لأول مرة في تاريخ البلد السياسي تتوحد كلمة السياسيين في نسق وطني – عز عليهم طويلا و ضنوا به كثيرا – حول الفوز الذي حققه فريق “المرابطون” على نظيره السنغالي – في إنجاز تاريخي – فوق أرضه المتعطشة لذلك و أمام جماهيره التي جاءت كعادتها، في انفصامها المزمن، بنفوسها الوطنية المتحمسة و المؤازرة على الرغم من أن في الحلق غصة و في المهج المعذبة بدواهي ألم الخيبة المعشعشة في النفوس و حسرة الانكسار الرابضتين في الأعماق و اللتين تعتصران الأفئدة و تجتران و تقتسمان على مضض مرارة الهزائم المتكررة.
و جاءت على خلفية هذا الحدث الفريد كل بيانات الأحزاب و على شاكلتهم دعاة المدنية و حقوق الإنسان في المجتمع المدني، مستبشرة و مهنئة بما آتى الله من فوز على الخصم و انتصار على لعنة الهزيمة التي ظلت تطارد منذ فجر الاستقلال الرياضة عموما في هذه البلاد و كرة القدم خصوصا و هي التي صرفت و تصرف عليها منذ أزيد من خمسة عقود أموال لا حصر لها و انتهجت بشأنها سياسات لا عد لها و اكتتب لتطويرها و الرفع من شأنها من المدربين خيرتهم ممن كانت شهرتهم لوحدها محفزا على الفوز و لم يزد ذلك كل الأجيال المتعاقبة من الفرق إلا تبارا.
صحيح أن هذه البيانات التي انهالت على كل وسائل الإعلام حملت شحنة من نفس”الوطنية” التي لا قبل للمواطنين بها و كانت على حد تجردها المحسوس – لأول مرة من الاعتبارات الخارجية -قد شكلت نقطة تلاق على خط تماس التنافر، لتجد تجسيدها على أرض الواقع في المسيرات الكبرى المختلطة التي جابت أرجاء الوطن و منها بشكل معبر تلك التي عمت و غمرت شوارع و ساحات عاصمتي البلد السياسية و الاقتصادية نواكشوط و نواذيبو دون استنقاص لمدن البلاد الأخرى.
و مما لا شك فيه، و إن جهل الأمر في بلادنا تماما لغياب الروح الرياضية في الأصل، أن العلاقة بين السياسة والرياضة واحدة من أهم مظاهر الحركة التي اهتم بها الإنسان وشجع عليها المجتمع منذ بدء الخليقة و قد استعملت الرياضة لتحقيق أغراض متعددة لإظهار القوة وللحماية الشخصية لأن الحياة كانت تعتمد على القوة البدنية والأقوياء هم الذين يمثلون المناصب العليا في الجيش والمقربين إلى الحاكم.
و إن اختلفت حدة الاعتبارات في عصر صفاء و تحرر العقل البشري من قيود و استرقاق التحجر و من التباين السلبي و جمود ركائز الأحكام إلا أن قيم الرياضة و مراميها بقيت في الصميم هي نفسها للحفاظ على الجسم و العقل سليمين في ممارسة الحياة و ضبط نبضها.
ويعرف أحدهم الرياضة بأنها “عبارة عن أنواع مختلفة من النشاطات الرياضية التي تهتم بجميع الأفراد من حيث الجنس و الميول والاحتياجات والأعمار، بينما عرف آخر السياسة والسلطة بأنهما “القدرة على التحكم في الفعل والتفكير وميول الأفراد” مما يعني أن الرياضة كتنظيم وجهاز إداري أولا يجب أن يخضع لنظام وسلطة وقوة الدولة ولا يمكن تحقيق أغراضها بمعزل عن الأحداث السياسية التي تمر بها الأخيرة.
إن التطور العلمي والاجتماعي والصحي وتطور العادات والتقاليد كلها عوامل أساسية في تطور الرياضة والانجاز، لا يمكن فصل العلاقة بين الرياضة والسياسة لكونها علاقة تبادلية لبلد ما على المستوى الداخلي والخارجي. فعلى المستوى الداخلي نجد توازنا في قوة العلاقة بين الرياضة والسياسة أي أن قوة التأثير للرياضة على سياسة الدولة الداخلية يقابلها نفس قوة تأثير السياسة ورجال الحكم على دفع مسيرة الحركة الرياضة إلى الأمام والقيام بتوفير التسهيلات المادية و المعنوية لتنفيذ المشاريع الرياضية، وخير مثال على ذلك المنشآت الرياضية التي أقيمت في أتلانتا 1994م، ومونديال امريكا1994م، ومونديال فرنسا 1998م و ما تم إنجازه بعد ذلك في جميع القارات كمنديال كوريا و اليابان 2002 و الألعاب الأولمبية الصيفية 2012 بالمملكة المتحدة، و الألعاب الاولمبية بكين بالصين 2008.
أما على المستوى الخارجي أي الدولي فإن الدولة تستخدم الرياضة كوسيلة لتحقيق بعض أهدافها بدء بتحسين العلاقات مع الدول الأخرى، كما حدث في اليابان و كوريا و قد اعترف السياسيون باستقلال الرياضة بعدما عرفوا دورها الهام في التقارب و التقدم القومي و كسر الحواجز الاجتماعية الموجودة في المجتمع و التمهيد السريع لتضامنه و تحقيق الرفاهية العامة للمواطنين و أنها أيضا إحدى الوسائل الاجتماعية المقبولة لتفريغ الدوافع والنوازع المكبوتة.
و مثلما اتحد السياسيون لا شعوريا في الاحتفاء بفوز فريق “المرابطون” و إعلانه حدثا وطنيا بعيدا عن الأهواء السياسية المتسمة عندهم على ما هو معهود بالخروج على الوفاق و اللحمة، فقد توحد الموريتانيون على اختلاف أعراقهم و ألوانهم و انتماءاتهم الفكرية و السياسية و انصهروا في جسم الكيان المشترك و الموحد ليطلقوا العنان لفرحة واحدة و إن كلا بلغته، إلا أنه بشعور لا يتجزأ بحب الوطن و الاعتزاز بأي نصر يجلبه أبناؤه.
و إذا كانت الرياضة بهذه القوة السحرية التي لا تقاوم قد فرضت منطق تقريب المسافات و توحيد المفردات، أو ليست بهذا الإنجاز العظيم، الذي لم تنثن عنه الإرادة يوما على الرغم مما كان يعتريها من ضعف الهمة، قادرة أيضا إلى أن تفتح العقول على ضرورة الانصراف إلى كل القواسم المشتركة الأخرى التي تحمل في أصلابها من دوافع تأمين متانة الوطن و تقوية اللحمة و إعداد النفوس بالرياضة سعيا إلى اللياقة السياسية و استكمالا للياقة البدنية ما يدفعه أكثر من ذلك إلى التمهيد للتفكير و العمل السليمين اللذين يحتاج إليهما بلد يمتلك من المقدرات ما يؤهله لأن يصبح على أعلى درجات الرفاه و التطور و التوازن.
فهل يأخذ سياسيونا و قادة الرأي منا و المناضلون في كل الحقول الإنسانية و الحقوقية و التنموية بـ”عقول رياضية” العبرة من اجتياز فريق “المرابطون” خط اليأس الأحمر و رسمه آفاق مبشرة بالأمل و واعدة بانتصارات تزيد المواطن حبا في وطنه و الوطن عزة بين الأمم.