“غزوة” أميركية لتطويق الصين عبر أفريقيا / بقلم: يونس عودة
16 أغسطس, 2014
آراء وتحاليل
لم تكن القمة الأميركية – الأفريقية التي بحثت على مدى ثلاثة أيام في الولايات المتحدة، حدثاً بروتوكولياً أو عابراً في مجرى الأحداث العالمية، وإن لم تنل القمة، وربما عن قصد، التغطية الإعلامية التي يجب أن تنالها، سيما أن في البواطن مسائل على قدر كبير من الأهمية، لا يمكن إلا أن تحوم حولها الشبهات من حيث المآرب المستقبلية.
القمة التي جمعت نحو 50 زعيماً وممثلاً لكبار دول أفريقيا وشمال أفريقيا، ومنهم دول عربية مثل الجزائر وتونس وموريتانيا والصومال، وعلى مستوى عالٍ، وكذلك مصر التي اعتذر رئيسها الحالي عبد الفتاح السيسي عن عدم الحضور، والأرجح بسبب التباينات مع واشنطن بشأن الموقف من “الإخوان المسلمين”، كانت لها قرارات في غاية الأهمية من حيث رصد مبلغ 37 مليار دولار تحت شعار “التنمية في القارة” التي لولا عمليات النهب المنظَّم من الدول الغربية التي استعمرتها، ولا تزال تهيمن على مقدراتها، لكانت القارة الأغنى والأكثر تنمية ونمواً من بين قارات العالم، سيما أنها تختزن أكبر وأغلى الثروات الباطنية من المعادن الأثمن في الأرض، إلى النفط، وكذلك المياه والأرض الخصبة.
والحقيقة أن المبالغ المرصودة ليست مندرجة في إطار المساعدات ولا المعونات العاجلة لمعالجة الأمراض والأوبئة التي تضرب القارة منذ سنوات، بسبب تجارب غربية تحت شعارات “البحث العلمي”، والتي في حقيقتها مدمرة للبشرية من حيث الأمراض الناجمة عنها، إنما هي مبالغ جزء منها قروض وآخر مخصص من شركات دولية كبرى للاستثمار في مجالات المطاعم والمشروبات الغازية وقطاعات المياه والطاقة الكهربائية، والمصارف وتكنولوجيا الإعلام، وهذا يعني إنشاء منظومة كاملة للسيطرة والتسويق للمنتجات الأميركية في الأسواق الجديدة، وقد استكملت في اليوم الأخير بتخصيص مبلغ لإنشاء قوة تدخُّل سريع، تحت عنوان الحرب على الإرهاب، بينما في الحقيقة ستكون حارسة الغزو الاستعماري الجديد، مع العلم أن الدعوة للقمة حملت هدفاً معلَناً هو تعزيز العلاقات الاقتصادية وزيادة التجارة بين الطرفين، وجمع مئات رجال الأعمال، وقد استلحق الرئيس الأميركي في ختام القمة بالقول إن المساعدات العسكرية الأميركية “تندرج في إطار تعزيز تعاوننا الأمني من أجل مواجهة أفضل للتهديدات المشتركة، مثل الإرهاب وتجارة البشر”.
وبالطبع فإن هناك شروطاً أميركية لضمان نجاح الغزو أو قوننته، من خلال توفير بيئة سياسية واقتصادية مقرونة بتشريعات، باعتبار ذلك – وفق تعبير أوباما – مفتاح العصر المقبل للنمو في أفريقيا.
إن الاستفاقة الجديدة للولايات المتحدة تجاه القارة السوداء ليست هزة ضمير أو وعي لمصائب القارة، إنما بعد تنامي هواجسها من تعاظم دور الصين في أفريقيا في مجالات التنمية والاستثمار، أي بمعنى من المعاني محاولة الحد من هذا التعاظم عن طريق تطويق الدور الصيني في إطار الصراع المتجدد بين الدولتيْن الكبيرتيْن.