4 نوفمبر 2024 , 11:50

موريتانيا تعيد إنتاج أزمتها عبر انتخابات غير توافقية.. (تحليل)

CENIوأخيرا هاهي الانتخابات المثيرة للخلاف والجدل تقف على الأبواب؛ بعد قرار مجلس الوزراء استدعاء هيئة الناخبين للتوجه إلى صناديق الاقتراع بعد شهرين لانتخاب النواب والشيوخ والمستشارين البلديين.

شهران فقط يفصلاننا عن موعد تلك الانتخابات؛ دون أن نلاحظ أي شيء على أرض الواقع ينبئ بأننا مقدمون فعلا على انتخابات “جدية”؛ إذا ما استثنينا النشاط المحموم والسباق “الملهوف” الذي يخوضه منفردا حزب “الاتحاد من أجل الجمهورية” منذ شهور دون توقف؛ لدرجة توحي لك بأن هذا الحزب يقف على أعتاب “استحقاق رئاسي حاسم” في مواجهة خصوم ألداء قد أعدوا كل عدتهم وجهزوا كل إمكانياتهم لإلحاق الهزيمة به في ذلكم الاستحقاق “المصيري المحتوم”!!

أجل؛ لا شيء ينبئ بقرب هذه الانتخابات غير الماكينة السياسية والإعلامية والدعائية الدوارة للحزب الحاكم؛ أما ما سواه من أحزابنا (موالية ومعارضة و”حائرة” و”مخاتلة”) فلا تكاد تحس لها وجودا إلا من باب الدعاية الرافضة لتلك الانتخابات؛ أو من باب البيانات الخجولة المرحبة بها شأن بعض أحزاب الموالاة ذات الوجود الورقي المحدود، أو الرمزي، أو الفلكلوري!!

فإلى أين نسير؟ وماذا بعد الثاني عشر من أكتوبر والثامن والعشرين منه: (موعد الشوطين الانتخابين المفترضين)؟؟

لا أهمية الآن للحديث عن المسئول عما نحن فيه من تأزم وتمزق وقلق سياسي، وارتباك غير خاف على ذي بصيرة.. ما هو أهم من ذلك وأولى بالبحث فيه هو: إلى ماذا سيقودنا الإعلان الرسمي عن موعد تلكم الانتخابات؟؟

تصاعد دعوات المقاطعة وما تنذر به..

تكاد تصم الآذان الآن تلك السيول المتدفقة المستنكرة لقرار إجراء الانتخابات في الموعد المضروب، والداعية لمقاطعتها باعتبارها “انتخابات أحادية مفروضة من نظام متسلط وغير ديموقراطي”؛ كما يقول أصحاب تلك الدعوات؛ وهو ما يجعلنا نضع فرضيتين ونبحث في ما يترتب على كل واحدة منهما:

أما الأولى؛ فهي فرضية تراجع النظام مرة أخرى عن الموعد الذي حددته اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات وقام هو بإقراره رسميا؛ ثم الدعوة لتشاور وحوار جديدين أملا في تحديد موعد جديد وتهيئة ظروف جديدة؛ ضمانا لتحقيق أوسع قدر من المشاركة والإجماع والتوافق السياسي على تنظيم هذا الاستحقاق “النكد”..

هذه فرضية طرحها بعض دعاة المقاطعة؛ ذاهبين إلى أن النظام غير جاد في تحديد شهر أكتوبر المقبل موعدا لتلكم الانتخابات؛ ومؤكدين أن الأمر مجرد مناورة؛ وأن إعلانا صريحا من قادة أحزاب المعارضة بعدم المشاركة في ذلك الاستحقاق سيكون قمينا بدفع النظام للتراجع عن قراره وتأجيل الموعد على الأقل حتى العام 2014: الموعد المفترض للانتخابات الرئاسية المقبلة.

