لا شك في أنّنا كمجتمع نحتاجُ إلى الاعتدال والوسطيّة في الخطاب والحكم على الأشياء. نحتاجُ إلى الموضوعية والتوازن حتّى لا تبقى الأمور عندنا محكومة بثنائية إطلاقية غريبة: إما أن تكون فائقة في الجمال والكمال، وإما أن تكون غاية في الرّداءة والابتذال..
وكذا الشخص في تصورنا: إمّا أن يكون بطلا مقدسا، و إمّا أنْ يكون خائنا و عميلا، لا حّل وسط بينهما. وبهذا المنطق الفاسد نجدُ أنفسنا دائما في إحدى حالتين: إمّا حالة “تمجيد للذّات”، و إمّا حالة “جلد لها”…و بالتالي، منقسمين ما بين “ممجّد” و “جلاّد”! و هذه مصيبة حقيقية!
مُصيبة تشيرُ إلى ثقافة المبالغة في القول السائدة في مجتمع بدوي يقدس فن الكلام والبلاغة والأدب على حساب الدقّة والعلم…و لذلك، من الصعب جدا أنْ نسمع خطابا أو جملة في أي مجال من المجالات تخلو من: “مائة بالمائة”، “مائتين بالمائة”، “إلى أقصى حد”، “لأول مرّة”، “غير مسبوق”، “تماما”، “نهائيا”، “إلى الأبد”، “النيّر”، “المستنير”، “الفاشل”، “العاجز”، “الطامع”، إلخ…
وفي الواقع، ما هذا كله إلاّ مظهر من مظاهر الأزمة الفكرية العميقة التي نتخبّطُ فيها بسبب اعتيادنا على أسلوبين خاطئين هما: تضخيم الكلام من جهة، و الركون إلى اليقين من جهة أخرى…تضخيم الكلام يكون بالمبالغة و التهويل بهدف الإثارة و شدّ الاهتمام. و أمّا الركون إلى اليقين، فيكون بتقديم تلك الجمل التقريرية الحادّة و الأحكام القطعية الصارمة المعروفة بهدف التأثير و التأكيد على “الجدية” و “الصدق”
و لكن، يبقى الأكثر إقناعًا و الأفضل من هذا و ذاك…هو نهج الاعتدال و التوازن و الوسطية و احترام عقول الناس و “نسبيّة” الأشياء…
و الله ولي التوفيق
عن صفحة الوزير السابق