البطاقات المحايدة والتلاعب بالنتائج لقد اختارت اللجنة الانتخابية الوطنية، بعد اضطراب كبير، تفسيرا للقانون الانتخابي يسمح بتخصيص نسبة مئوية من نتيجة فرز الأصوات للبطاقات المحايدة. وهذا التلاعب بالأصوات البيضاء، المخالف للأعراف الديمقراطية، هو نفسه الذي حاول العقيد اعل ولد محمد فال استخدامه من أجل إبطال رئاسيات 2007.
ذلك أن تخصيص حصة للأصوات المحايدة من النسب يجعل من الصعب الحصول على الأغلبية المطلقة، حيث أن مجرد حساب 2٪ أو أقل من الأصوات المحايدة يمنع الحسم بين مترشحين متقاربين لا يبلغ أي منهما 50%. وكان العقيد اعل ولد محمد فال قد قام بالفعل بحملة معلنة للتصويت المحايد إبان رئاسيات 2007 من أجل إفشال الانتخابات وإعادة تنظيمها مرة ثانية ليتمكن من المشاركة فيها، لكنه سرعان ما تراجع عن ذلك لأسباب مختلفة، لعل أبرزها سخافة هذا المخطط.
ويبدو أن اللجنة الانتخابية الحالية أقل حياء من العقيد السابق فقد استخرجت المخطط الاحتيالي من أدراج المجلس العسكري لتحرم عددا من لوائح المعارضة من الحسم في الشوط الأول. وقد كان من الممكن أن يأدي هذا الاحتيال إلى فضيحة انتخابية عند “فوز” المحايدين بمقاعد في اللائحة الوطنية، لولا أن كثرة الأحزاب حالت دون ذلك ! 2 . هزيمة ساحقة وفزع عميق إن استخدام هذا المخطط الاحتيالي بين الشوطين يكشف في الواقع عن عمق الذعر الذي انتاب النظام الحاكم بعد تعرضه لهزيمة ساحقة . لقد حشد النظام جيشا من الجنرالات والوزراء ومستشاري الوزراء والأمناء العامين ومدراء الشركات الوطنية الكبرى والولاة والحكام وشيوخ القبائل والوجهاء و التجار. و قد انطلق مبعوثو النظام من كل حدب وصوب وهم مجهزون بكل موارد الدولة لحشد الدعم بالترغيب والترهيب والوعد والوعيد. وقد تمكنت هذه الحملة الشعواء من الضغط على المجموعات القبلية والفئوية وحصلت على أغلبية المقاعد البرلمانية والمجالس البلدية في المناطق الداخلية. وقد استفادت في ذلك من الطبيعة الغير نسبية للاقتراع في أغلب المقاطعات. ولكن المؤشرات الوطنية، وهي الأهم معنويا، تبقى مثيرة للقلق بالنسبة للسلطة الحاكمة، حيث لم يحصل النظام إلا على حوالي 17% من أصوات الناخبين على اللائحة الوطنية، في حين أن عزيز يدعي الحصول على 52٪ في رئاسيات 2009. و الأدهى من ذلك أن “حزب الدولة” متبوع مباشرة في المؤشر الوطني بأحزاب المعارضة المشاركة الأربعة : تواصل (16%)، التحالف (6%)، حركة التجديد (3%)، الوئام (3%)، وهو ما يتجاوز مجموعه بكثير الأداء المخجل للنظام على مستوى المؤشرات الوطنية.
بل إن أداء النظام هزيل للغاية أيضا في العاصمة حيث لم يحصل إلا على 3 مقاعد من أصل 18، وهو ما يأكد صحة المؤشرات الوطنية عندما تفقد وسائل الضغط والابتزاز الاجتماعي، التي يمارسها النظام في الأرياف، فعاليتها في المدن الكبيرة المشتبكة اجتماعيا. بل إن الهزيمة النكراء التي مني بها النظام على المستوى الوطني كان يمكن أن تكون أشد إذا أخذنا في الاعتبار أن الغالبية العظمى لأحزاب المنسقية قاطعت هذه الانتخابات.
ويبدو أن النظام لم يستطع تجرع مرارة الهزيمة المذلة، حيث كانت أولى ردات فعله المتسرعة واضحة في بطء وارتباك اللجنة الانتخابية. ولكن أحدا لم يكن يتصور أن يصل التخبط بهذه اللجنة حد استخراج مخطط إعطاء حصة للأصوات المحايدة، من أجل تعطيل نجاح بعض المعارضين في الشوط الأول، وإعطاء فرصة ثانية لحملة الابتزاز السياسي علها تفلح في ما أخفقت فيه في الشوط الأول.
لكنها فرصة لتذكير المواطنين أن نسبة 52٪ التي حصل عليها عزيز في رئاسيات 2009، كانت دون إعطاء حصة مئوية للأصوات المحايدة، وربما أدى إعادة الحساب بالطريقة الجديدة إلى انخفاض النسبة تحت الخمسين وإبطال نجاح الرئيس وسقوط شرعيته. ولا أظن أن خيال اللجنة الانتخابية، بتشكيلتها الحالية، يتسع لمثل هذا التصور!
3 . مأزق النظام
يعيش النظام الآن في الواقع مأزقا خطيرا، فقد خطط لاقتراع ذي شفافية فنية، تسبقه وتصاحبه ضغوط سياسية واجتماعية. لقد أراد أن يتستر على ابتزاز المكونات الاجتماعية وسلب الحريات بمظاهر الشفافية الفنية، التي تمنع تكرار التصويت وحشو الصناديق. لقد خطط لانتخابات شفافة ولكنها ليست حرة. إنها مظهر بلا جوهر، فهي جسد ديمقراطي عديم الروح، ديمقراطية ميتة.
لكن المأزق الجديد الذي وقع فيه النظام وكشفت عنه هذه الانتخابات هو أن هذه الديمقراطية الشكلية كافية لإلحاق هزيمة ساحقة بالنظام، وهذا مأزق مروع بالنسبة لنظام يتجه إلى رئاسيات في بضعة أشهر. ولعل ردة فعل النظام لحالية ابعد الشوط الأول لا تبشر باستعداده للمواصلة في قبول شفافية المظهر فضلا عن سلامة الجوهر. ولذلك فإن على عشاق الحرية أن يضاعفوا الجهود من أجل الإجهاز على الظلم في الرئاسيات القادمة، حيث سيظل النظام تحت هول الصدمة من الهزيمة الحالية إلى ذلك الحين. وقدما قال عاشق الحرية عنترة بن شداد “كنت أعتمد الضعيف الجبان فأضربه الضربة الهائلة يطيرُ لها قلب الشجاع فأثنّي عليه فأقتله.” وأحسب النظام، وإن لم يكن شجاعا، يعيش مرحلة الفزع السابقة للانهيار، فهل من حلف فاضل يجهز على الظلم والجور والاستبداد في الرئاسيات القادمة؟
د. محمد عالي ولد لولي medalylouly@gmail.com
المصدر : الأخبار إنفو