8 ديسمبر 2024 , 10:15

حمـاة الديّـار..

814027
صورة من الارشيف

تعلمنا في مدرسة الحياة ومدرسة الحرب على سورية أنه في العلوم العسكرية هناك خطط وتكتيكات من الصعب على الحاضنة الشعبية التي تدعم الجيش وتؤازره استيعابها أو حتى تصديقها، وهي غالباً ما تبقى طي الكتمان ولا يفصح عنها نهائياً ضماناً لنجاح العمل العسكري.
لكن التقنيات الحديثة ووسائل الاتصال ومواقع التواصل الاجتماعي فرضت علينا واقعاً جديداً بحيث لم يعد هناك من معلومات سرية سوى تلك المتداولة حصرياً بين قادة الجيش والقادة الميدانيين وتتبدل وفقاً للظروف والأحداث الميدانية، أما ما تبقى من معلومات، صحيحة أو كاذبة، فيتم تداولها بغزارة واستثمارها في حرب إعلامية بات السوريون يعلمونها جيداً ويتعاملون معها، بمهارة عند البعض، وبغباء ربما غير مقصود عند آخرين.
وتزداد تلك الحرب شراسة وقوة وتقنية وهي بحاجة إلى دفاعات إعلامية جديدة تؤمن وصول الخبر في الوقت المناسب وتتلاعب بأسلوب نشره بحيث لا يشكل خطراً على العمليات العسكرية وفي ذات الوقت تطمئن في الحد الأدنى عائلات المقاتلين أو المفقودين والمخطوفين، وتواجه الحرب الإعلامية الشرسة التي تتعرض لها سورية ونحن جميعاً.. وهذا ربما، أي المعلومة الدقيقة والإعلام الذكي، أهم ما نفتقده هذه الأيام، وعلينا أن نعترف بذلك دون خجل، مع مراعاتنا لوجود استثناءات هنا أو هناك.
وفي الحديث عن الحرب الإعلامية، قد لا يكون مفيداً جلد الذات أو الاكتفاء بجلد الآخرين، ففي الحروب لا وقت للتنظير أو للفلسفة والمتفلسفين، الوقت لاستنفار كل السوريين في الداخل والخارج ليكونوا إلى جانب جيشهم وقيادته وشحن المعنويات، لأنه في الحرب النفسية لا يمكن أن نقبل أو أن نسمح لأحد بإحباطنا بعد كل التضحيات والبطولات التي قدمها بواسل الجيش السوري بكل مكوناته العسكرية والأمنية ومعها قوى الأمن الداخلي وقوات الدفاع الوطني وكل من شارك وساهم بشكل فعال في الدفاع عن سورية وحضارتها وهويتها.
فنحن أولاً أصحاب حق ونواجه معركة الباطل وندافع عن أرض وهوية وتاريخ وحضارة ومستقبل، وكل ذلك يعني أنه لزام علينا مساندة مقاتلينا أولا وصون بطولاتهم وتضحياتهم والرفع من معنويات السوريين عموما، لا أن نحبطها من خلال كلام غير مسؤول وغير دقيق يجهل خطط الجيش وتكتيكاته وكمائنه، وكل من يدعي أنه خبير عسكري وعلى اطلاع بعمليات الجيش، فهو كاذب لأنها ملك السرية العسكرية التي لا يعلم بها إلا قلة من القادة.
إن ما حصل ويحصل من نقاش ونقد أو تحليل أو توزيع التهم يميناً ويساراً دون أي دليل أو ثبوتيات من قلب المعركة تجاه الرقة والفرقة 17 أو اللواء 93 أو حتى في جبل الشاعر أو في أي بقعة من بقع سورية حيث يخوض الجيش معاركه، لا يخدم سوى أعداء سورية الذين يشنون الحملات واحدة تلو الأخرى لإحباط السوريين وتخويفهم، وقد أخفقوا طوال السنوات الأربع الماضية، ولن ينجحوا الآن ولا غداً، لأننا بتنا ندرك أساليبهم وأدواتهم لا بل نحن قادرون على الرد عليهم بذات الأسلوب والأدوات والجيش الالكتروني السوري أكبر مثال حاضر لإثبات قوة الدفاعات السورية الإلكترونية.
وربما تنفع الذكرى لمن خانه بعض الأخبار أو التغريدات ووقع في شباك الحرب النفسية، «الواقع الفيسبوكي» شيء وأرض الميدان شيء آخر، وخطط الجيش قد تكون مختلفة كلياً عن هذا وذاك.
لنتفق جميعاً أنه من الممنوع على أي كان توجيه أي لوم لمجند أو ضابط أو صف ضابط أو لأي سوري حمل السلاح وغادر أهله وبيته للدفاع عن سورية، فهذه خطوط حمراء مقدسة في هذه الحرب ولا يحق لأحد تجاوزها مواطناً عادياً كان أو محللاً «إستراتيجياً» أو مسؤولاً حالياً أو سابقاً، وخاصة أن من ينتقد ويفرض علينا نظرياته لا يسمع له صوتا حين يحقق الجيش انتصارات كالمليحة على سبيل المثال، أو حين ينفذ كمائن تقضي على مئات الإرهابيين تعجز عنها كبرى جيوش العالم، ويحرر مدناً وقرى احتلتها ميليشيات إرهابية مسلحة لأشهر.
