
فخامة الرئيس؛
لقد ظلت الشعوب العربية والافريقية، التي نحن جزء منها، تخضع لنظام حكم ملكي مئات السنين، وقد ترسَّخ هذا النمط السياسي في عقليات الناس وفي وجدان الأمم.
وقد عرفت بلادنا في تاريخها اربعة انواع من الحكم المركزي:
اولا: خلال مملكة غانا (بين القرنين الثالث والثالث عشر ميلادي)، وقد كان يتم فيها تداول السلطة عن طريق الوراثة (من جهة الخوالة).
ثانيا: خلال دولة المرابطين (1055 – 1147م) وكان يتم تولي السلطة فيها في باديء الأمر عن طريق البيعة، ثم اصبح الحكم بعد ذلك وراثيا.
بعد ذلك، قضت بلادنا قرونا بدون سلطة مركزية وكانت توجد على امتداد ترابها إمارات ومشيخات قبلية تتميز بسلطة على حيِّز ارضي محدود وأغلبها وراثي. وقد عرفت البلاد في هذه الفترة حروبا قبلية لا تنتهي وتسيبا سياسيا وامنيا خطيرا.
ثالثا: فترة الإدارة الفرنسية (1900 – 1960م)، وقد استطاعت هذه الإدارة خلال هذه الفترة، بسط السيطرة على البلاد وشيئا فشيئا تمرتنت الإدارة المحلية وساهم ذلك في قيام سلطة وطنية ابتداء من سنة 1957.
رابعا: الدولة الموريتانية: في سنة 1960، استقلت البلاد وقامت الدولة الموريتانية. وكانت خطواتها الأولى نحو الوجود والانعتاق متعثرة بسبب ضعفها وتحكم عقليات لا يؤمن أصحابها بوجود وطن موريتاني، وكذلك بسبب التهديدات الخارجية. وظلت الدولة الفرنسية تحمي وجود الدولة الموريتانية الفتية وتوفر لها ظروف النمو والتطور. وابتداء من سنة 1973، شبت الدولة الموريتانية عن الطوق وحلقت بجناحيها خارج العش الفرنسي. ولكن ما كاد يحصل ذلك حتى دخلت موريتانيا حرب الصحراء الطاحنة، وكان من نتائجها بروز قوة مهيمنة تمثلت في المؤسسة العسكرية التي قررت في سنة 1978، ان تمسك بزمام الأمور على غرار عدد من دول القارة السمراء.
فخامة الرئيس؛
ان الشعب الموريتاني اذا أردنا الحقيقة، يمثل عدة شعوب، نظرا للموروث الاجتماعي والسياسي منذ فترة السيبه. فالقبيلية والشرائحية والجهوية متعشعشة ومترسخة في عقليات المواطنين الذين ما زالوا حديثي العهد بالسلطة المركزية.
ولا بد من الإشارة إلى ان وحدة الشعب الموريتاني لم تقم حول عرش ملكي او مفهوم وطن واحد، وإنما فرضتها السلطة الفرنسية كما فرضت استمرار هذه الوحدة في السنوات الأولى من استقلال البلاد.
وإذا أردنا الحقيقة كذلك، فالقوات المسلحة وقوات الأمن الوطنية، هي الفارض والضامن لهذه الوحدة ولوجود سلطة مركزية في البلاد. وإذا أصبحت هذه القوات لا قدَّر الله، عاجزة عن دورها الوجودي الذي ذكرت، سينقطع السلك الذي يجمع المكونات الوطنية، وتعود البلاد لعهد السيبه، عهد الحروب والفتن والعياذ بالله. وحسبي دليلا الدول الافريقية التي دخلت في دوامة رهيبة من الاضطرابات والفتن والفشل بسبب عجز مؤسساتها العسكرية والامنية او ضعفها عن مواجهة التحديات والأخطار .
ومن جهة ثانية، برهنت الوقائع والأحداث ان الديموقراطية الغربية فاشلة، وحسبي مثالا، صعود الأحزاب المتطرفة وانهيار القيم في اوروبا، بسبب ديمقراطياتها، وخاصة النموذج الفرنسي.
ان دستور الجمهورية الإسلامية الموريتانية، على غرار دساتير دول غرب أفريقيا، مستمد من دستور الجمهورية الفرنسية الخامسة الذي أصبح يوصف اليوم انه مختل، لأنه من بين امور اخرى، يمنح أغلب السلطات للرئيس ومع هذا يجعل رئيس الوزراء الذي يعينه رئيس الجمهورية، هو المسؤول أمام البرلمان وهو الذي يخضع لمساءلته.