نحن نستبعد هذه الفرضية؛ رغم شعورنا أن النظام ربما اعتقد أن تشكيل “اللجنة المستقلة للانتخابات” يمنحه فرصة جيدة للتهرب من مسئولية كل القرارات المرتبكة والمضطربة بشأن المواعيد الانتخابية، واستعداده لإلقاء اللوم في كل ذلك على تلك اللجنة بصفتها هي من يحدد تلك المواعيد؛ وهي أيضا من سيتراجع عنها (في حال حدث التراجع مجددا).

ومع ذلك؛ فإننا نعتقد أن نتيجة أي تراجع عن الموعد المعلن حاليا ستكون نتيجته الفورية توجيه ضربة في الصميم لمصداقية النظام وهيبته وصورته أمام الرأي العام؛ وبالتبعية سيشكل هذا التراجع مكسبا حقيقيا لمنسقية المعارضة وسيمنحها فرصة ذهبية لاستعادة أغلب ما أضاعه مطلب “الرحيل” من مصداقية تلك المنسقية وصورتها في الداخل والخارج.

أما الفرضية الثانية؛ فتقول إن النظام لن يقبل أبدا (وتحت أي ظرف) التراجع عن تنظيم الانتخابات العامة في موعدها المضروب؛ وإن أحزاب المعارضة (بكل تصنيفاتها) لن تقبل هي الأخرى (تحت أي ظرف) المشاركة في هذه الانتخابات وستتخذ قرارا حاسما بمقاطعتها..

فما نتيجة ذلك إذا حدث؟

– بالنسبة للنظام؛ لا شك أنه سيكسب الانتخابات والأغلبية الساحقة المريحة، ولن يعجزه بعد ذلك أن يدعو بعض “قطع اللعب” التي في يده كي تتحول إلى “معارضة” صورية داخل غرفتي البرلمان؛ ولم لا تكون أيضا داخل بعض المجالس البلدية؛ حفاظا على المظهر الشكلي للتنوع السياسي والتمايز الديموقراطي!!

غير أن أغلبية النظام هذه المرة لن تكون بالضرورة هي أغلبية “حزب الاتحاد من أجل الجمهورية”، بل ستكون “أغلبية أحزاب الوصول الورقية والحقائب اليدوية”.. نعلم ذلك من إعلانات الترشح التي بدأت تبرز هنا وهناك من بعض أطر ومنتسبي ورجال “أعمال ومصالح” الحزب الحاكم؛ غير منتظرة قرار هذا الحزب بترشيحها أو ترشيح غيرها؛ ما يجعلنا نتوقع لجوء كثير من المنخرطين في هذا الحزب للترشح من أحزاب أخرى في حال رفض الحزب ترشيحهم؛ وذلك في ظل حظر “الترشيحات المستقلة”.. وقديما قيل: إن “مصائب قوم عند قوم فوائد”!

هذا بالنسبة للنظام.. فماذا بالنسبة للمعارضة؟

مثلما سيقود هذا السيناريو إلى خسارة سياسية للنظام مغلفة بمكاسب واهمة؛ فإنه سيقود المعارضة إلى خسارة أكبر في ما نعتقد؛ حيث ستجد هذه المعارضة نفسها ملقاة خارج الأطر والمؤسسات الديموقراطية المناسبة لممارسة دورها ونشاطها السياسي المؤثر؛ أي أنها ستعود للشارع؛ أو على الأصح ستبقى فيه؛ بحيث إنها لم تخرج منه منذ فترة طويلة..

هذا بالنسبة لمنسقية المعارضة الديموقراطية على الأقل التي اختارت اللجوء للشارع منذ قررت المطالبة ب”رحيل النظام”؛ وقد أثبتت تجربة هذه المنسقية عجزها عن تحريك الشارع بالقوة والزخم الضروريين لتحقيق مطلب بحجم “رحيل نظام ورئيس منتخب”.. ما يعني أن تجد هذه المنسقية نفسها وقد عادت إلى مربعها الأول؛ مجددة مطالبتها برحيل النظام ومستجدية جماهير الشعب للخروج من أجل إسقاطه..

