التحول إلى الديمقراطية، من محاولة تطبيق نموذج مستورد و غير مطابق للحالة الخاصة للبلد. و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته.

شاهد أيضاً

اتفاقية تموين الأسواق السينغالية بالأضاحي من موريتانيا.

وقع وزير التنمية الحيوانية، أحمديت ولد الشين، اليوم الجمعة في نواكشوط، مع وزير الزراعة و …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *