8 ديسمبر 2024 , 5:49

جمال عبد الناصر الغائب الحاضر: للكاتب عبد الهادي الراجح

عبد الهادي الراجخ
في الثامن والعشرون من سبتمبر الحزين من كل عام تمر الذكرى السنوية المؤلمة لرحيل القائد المعلم جمال عبد الناصر ولعلّ الذكرى الثالثة والأربعون لرحيله هذا العام تأتي في ظروف مختلفة ودقيقة بعد ثورتين عظيمتين في مصر أثبتوا بأن ما بناه القائد المعلم وأسس له لن يؤثر عليه الطابور الخامس والعملاء المتربصين بأي فرصة للانقضاض على الأمة بين الحين والآخر والعودة بالوطـن والأمة للماضي البعيد حيث لا قرار وطني ولكن تعليمات من السفارات إياها

الثورة الأولى كانت في 25/يناير التي أطاحت بنظام كامب ديفيد العميل والكنز الاستراتيجي للكيان الصهيوني وهو السادات والذي أكمل خطه وسياسته حسني مبارك وعندما خطفت الثورة التي ناضل من أجلها كل أحرار مصر بمختلف توجهاتهم وألوانهم السياسية من التيار المتأسلم المدعوم من أمريكا والكيان الصهيوني والرجعية النفطية في قطر المحتلة وجاءت ثورة الشعب الثانية في 30/يوليو التي أيدها الجيش الوطني في مصر بقيادة الجنرال الذهبي البطل عبد الفتاح السيسي وعزلت التيار المتأسلم ورئيسه الواجهة محمد العياط وأرست رغم كل الظروف الصعبة لدولة القانون والمؤسسات بدون وصايا المرشد ومكتب الإرشاد ولذلك انقسم العالم حولها وجنّ جنون أمريكا التي دفعت أكثر من خمسة مليارات للتيار المتأسلم لدعم سياسته بهدف جعل سيناء بجانب غزة دويلة فلسطين المزعومة ولذلك كانت ثورة الشعب التي أيدها الجيش لاسترداد ثورة يناير ومن المفارقات أن ترفع في ثورة 30يونيو كما في ثورة 25يناير صور الزعيم الخالد جمال عبد الناصر كرمزاً للحرية والاستقلال وضد التبعية ، وكان الذين يرفعون صوره من الأجيال الشابة التي لم تعاصر إلا مرحلة الردّة والخيانة والانقلاب على كل الثوابت القومية التي نادى بها جمال عبد الناصر واستشهد من أجلها ، والثورتين تؤكدان في الحقيقة على وعي شعبنا وبأنه قادراً على التمييز بين المقاوم والمقاول وكما هو قادراً ولو في الثانية الأخيرة على قيادة حركة التصحيح وتصويب الأوضاع لصالح الوطن والأمة

