يجمع العديد من المراقبين، على أن عملاق الغاز البريطاني الماكر BP صاحب التجربة الرائدة في مجال المفاوضات و إبرام الصفقات وتمرير العقود ، تمكن من التلاعب بعقول أعضاء الفريق الموريتاني المفاوض على كل المستويات والمراحل لضعف و قلة خبرتهم وجهلهم أسرار وخفايا القطاع.
و ذلك من خلال حالات التساهل في قبول شروط مجحفة وتفويت وإضاعة فرص للجانب الموريتاني في مراحل متباينة، خاصة أن توقيع الطرف المفاوض للعقود والإتفاقيات مع الشركاء الدوليين ملزم قانونيا للشركة الموريتانية للمحروقات SMH الموقع علي العقود و الإتفاقيات بالإضافة إلي إدارة المحروقات الوصية في ظل تخويل الحكومة أعضاء الفريق المفاوض التحضير وإعداد و تقديم و إبرام الإتفاقيات و توقيع عقود التنقيب و الشراكة و الإنتاج بعد إخضاعها للجانب الحكومي و إقناعه بجدوائية الصفقة.
في حين كشفت شركة بريتش بيتروليوم البريطانية مؤخرا، والتي تمتلك نسبة 56% من مشروع حقل السلحفاة المشترك بين موريتانيا و السينغال و الواقع علي حدودهما البحرية، عن تأخر جديد في بدء الإنتاج في الموقع و الذي كان من المتوقع قبل نهاية العام الجاري 2023 م ، ليتأخر إلى الربع الأول من السنة المقبلة 2024، إن لم يحدث طارئ في انتظار تسليم السفينة العائمة و العاملة في الميدان و تثبيت خطوط الأنابيب، ليطرح التساؤل: تحت أي بند إذن ضمن العقود المسجلة، ستتحمل شركة BP لوحدها التكاليف الإضافية الكبيرة بسبب الخيارات السيئة التي قام بها فريقها ؟، حيث ستنضاف بلا شك و بقوة قانون الشراكة والإتفاقيات الدولية إلى نفقات الإستثمار التي سيتم تحميلها علي الشركاء بالطبع، الذين لم يخفوا بدورهم مستوى انزعاجهم في العديد من التأجيلات والشكوك في صحة الجدول الزمني وتكلفة المشروع التي تجاوزت لحد الساعة سقف المحدد سلفا 3 مليارات دولار إلي عتبة 9 و نيف مليار دولار، وهو ما أربك وأثار إستياء كل من موريتانيا والسينغال التي أدرجت بالفعل الحدث الإقتصادي الهام في فرضياتها للقوانين المالية منذ 2023 م. وقد تم إقتراض بعض أموال هائلة على هذا الأساس، خاصة من الطرف السينغالي.
1 ‐ حقل غاز السلحفاة آحميم المشترك بين موريتانيا و السينغال:
في ضوء هذا المشروع تم التوقيع بين الحكومتين الموريتانية والسينغالية أواخر عام 2018 م بانواكشوط على اتفاق مشترك للغاز بالتناصف، تضمن تفاصيل الإتفاق المعلن بين الدولتين فرض الضرائب على مشغلي المشروع و تمويل الشركتين الوطنيتين ( الشركة السينغالية للنفط والموريتانية للمحروقات ) و آليات تسويق الغاز الطبيعي المسال. إذ لم يقتصر التوقيع على موريتانيا و السينغال فقط، بل وقعت كل من شركة بريتش بيتروليوم البريطانية BP و كوسموس انيرجي الآمريكية على بنود الإتفاق بوصفهما المستثمرين الرئيسيين في المشروع، الذي يتكون من منصة عائمة للإنتاج والتخزين و لتفريغ تعالج الغاز و تزيل الشوائب و المكونات الهيدروكربونية الثقيلة، بالإضافة إلى وحدة التسيير العائمة للغاز الطبيعي وتقدر احتياطات الحقل ب 25 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي عالي الجودة.
ويرى العديد من المراقبين، أن الطرف الموريتاني المفاوض وربما نظيره السينغالي، ماغاب عنه في إطار بنود الإتفاق هو الخسائر الكبيرة الناجمة عن هذا التأخر المستمر والملاحظ و المعيق لمرحلة بدء الإنتاج الفعلي والعائد لأسباب تخص شركة BP نفسها، مما سيزيد من كلفة استغلال الحقل وينعكس سلبا علي مداخل و مكاسب كل من موريتانيا و السينغال من عائدات الغاز المستخرج في ظل الحديث عن أرقام قياسية مخيفة علي مستوي كلفة النفقات اقتربت من حاجز 10 مليارات دولار، فيما يرى بعض المختصين أن إستمرار كلفة المشروع في الزيادة على هذا النحو قد تقلل وتمتص نسبة البلدين من عائدات الحقل و تخرجهما من المشروع صفر اليدين أو بأقل محصول علي الأصح في حين كان من المفروض ضمن بنود الإتفاق أخذ الحيطة، من خلال وضع حد لسقف المصروفات والنفقات والتعويض عن حالات تأخر انطلاق بدء الإنتاج من جانب المستثمر، لما يترتب على ذلك من خسائر فادحة للبلدين وارتباك وتأثيرات على تحضير وإعداد ومراجعة القانون المالي للسنة المنصرمة والقادمة حيث كان من ضمن أولياتها.
أما على مستوي المنصة العائمة للمعالجة، فكان ثمة تجاهل على مستوى نصوص ومضامين الإتفاق بضرورة إلزام المشغل بإرساء خزان ضخم بالتوازي مع المنصة لتسريع وتيرة التفريغ داخل ناقلات الغاز أثناء شحن الحمولة. إذا ما علمنا أن كل تأخير في الشحن يلزم حسب الإتفاقيات المعمول بها دوليا في هذا المجال، دفع تعويض للسفينة الناقلة الراسية في إنتظار الشحن يصل يوميا حدود 3 مليون دولار.
جزئيات داخل المشروع سيكون لها الأثر البالغ في عدم استفادة البلدين من كل مقدرات احتياطات حقل السلحفاة .
-أسعار الغاز ومستوى التباطؤ والتخاذل،