إن مسؤولية تحرير فلسطين ليست مسؤولية الشعب الفلسطيني وحده، بل هي قضية مشتركة بين أبناء الأمة العربية والإسلامية، ومسؤولية الدفاع عن فلسطين فريضة إسلامية وعربية، لعل أبرز القضايا العربية التي تأثرت بقوة بما سُمى الربيع العربي هي القضية الفلسطينية.
إن فلسطين في أحسن الأحوال مؤجلة!! هذا في تقديرنا من أخطر ما أنتجه هذا الربيع من تأثير سلبي على القضية الفلسطينية، إن الانشغال عن فلسطين يعطي فرصة للعدو الصهيوني أن يفعل ما يريد، وأن يمرر ويفرض وقائع جديدة على الأرض، وإن الكيان الصهيوني أبرز المستفيدين من الربيع العربي لعدة اعتبارات أهمها إشغال الشعوب بالصراعات الداخلية، ورسم ملامح المستقبل الجديد في طريق تكوين نظام يعكس الحالة المدنية والعدالة الاجتماعية المنشودة، بالإضافة إلى الاستفادة من التباعد بين الأنظمة والشعوب العربية الناتج عن الثورات وبالتالي تخفيف الضغط على الكيان الصهيوني وتمكينه من تنفيذ أجندته بأريحية كاملة مثل التوسع في الاستيطان، وتشييد المستوطنات الجديدة واستمرار عمليات تهويد القدس والحفريات تحت المسجد الأقصى والحصول على وقت كاف للتنصل من القضية الفلسطينية ودفن حلم الشعب الفلسطيني.
لابد من قراءة اللوحة الشاملة لخريطة المنطقة انطلاقاً من تداخل العوامل الإقليمية والدولية مع الظروف المحلية لدول المنطقة التي كانت مسرحاً لما اصطلح على تسميته بالربيع العربي، خاصة أننا في الواقع أمام تحديات يفرضها الصراع المحموم بين المشروع الأمريكي والصهيوني وخصومه، ولا بد أيضاً من قراءة في وعي هذه الثورات التي توسلها الربيع العربي للتغيير، وقدرة هذه الثورات على التغيير والإصلاح والتحرر، لذلك نشير إلى قاعدة هامة في ظل الحضور الميداني للمشروع الأمريكي الصهيوني في كواليس هذه الثورات.
السؤال الهام الذي ينبغي أن نستقريء من خلاله هذه الثورات هو هل امتلكت هذه الثورات وعيها بضرورة التلازم بين الثورة على الفساد الداخلي الذي تشكله الأنظمة في الداخل والثورة على الفساد الخارجي الذي ربما يكون أشد خطراً من الداخلي وهو الفساد الناتج عن المشروع الأميركي الصهيوني للمنطقة بأهدافه المعادية لإستراتيجيات بناء دول متحررة من أي ارتهان؟!! وللأسف فإن ما جرى في المنطقة يشير إلى قدرة المشروع الأمريكي بمساعدة أدواته العربية على التأثير في قرار صياغة بدائل الأنظمة، بما يكفل عدم العدائية مع العدو الصهيوني والمحافظة على المعاهدات معها كما في مصر، والانشغال بالمشكلات الداخلية والعصبيات الداخلية، والانفتاح على الغرب وإستراتيجياته في حماية العدو الصهيوني، والصداقة معها تحت طائلة القدرة على التخريب وعدم السماح بالاستقرار، وإثارة النعرات والمشكلات الداخلية كنموذج للفوضى الخلاقة التي عملت إدارة المحافظين الجدد في أميركا لتكريسها في المنطقة، نلاحظ إذا التخبط الداخلي وحجم التناقضات، ورسم سياسة تتصالح مع الصهاينة وتهدد وتتهم محور المقاومة كما في أدبيات وتصريحات المعارضة السورية، كل ذلك بهدف إبعاد إمكانيات التأثير السلبي على العدو الصهيوني وأمنها ومستقبلها، هذا من حيث الجهود التي يبذلها ويعمل لها المشروع الأمريكي بجدية لتحوير واستثمار وتزوير إرادة الشعوب العربية التي لم تنتج قيادات ثورية قادرة على فضح المشروع الأميركي ومواجهته بل كان العكس هو الصحيح.
استطاع الأمريكيون وضمناً الصهاينة ركوب موجة هذا الربيع العربي خاصة في سوريا عن طريق قيادة المعارضة بواسطة الأدوات المرتهنة والعميلة لأميركا، تحول الربيع العربي إلى خريفٍ قاحل قتل الأمل، وحطم الأحلام، ودمر المشاريع، وأعاد المواطن العربي سنينَ إلى الوراء نادماً على الثورة، متحسراً على الدماء باكياً على التضحيات، متألماً على ما أصابه وما لحق ببلاده وأوطانه.
أيها العرب!!! اعترفوا بجرأةٍ وشجاعة ولا تكونوا جبناء ولا ضعفاء، ولا تكذبوا على أنفسكم ولا تخدعوا غيركم، ولا تحاولوا الاختباء خلف أصابعكم، كما لا تكونوا كالنعام فتدفنوا رؤوسكم في الرمال، وتعتقدوا أن أحداً لا يراكم، أو يعرفكم ويدرك حقيقتكم، اعترفوا أن القضية المركزية والتاريخية للأمة تتراجع، وأنه لم يعد لها وجود في هموم الأمة، وأن المشاكل الداخلية هي الطاغية والمسيطرة.
هدفنا واضح العودة بقضية فلسطين إلى مكانها ومكانتها في العقول والقلوب نحو تحريرها من المغتصبين الصهاينة، ولتحقيق الهدف يجب أن نعمل نحو استعادة وحدة شعب فلسطين في كافة أماكن تواجده على قاعدة التحرير، والمقاومة بكافة أشكالها وإسقاط الاتفاقيات مع الكيان الصهيوني، ووقف كافة أشكال التطبيع معه سواء كان على المستوى الفلسطيني أو العربي، وإعادة ترتيب البيت الفلسطيني على أسس جديدة تحرص على التماسك الاجتماعي والأخلاقي، وتعزيز قيم العمل الجماعي وتخفيف الهموم وتقاسم الموارد، والتأكيد على قيم الحرية انطلاقا من أن الأحرار هم الذين يحررون ويبنون ويتقدمون، والسعي الدؤوب نحو الاعتماد على الذات ما أمكن في توفير متطلبات العيش، وطلب العون ممن يرفضون اغتصاب فلسطين ولا يعترفون بالكيان الصهيوني، وبث ثقافة العمل والإنتاج على حساب ثقافة الكسل والاسترخاء والاعتماد على الغير، وبث ثقافة التحرير، رفع مستوى الوعي بالقضية الفلسطينية والمسؤولية الوطنية، وتعزيز قيم الولاء والانتماء للأرض والمقدسات لدى كل قطاعات الشعب الفلسطيني، ولدى الجماهير العربية والإسلامية، وأن قضية فلسطين هي قضية العرب والمسلمين.