وللتذكير، فإن ما تخوضه سورية من حرب منذ قرابة السنوات الأربع هو ليس ضد مجموعة من الهواة كما يريد البعض تصويره، فسورية تحارب كبرى دول العالم من خلال تنظيمات إرهابية مدربة ومسلحة ومزودة بأحدث التقنيات وصور الأقمار الصناعية والتمويل والعتاد والمحطات الفضائية ووسائل إعلام، ولعل من شاهد ماذا يوجد تحت أرض المليحة، أكثر قدرة على تقييم ما يخوضه الجيش السوري أكثر من غيره، وكذلك الجندي العائد من الفرقة 17 والذي عانى حصاراً وقصفاً ودماراً لقرابة عامين دون أن تهتز ثقته يوماً بالقضية التي يقاتل من أجلها، فهذا البطل يستحق ليس فقط التحية بل احترام وتقدير كل السوريين.
في الحديث عن الحرب الإعلامية، هناك جدل كاذب اليوم تحاول وسائل إعلام أميركية ترويجه وإقناع العالم فيه. ويتحدث الجدل المثير للسخرية عن خلافات بين وزيرة الخارجية الأميركية السابقة هيلاري كلينتون والرئيس الأميركي باراك أوباما وفريق مستشاريه تجاه مقاربته الأزمة السورية، ويدور الجدل في أساسه حول مراسلات بعثت بها كلينتون لرئيسها تحذر فيها من تنامي داعش والنصرة وما تشكله من خطر على سورية والعراق، وكيف تجاهل الرئيس تلك التقارير وحصل ما حصل!
أي المطلوب منا نحن الشعوب أن نصدق أن واشنطن لا علاقة لها بالتنظيمات الإرهابية وأنها حذرت منها، إلا أن الرئيس ولأسباب نجهلها لم يأخذ بها!! أي المطلوب عملياً أن نصدق أن رئيس وزراء تركيا رجب طيب أردوغان، الطفل المدلل للولايات المتحدة الأميركية، فتح حدوده لعشرات الآلاف من الإرهابيين من عشرات الجنسيات دون علم والتنسيق مع واشنطن!! وأن نصدق أن ما سمته دول الغرب الجيش الحر لم يكن يوماً على علاقة بداعش أو النصرة ولم يقاتل جنبا إلى جنب معها، وكان يجب تسليحه جيداً ليحاربها والقضاء عليها ولم يفعلوا!!
ومطلوب منا أيضاً أن ننسى أن من تم تعيينهم زعماء للمعارضة السورية كانوا يعانقون مقاتلي داعش ويتحدثون بإسهاب عن شجاعتهم وبطولاتهم، لا بل هؤلاء ذاتهم كان أول من احتج على إدراج جبهة النصرة على لوائح الإرهاب العالمية واستنكروا هذا الفعل بحجة التأثير على «الثورة السورية»!!
وبكل تأكيد مطلوب منا ألا نتذكر أن كل من أتى من خارج سورية للقتال فيها وصل إلى معسكرات في تركيا وسلم جواز سفره للمخابرات التركية من خلال صبيان المعارضة السورية الذين فتحوا له حدود الوطن ليدخل ويقاتل ويفرض عقيدته كما يشاء!!
هذا الجدل الدائر في وسائل الإعلام يذكرنا كيف تستغبي واشنطن الشعوب وتغيب ذاكرتها القريبة جداً دفاعاً عن سياساتها ومصالحها، وهو مؤشر أيضاً على إخفاق لخطط واشنطن للمنطقة وذلك نتيجة صمود سورية والسوريين، ودليل آخر على أن الدفاع عن سورية اليوم هو لزام على كل مواطن حر سوري أو غير سوري منعا لانفجار المنطقة وتفتيتها.
التحية لكل من يقاتل ويضحي من أجل بقاء سورية وكل المنطقة، وكل الحب والاحترام لجنودنا البواسل ولضباطنا وصف ضباطنا من هم في الميدان وفي القيادة ومنهم من لم ير عائلته منذ ثلاث سنوات ونسي عنوان منزله.
لكل هؤلاء:
أنتم سوريون بامتياز
أنتم عنوان الكرامة وعنوان البطولة والتضحية
أنتم حماة الديار فعليكم السلام والتحية والتقدير
المصدر: صحيفة الوطن السورية

شاهد أيضاً

النهاه ولد أحمدو يكتب : من أجل تجنب اشتعال المراعي

ها و قد كان خريف هذا العام جيدا ، وهو دون ذلك في عدة جيوب …

اترك تعليقاً