





بالتأكيد كرة القدم لم تعد مجرد لعبة تسلية أو ساحرة مستديرة يعشقها ملايين الناس حول العالم ،
بل أضحت ظاهرة متعددة الأبعاد إجتماعية و ثقافية و إقتصادية بإمتياز ،
تؤثر علي السياسة و تشكل الهوية الوطنية و تحفز المشاعر و تدر مليارات العمولات الصعبة ،
و تجمع الناس من مختلف الخلفيات في شغف مشترك ،
و تقدم دروسا في العمل الجماعي و الإنضباط يتجاوز محيط الملعب ،
لتصبح أسلوب حياة لكثيرين بدل من مجرد تسلية عابرة .
إنها بالفعل الرياضة الأكثر شعبية في العالم التي رفعت فقراء لا يجدون قوت يومهم إلي أثرياء يتلاعبون بالملايين و الثروات الهائلة .
إن إهتمام شعوب العالم بكرة القدم وخاصة في كبريات الدوريات و البطولات المحلية و القارية و الدولية و علي مستوي تصفيات و
بطولة كأس العالم تحول الي لعبة و ممارسة طغت علي كل الأحداث.
لتشكل فرصة لتلاقي الشعوب و تعارفها و تبادل الثقافات و تفاعلها مما يعطي للعبة بعدا آخر هو البعد الإنساني بالإضافة الي ما عليه وحدة شعوب العالم .
،حيث تنزوي السياسة وتجف جانبا و تبقي البساطة والروح الرياضية الشئ السائد تتقاطع فيه كل الفئات العمرية داخل المدرجات و خارجها .
إذ أن المنتخبات و الأندية في الغالب تمثل الجماهير في دولها أكثر مما تمثل لأنظمتها و حكوماتها السياسية .
لاشك أن رياضة كرة القدم لم تعد مجرد لعبة للتسلية و قتل الوقت و وسيلة لبناء الجسم السليم كما كان في السابق .
بل اصبحت تلعب دورا فاعلا في التنمية البشرية و تطوير الذات وتنمية المهارات و القدرات بين افراد المجتمع كما انها إحدي المجالات المهمة للإستثمار البشري والتجاري والصناعي و الثقافي الحضاري بين الشعوب .
نتيجة لقدرتها الفائقة في خلق اسواق ليست بالأقل قيمة من أسواق المحروقات عالميا
كالميركادو لتسويق و انتقال اللاعبين و صفقات بث و نقل الدوريات والبطولات و ما يصاحبها
و يلازمها من شركات ترويج كما تساهم في خلق مواسم سياحة بإمتياز و امتصاص البطالة و انتعاش شامل لكل مناحي الإقتصاد كالمواصلات و النقل و الفندقة و شركات الأمن والتأمين
……الخ ، مما يؤكد جليا الإستفادة الكبيرة و الملحوظة من مردودات هذه اللعبة ماديا فضلا عن ما توفره من لحظات متعة لجماهير اللعبة في انحاء المعمورة.
وعليه فإن كرة القدم استطاعت عبر سرعة انتشارها و استقطابها لشعوب العالم بمختلف انتماءاتهم و طوائفهم و اعمارهم أن تجعل منهم حالة تعكس مدي التلاحم الوطني و للإنتماء للوطن و الهوية الوطنية الجامعة بعيدا عن الإنتماءات الضيقة الأخري .
وهو ما يعني أن كرة القدم كرست روح المواطنة و الشعور بالإنتماء للوطن الشئ الذي عجزت عنه رياضات كثيرة أخري في هكذا ظروف و مناسبات .
بالمقابل تعد كرة القدم اللعبة الأولي تشجيعا و متابعة في موريتانيا ،
منذ قيام أول إتحادية موريتانية لكرة القدم 1961 م
أنضمت لاحقا إلي الفيفا 1964م
و إلي الإتحاد الإفريقي لكرة القدم الكاف 1968 م .
حيث خرجت منتخباتنا الوطنية من رحم المعاناة ظلت لسنوات طويلة تجاوزت الخمس عقود ( 50 سنة ) تتأرجح بين محاولة الوصول و الصعود الي ادوار متقدمة من بطولة آميكال كابرال كإنجاز تاريخي و السقوط السريع في الدور الأول و هي بالمناسبة بطولة إقليمية كانت قائمة قبل أن تختفي تماما من الخريطة و من حسابات الكاف مما جعل بلادنا تصنف في ذيل تصنيفات الفيفا أنذاك و لمدة طويلة ،
لكنها شهدت لاحقا خلال السنوات الأخيرة قفزة نوعية في مستوي الأداء و مشاركات قوية عززت من حضور منتخباتنا و أنديتنا الوطنية داخل البطولات الافريقية وعلي مستوي كأس إفريقيا للأمم تأهلت من خلاله ثلات مرات علي التوالي إلي نهائيات بطولة أمم إفريقيا( كان ) شكلت عبر هذه المشاركات ندا عنيدا لمنتخبات إفريقية وعربية قوية و عنيدة .