لقد تمت كتابة الدساتير الغرب أفريقية استجابة للتوجه السياسي الحاصل بعد مؤتمر “بول” في يونيو 1990، برعاية الرئيس الفرنسي الراحل فرنسوا ميتران، الذي تمت على اثره دمقرطنة القارة الافريقية وتمدين الأنظمة العسكرية فيها. ولم تراع هذه الدساتير الخصوصيات الوطنية في مجال الحكم، وكرست مسلكيات دخيلة وخطيرة على المجتمعات، ومن ذلك استغلال البعد القبلي والشرائحي للحصول على المكاسب السياسية، واستخدام الخطابات الشعبوية والعنصرية التي تنشر الكراهية والبغضاء بين المواطنين.
وكان ما حصل من انقلابات عسكرية في دول الساحل، والانسداد السياسي في تونس مثلا، من نتائج تطبيق الديمقراطية الغربية على عواهنها في هذه البلدان.
فخامة الرئيس؛
لا بد من مراجعة الجانب المتعلق بالحكم في الدستور الموريتاني، ولا يتعلق الأمر بالمامورية الثالثة مطلقا، وإنما يتعلق بضرورة إيجاد صيغة دستورية للحكم في بلادنا تزاوج بين النظام الإسلامي والنظام الديمقراطي .
ان الانتخابات الرئاسية اليوم برأيي، ليست من نظام الإسلام ، وتدخلها الفوضى والرغبات الشخصية وتدخلها المحاباة والأطماع وتفتح مجالا واسعا للمزايدات والبيع والشراء والدعايات الكاذبة.
ورئيس الدولة، وهو شخص مهاب ومحترم ومصدر اعتزاز وطني، ويمثل رمز الأمة ووحدتها وقوتها، يجب ان يكون بعيدا من هذه المزايدات والمناورات الانتخابية، سواء تعلق الأمر بانتخابه، او بممارسته لسلطاته.
ومن وجهة نظري، يجب أن يتم انتخاب رئيس الجمهورية عن طريق مجلس وطني للحل والعقد على الطريقة الإسلامية.
لقد ثبتت الخلافة لأبي بكر الصدِّيق رضي الله عنه، باختيار أهل الحل والعقد، وكذلك ثبتت لعثمان بن عفان رضي الله عنه، ولعلي بن أبي طالب كرم الله وجهه، ونظام مجلس الحل والعقد لاختيار ولاة الأمور معروف في الإسلام.
وبرايي، يجب أن ينتخب هذا المجلس من طرف المستشارين البلديين المنتخبين من طرف الشعب الموريتاني، على غرار مجلس الشيوخ سابقا، على أن تحدد له مع وظيفته في انتخاب رئيس الجمهورية، وظائف دستورية أخرى.
اما بالنسبة للنواب فيتم انتخابهم بنفس الطريقة الحالية، ويتم تعيين رئيس الوزراء من التشكيلة السياسية الناجحة في الانتخابات النيابية.
ومن ناحية أخرى، يجب أن تمنح لرئيس الوزراء صلاحيات واسعة لتأدية مهمته المتمثلة في رئاسة الحكومة، ويجب أن يكون هو من يعين الوزراء ما عدا وزراء الدفاع والداخلية والخارجية والمالية والعدل، فهذه قطاعات سيادية، تشكل الأساس الذي يقوم عليه كيان الدولة، وبالتالي يجب أن تتبع مباشرة لرئيس الجمهورية، القائد الأعلى للقوات المسلحة وقوات الأمن.
فخامة الرئيس؛
يقول الله تبارك وتعالى : ( إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) ، وهذا خطاب لولاة الأمور ، ومما يدل عليه هذا الخطاب، ان تحديد طريقة اختيار ولي الامر جعلها الله أمانة في أعناق من يتولون السلطة.
وبالتالي انصح فخامتكم بالتفكير في هذا الأمر قبل انتهاء ماموريتكم في سنة 2029، لا سيما ان الممارسة الديمقراطية في بلادنا التي انطلقت في سنة 1992، خلقت جوا مضرا على الوحدة الوطنية واستقرار البلاد، لما يطبع هذا الجو من تطرف وفوضى، ومما زاد الطين بلة، أن موضوع خلافتكم بعد اربع سنين، أصبح مجالا للمزايدات والتحالفات، ولا يخفى ما في ذلك من ضرر على مصلحة الوطن العليا.
واذا قررتم مراجعة هذا الأمر فاقترح عليكم تنظيم مؤتمر وطني على غرار مؤتمر الاك سنة 1958، يجمع المراجع الاجتماعية والدينية في البلاد أولا، ثم أهل السياسة والمجتمع المدني ثانيا.
والله ولي التوفيق.
وفي الختام تقبلوا مني – فخامة رئيس الجمهورية- أسمى آيات الاعتبار والتقدير.
العقيد المتقاعد أحمد سالم ولد لكبيد