فهل تجد لدعواتها الجديدة غير الاستجابة التي كانت نصيب دعواتها القديمة؟؟

يقول بعض المعارضين كلاما جميلا يؤخذ منه ويترك؛ خلاصته أن العالم قد تغير؛ وأنه لن يقبل التعامل مع نظام ينظم انتخابات على هواه ويفصلها على مقاسه؛ وأن من شأن مقاطعة المعارضة للانتخابات المقبلة أن تجعل هذا العالم ينظر لهذا النظام باعتباره فاقد المصداقية، وسيرفض نتائج “انتخاباته غير التوافقية”، وسيدعم بالنتيجة كل مسعى لإسقاطه والتخلص منه.

الصحيح في هذا الكلام -حسب اعتقادي- هو أن العالم قد تغير؛ بل إنه يتغير باستمرار؛ وقد غيرته موجة انتفاضات الشعوب في ما سماه البعض ب”الربيع العربي”؛ فلم يخف تعاطفه مع مطالب الشعوب العربية المشروعة في الحرية والديموقراطية، ثم تغير هذا العالم مرة أخرى عندما رأى “ربيع العرب” يتحول إلى “حريق مرعب”؛ فغير العالم أولوياته من “دعم مطالب الحرية والديموقراطية” في البلدان العربية، إلى محاولة استعادة الاستقرار المفقود في تلك البلدان، وإنهاء حالة الفوضى الشاملة التي أصبحت مصدر تهديد جدي لأمن العالم واستقراره ونمو اقتصادياته المتعثرة، ولم يخف قادة هذا العالم شديد انزعاجهم من شعوب بدا أنها لا تعرف كيف تصل إلى أهدافها المشروعة إلا على جسر من أشلائها؛ وفوق نهر من دمائها.!!

وليست المساعي العربية والدولية الحثيثة لإيجاد مخرج سلمي من الأزمة المصرية إلا مؤشرا واضحا على هذا التوجه الدولي الجديد؛ إضافة للدعوات المتصاعدة لتحقيق حل سلمي في سوريا والتأكيد على استحالة الحسم العسكري فيها.

هكذا العالم وكل الوجود (إلا الله جل شأنه) هو في “حركة دائمة وفي تغير مستمر”؛ فهل يقبل قادة المعارضة أن يكونوا جزء من هذا العالم وأن يتغيروا ويغيروا؛ كما تغير وغير؟

دعوات المشاركة وما قد تقود إليه..

حالة اللامبالاة التي يتعامل بها أغلب الموريتانيين مع هذه الانتخابات، ومع الإحصاء الإداري ذي الطابع الانتخابي تنبئ عن أزمة جدية تواجه هذا الاستحقاق، وتكشف عن أن كثيرا من القيادات السياسية ليست متحمسة للمشاركة فيه، وأن كثيرين آخرين لم يعد لهم سلطان على الرأي العام، ولم يعد لهم رأي مسموع أو أمر مطاع بين الناس؛ فكان واضحا عجزهم عن دفع المواطنين للتسجيل على اللائحة الانتخابية؛ كما عجزوا من قبل عن دفعهم للتقييد في السجل الوطني للسكان والوثائق المؤمنة، وعن دفعهم لاحقا لسحب بطاقات هوياتهم.

وكل هذا جعل البعض يشك في إمكانية إنجاز هذا الاستحقاق في موعده؛ أو على الأقل في أن كل الأحزاب ستشارك فيه.. غير أن آخرين يطرحون احتمالين ويرونهما واردين:

أما الاحتمال الأول فهو أن يقرر الجميع المشاركة في هذا الاستحقاق المثير للجدل؛ ورغم أننا نستبعد هذا الاحتمال؛ فنقول إنه إذا وقع فسيكون بمثابة كسب حقيقي وكبير جدا للنظام الذي سيحصد الموالون له أغلب النتائج بفضل استعدادهم للانتخابات وتهيئتهم لها منذ فترة طويلة؛ حيث نعلم أن حزب الاتحاد من أجل الجمهورية ظل يحضر لهذه الانتخابات منذ شهور عديدة؛ وحيث لم يفوت قط فرصة إلا دعا فيها للإسراع بإجرائها؛ حتى أنه لم يجد تعليقا على إصابة رئيس الجمهورية برصاصات “اطويلة المشئومة” خيرا من الدعوة للبدء في التحضير لتلك الانتخابات!!