في حين تراجع هذا المستوي التاريخي و المشرف الذي ظهر به منتخبنا الوطني المرابطون خلال الثلاث بطولات إفريقية الأخيرة .
بعد تعثر مستمر و إخفاق متكرر دون تحقيق الفوز بالمباراة و اللقاءات .
حيث خسر التأهل في تصفيات أمم إفريقيا ( كان ) المرتقبة بالمملكة المغربية و بطولة العرب و كذلك التصفيات المؤهلة للمونديال 2026 .
نتيجة عدم إستخلاص العبر من التجارب الماضية ،
و هو ما أعتبر علامة مقلقة للجماهير و القائمين علي شأن اللعبة .
بينما يري بعض المحللين بأن هذا التراجع الملاحظ في الأداء ،
مرده غياب الإنسجام و التكتيك الجيد بين اللاعبين .
و هو ما يؤكد إفتقار الفريق الوطني إلي الخطة الهجومية الفعالة ،
بحيث كان ثمة نقص كبير في الفاعلية الهجومية و غياب التواصل بين اللاعبين
و هو ما أسفر عن عدم إستغلال الفرص المتاحة و سهولة إستقبال الأهداف من الخصم .
فكما يقال أحسن وسيلة للدفاع هي الهجوم .
فرغم التغييرات التي شهدها الجهاز الفني للمنتخب و الدعم الكبير الذي حظي به فريقنا الوطني من الدولة و الجهات الوصية و الإتحادية ،
لم يتحسن الأداء إطلاقا بل ظل في ترنح.
و هو ما أثار تساؤلات جوهرية حول أسباب هذا الأداء الضعيف،
من يتحمل مسؤولية هذا التراجع ؟
هل هم اللاعبون ؟
أم الإستراتيجية المتبعة ؟
أو المدرب ؟
أم الإتحادية القائمة علي شأن اللعبة ؟
ام هم معا ؟
الظروف تتطلب تفكيرا عميقا و فهما شاملا لكيفية إستعادة المستوي المطلوب و الضروري للعودة إلي المسار الصحيح .
فالمرحلة تتطلب تضافر جهود الجميع و العمل الجماعي لتدارك الموقف قبل فوات الأوان و الوصول إلي مستوي الركود .
ففي إطار البحث عن حلول مناسبة و سريعة ،
ينبغي إحداث إقلاع من الداخل نحو غد أفضل من خلال تمكين أكبر عدد من اللاعبين المتألقين محليا من المشاركة ضمن صفوف المنتخب الوطني بالتركيز و الإعتماد علي مدرب وطني محلي ،
لعل وعسي أن يكون بالحسانية ( صبع فيه الخوصة )
فأهل مكة أدري بشعابها.
الإعتماد علي المحترفين بالخارج في المنتخبات الوطنية له وجهان :
. إيجابي : ( رفع مستوي الأداء و إكتساب خبرات دولية عالية ) .
. سلبي : حيث قد يسبب إرتباكا في التشكيلة نتيجة قلة التجانس و تأخر وصول اللاعبين المحترفين الذين يأتون من بيئات مختلفة .
و غياب الإنسجام التكتيكي بسبب إختلاف أنظمة اللعب علي مستوي الأندية .
مما يتطلب توازنا دقيقا من المدرب للجمع و التوفيق بين المواهب الفردية و التنظيم الجماعي
و ما قد يخلق ذلك من تداعيات سلبية قد تعيق العمل بروح الفريق الواحد .
إلا أن غرس ثقافة الفريق اهم من الأسماء الفردية .
إذ لا يمكن تحقيق نهضة رياضية مستدامة إلا بالقيام بإنشاء أكاديميات رياضية متخصصة علي نطاق واسع تهتم بتطوير اللاعبين منذ سن مبكرة .
و محاولة بناء منتخب وطني متجانس و فرض ضرورة الإهتمام بالكادر الوطني المحلي سواء كانوا مدربين أو لاعبين .
الكرة الموريتاتية اليوم تحتاج أكثر من أي وقت مضي إلي إستراتيجية شاملة تأخذ بعين الإعتبار تنمية المواهب و تعزيز البنية التحتية و خلق بيئة رياضية جاذبة .
بهدف إعداد جيل من اللاعبين القادرين علي تلبية متطلبات الفريق الأول و المنتخبات الوطنية في المستقبل و في قادم مناسبات و دوريات و بطولات كرة القدم .
تأسيسا لما سبق يظل الإستثمار الوطني في رياضة كرة القدم مطلبا ملحا و فرصة متاحة لكل المهتمين بغية الإنخراط في إستثمار واعد و النهوض بالقطاع الرياضي،
و بالتالي الخروج بلعبة كرة القدم من رحم المعاناة.
فإلي متي سنظل كلما قطعنا خطوتين إلي الأمام تراجعنا بعشر خطوات إلي الوراء ؟!

بالتوفيق و التألق و النجاح لمنتخبنا الوطني في قادم المناسبات و البطولات .
اباي ولد اداعة.
المرابع ميديا – al-maraabimedias موقع "المرابع ميديا" التابع لوكالة المرابع ميديا للإعلام والإتصال