ولذلك لذكرى رحيل جمال عبد الناصر هذا العام لوناً خاصاً وبهجة رغم كل المآسي من حولنا ، كما أن شعبنا في مصر وبوعي تام يعلم من الذي وقف لجانبه ومن تآمر عليه ومن يقف اليوم لجانبه لأجل أن يتآمر عليه أن يحتويه وكما يعلم حتى أعداء الداخل في مرحلة وكأنها إعادة للتاريخ عندما وقفت الرجعية النفطية بعد حرب تشرين بجانب مصر وكان واضحاً أنها تريد دوراً لنفسها هي ليست أهلاً له حيث كانت المرحلة النفطية هي أكثر مراحل الأمة إنحطاطاً وتبعية وتخلف بالعقول والأفكار رغم علو البنيان لدى الحفاة العراة ، ومن المفارقات الملفتة للانتباه أن تأتي الذكرى الثالثة والأربعون لرحيل جمال عبد الناصر ويخرج الشعب حاملاً صوره ومرديين شعاراته وكأنه لا يزال حياً بيننا رغم طول الغياب وحتى كثرة الألقاب التي تسبق أسمه لتؤكد لنا بشكل مفجع بأنه الراحل والمغفور له والمرحوم والشهيد الذي قضى نحبه وهو يوحد صفوف الأمة ويطفئ النار بين الأشقاء ولا غرابة في ذلك لأن جمال عبد الناصر في الوطن العربي ومصر بشكل خاص مثل شارل ديغول بالنسبة لفرنسا وماوتسي تونغ بالصين وجورج واشنطن لأمريكا ولينين للاتحاد السوفيتي وغاندي للهند وباختصار إنه أعظم زعيم أنجبته الأمة العربية منذ عهد صلاح الدين ورغم كل المؤامرات والدسائس عليه من الشرق والغرب على السواء التي لم تتوقف ولكنه ترك نموذجاً مشرف يقتدى به للوحدة والحرية والكرامة ، لقد أراد وحدة عربية تقام على المحبة والإقناع والمصلحة المشتركة لهذه الأمة وليس الوحدة على طريقة بيسمارك في ألمانيا وكلما تأملنا أحوال الوطن العربي وظروفه يزداد احترامنا ومحبتنا للزعيم الخالد جمال عبد الناصر الذي بدأ بدعم كل حركات التحرر الوطنية والقومية في الوطن العربي وجعل ذلك سياسة مصرية ثابتة في مواجهة الاستعمار والتبعية ومحاربة دمى الاستعمار التي يحركها بالريموت كنترول وكانت تلك الدمى من الحكام هي الاحتياط الاستراتيجي للاستعمار القديم والجديد على السواء بعد أن طرده جمال عبد الناصر من كل الوطن العربي ولكن للأسف بقيت تلك الدمى وامتد نضاله للقارات الثلاثة آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية ووحد الهدف في تلك القارات بمحاربة الاستعمار وجعل ذلك هدفاً أمميا وأوجد حالة أو طريق ثالث بعيداً عن الاستقطاب الدولي في ذلك الوقت وهو ما عرف بدول عدم الانحياز ، وركّز على مصلحة مصر وتواجدها في الدوائر الثلاث وهي العربية والإسلامية والإفريقية وقدّم للأجيال كما أسلفت التجربة والنموذج من أجل المستقبل بعد أن ضربت التجربة الفريدة التي قادها بحرب يوليو وجرى احتوائها بعد رحيله جمال عبد الناصر المفجع في الثامن والعشرون من سبتمبر أيلول من عام 1970م ولا تزال التجربة وإكمال ما توقف مع رحيله قابلاً للإعادة والفرز والاستفادة منها في أي عمل وحدوي في المستقبل كما أثبت التاريخ أن الوحدة التي رمزها الأول جمال عبد الناصر ليست مستحيلة كما يدعي مثقفي البترودولار بدليل إنها تحققت في أقطار أخرى أبعد ما تكون عن الوحدة أو أي من عواملها الأساسية خاصة اللغة والعرق والتاريخ المشترك والجغرافيا والأديان التي جميعها خرجت من بلادنا العربية ومن المفترض أن تعطينا خصوصية عن الأمم والشعوب الأخرى لأن وطننا العربي هو مهبط الرسالات السماوية الأول الذي أخرج العالم من عبادة العباد لعبادة رب العباد وللأسف مع كل ذلك نجد أن الأمم والشعوب قد أعادت وحدتها ولو على المصالح المشتركة وتحررت من الاستعمار إلا نحن حيث يجري التآمر على أمتنا وللأسف بواسطة الكثير من أبناءها الذين باعوا أنفسهم للشيطان وبدلاً من جرح فلسطين أصبحنا في جرح العراق وليبيا والسودان الذي قسم لشمال وجنوب ويحاولوا الأعداء اليوم تفكيك سوريا ومصر ليكتمل مثلث التآمر بأهم ثلاث أقطار عربية وهي مصر وسوريا والعراق وهذا نفس مطلب المجرم ديفيد بن غوريون الذي أكده في إحدى رسائله في مطلع الخمسينيات ووصفه بأنه سيكون قوة إسرائيل الحقيقة وليس القنبلة النووية التي أمتلكتها وهذا ما يحاول الاستعمار الصهيوأمريكي فعله اليوم والحقيقة واضحة وقد انكشفت كل الأقنعة المزيفة سواء لتجار الدين أو بعض المدعين للقومية والوطنية بأثر رجعي

نتذكر نحن العروبيوون الزعيم الخالد جمال عبد الناصر ليس لأجل البكاء على الإطلال والحنين للماضي على حساب الحاضر والمستقبل لأن ذلك في رأيي المتواضع هو ضد جوهر الناصرية ذاتها التي ناضل رمزها جمال عبد الناصر لأجل المستقبل مع الاستفادة من الماضي وتجاربه لبناء المستقبل وذلك نؤكد أن التجربة الناصرية هي التجربة النموذج التي يمكن الاستفادة منها وما وقعت به من أخطاء كأي تجربة إنسانية عظيمة ولذلك للعمل من أجل الوحدة التي بها وجودنا كأمة لها مكانٌ تحت الشمس ، رحم الله القائد المعلم جمال عبد الناصر قائد الأمة العربية ومفجّر ثورتها في 23 يوليو المجيدة التي كانت تعبيراً عظيماً عن كل ثورات الأمة ووجودها طلباً للحرية والوحدة والاشتراكية ذات الوجه الإنساني وطلباً للحياة ذاتها فلا حياة بلا تلك الثوابت الإنسانية ، إن جمال عبد الناصر كان وسيبقى المدرسة النضالية لكل الأجيال حتى يرث الله الأرض ومن عليها ، رحمك الله يا أبا خالد يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حيّا.

شاهد أيضاً

النهاه ولد أحمدو يكتب : من أجل تجنب اشتعال المراعي

ها و قد كان خريف هذا العام جيدا ، وهو دون ذلك في عدة جيوب …

اترك تعليقاً