كما أن أحزاب “المعاهدة” و”التحالف الوطني” تبقى مهيأة لتحقيق نتائج قيمة من مشاركتها إذا أحسنت استثمار موقفها الداعم والمحتضن لمبادرة رئيس الجمعية الوطنية الزعيم مسعود ولد بلخير وما حظيت به من تعاطف وتقدير شعبي؛ باعتبارها وساما وعلامة على الحكمة والشعور الكبير بالمسئولية والانحياز لمصلحة الدولة والمجتمع..

أما منسقية المعارضة الديموقراطية فستكون أكبر الخاسرين من مشاركتها في انتخابات لم تكن مهيأة لخوضها بسبب سوء تقديرها لموقف النظام وواقعه؛ حيث ظلت تعتقد أنه غير قادر على تنظيم أي استحقاق انتخابي، وأن كل تحركاته ومبادراته في هذا الاتجاه هي مجرد مناورات، وهو تقدير سيئ لا يماثله في السوء إلا تقديراتها الحالمة للوضع الصحي الرئيس بعد حادث الرصاصات وما جره عليها من ورطات وإحراجات!!!

أما الاحتمال الثاني فهو أن تشارك جميع أحزاب الموالاة وبعض أحزاب المعارضة، بينما يقاطع جزء من هذه المعارضة؛ وهو الاحتمال الأقرب للحدوث في نظرنا في حال عدم تأجيل الانتخابات مجددا.

إن الفرق الوحيد في النتائج التي قد تترتب على هذا السيناريو وتلك المترتبة على سيناريو مشاركة كل الأحزاب؛ هو في التصدع غير القابل للرأب الذي سيحدث بين جناحي المعارضة (المشارك والمقاطع)، وستدفع الأحزاب المقاطعة الثمن الباهظ لهذا التصدع؛ حيث ستجد نفسها وحيدة في الشارع تواجه نظاما يفخر بأنه تمكن من إجراء انتخابات شاركت فيها كل ألوان الطيف السياسي (موالاة ومعارضة) باستثناء “أقلية تخشى الخسارة بفعل محدودية شعبيتها وقبولها في الشارع؛ فقررت الهروب من مواجهة حكم صناديق الاقتراع فاختارت المقاطعة، وذلك حقها الطبيعي”؛ كما سيقول النظام وموالاته حينئذ…

والنتيجة الثابتة في كل الاحتمالات والسيناريوهات هي أن هذه الانتخابات لن تطوي صفحة الأزمة السياسية المستفحلة في البلد؛ حيث أصبح يتضح يوما بعد يوم أن أزمتنا هي بالأساس أزمة “عقل سياسي غير سوي” تحمله النخب المتصدرة لمشهدنا السياسي..

إنها نخب أنانية الطموح؛ فردية المشاعر، ضيقة الأفق، سيئة التقدير، متعالية على الناس، كافرة بالمصالح العامة، عاجزة عن فهم نفسها وتقدير قوتها ونقد أدائها، والاعتراف بأخطائها، وتصحيح مساراتها..

وستظل هذه النخب تقودنا من أزمة إلى أخرى حتى تهلك هذا الشعب.. أو حتى يستفيق فيلفظها..

محفوظ ولد الحنفي.

شاهد أيضاً

لجنة الأهلة : غدا الإثنين هو فاتح شهر جمادى الأولى”بيان”

اجتمعت اللجنة الوطنية للأهلة بمباني وزارة الشؤون الإسلامية والتعليم الأصلي، مساء السبت 29 ربيع الثاني …

اترك تعليقاً