لا أعلم هل تأخر الوقت على ما سأكتبه الآن أم أنه لم تزل هناك فرصة للكتابة و التحذير من الانزلاق نحو هاوية التفرق والتشرذم بفعل استفحال خطر جريمة انعدام العدالة الاجتماعية , فلا أسعى للحديث عن قضية غامضة , ولا إطلاق للكلام على عواهنه بل إن الأمر ينبع من طموحنا الكبير لحاجة المجتمع الماسة لنظام اجتماعي أكثر عدالة و أداة لسعادة الإنسان لا لشقائه , فأساس الاقتصاد الوطني العدالة الاجتماعية التي يقوم مفهومها طبقا للإعلان العالمي لحقوق الإنسان “على عدالة التوزيع ومبدأ تكافئ الفرص في الحصول علي الحقوق الأساسية ووضع نظام فعال للتكافل الاجتماعي” , هذا بدون أن ينتفي وجود تفاوت أبدا بين الأفراد لأنه مهما توافرت عوامل النجاح لن يتميز الفرد إلا بقدراته ومهاراته ولذلك فإن من أهم أسس العدالة الاقتصادية وضع معايير واضحة وإعطاء الفرصة للجميع للمشاركة في العملية الإنتاجية بقدراته بحيث يكون نصيبه من الدخل يتساوى مع قدراته على الإنتاج مع مراعاة تفعيل مبادئ التكافل الاجتماعي للأفراد الذين يفتقدون القدرة علي الإنتاج وذلك بإحساس المواطن بعدم الغبن ويحصل علي ما يستحق من حقوق وخدمات , وتجنب احتكار المكسب علي فئة معينة , وإرساء قواعد المنافسة الشريفة في الأسواق والقضاء علي أي احتكارات ضمانا لعدالة تكافئ الفرص.
لكن يبدوا أن ما يعيشه اليوم الحراطين بانواذيبو مناف لما ينبغي أن يكون , فلا زالوا يعيشون كما كانوا أشد الأوضاع بؤسا , ومع ذلك الكل عديم الإحساس لا يسمع ولا يرى , ولا يحس بأي شيء من حوله , فها هي انواذيبو تعيش “الحرام الاجتماعي ” بأبشع صوره طبقة اجتماعية تمثل السواد الأعظم من مكونات سكان المدينة الاقتصادية مع ذلك حُكم على أفرادها أن يظلوا وقودا يحترق من أجل الآخرين , مستمرة بذلك حلقات الظلم وعدم العدالة في حقهم , في ظل حصاد قلة لعائد الدولة واستمرار الفساد الاجتماعي , فهل يستحق الحراطين بانواذيبو أن يعيشوا بلا حياة وبلا كرامة وبلا إنسانية في مدينة يمثلون أزيد من 40 % من سكانها ؟, فما يجري هنا في انواذيبو أن هنالك طبقة تنتج بجهدها بعرقها وآخرون يجمعون هذا الإنتاج بل ويعملون بين فينة وأخرى على محاولة خنق رجال الأعمال الحراطين الصاعدين وما أزمة بيع السمك نهاية 2012 المفتعلة إلا صورة تعكس بجلاء هذه الحقيقة إذ عمد المتنفذون على خلق أزمة بيع سمك هدفها الورائي تحجيم الصاعدين من رجال أعمال الحراطين , وما يتواصل الآن جريانه من عمليات مفتعلة لا تخدم الوئام الاجتماعي بالعاصمة الاقتصادية بل مصدر لزعزعته وتقسيمه , فمن غير المنطقي أن يحاول البعض أن يُقنع جمع الحراطين أن الفقر المدقع الذي يعيشه سوادهم الأعظم نظام لحالة طبيعية , متناسيين أننا لا نستطيع إقامة نظام اجتماعي ما لم تكن هنالك عدالة حقيقية لا تتجزأ بشتى صورها اقتصادية سياسية …. الخ , وأن تراكم الثروة القائم بانواذيبو ساهم في تحديد مصدر القوة بالمدينة , فأفراد من قبيل واحد يسيطرون على مدينة بكاملها , وستفرض بالحتم حتمية الصراع الطبقي القائم الإطاحة بالمتنعمين بالمال من طرف المحرومين , ويلحظ المتابع لبرنامج المنطقة الحرة مدى الغبن الاجتماعي القائم والسيطرة المحكمة للبيضان على شرايين الاقتصاد , بل وصلت لحد أن أطلق البعض على منطقة انواذيبو الحرة ” منطقة البيضان الحرة ” , فالدولة تصر على الاستمرار على السير عكس العدالة الاجتماعية العادلة وما التراكم للثروة لدى رجال الأعمال البيضان إلا نتيجة منطقية لهذا الإصرار , إذ عملت الدولة على تكوين وخلق طبقة من رجال الأعمال البيضان بإقصاء ممنهج ومقصود لوجود رجال أعمال الحراطين .
وبجملة هنالك ظلم وإجحاف بحقوق الحراطين المادية والمعنوية و يوجد فرق شاسع في نظام توزيع الثروة بانواذيبو فلا تزال الدولة بمكانتها الاقتصادية عاجزة عن تكوين طبقة من رجال أعمال الحراطين مرادفة للموجود من رجال أعمال البيضان القائمين منذ نشأة الدولة إلى اليوم , ولم يكن بذلك الحراطين اليوم في انواذيبو أحوج من احتياجهم للعدالة الاجتماعية , بل إنهم أكثر خوفا على مصيرهم المجهول , والدولة اليوم بحاجة لطمأنة وإعادة الأمل المستقبلي لهم , حتى يكون حاضرهم أكثر ضوئية من ماضيهم السيء بشتى المقاييس المليء بالظلم والاضطهاد والغبن , فمن الغير المقبول استمرار واقع الغبن بانواذيبو في كل المستويات والمجالات , حتى عندما نمعن النظر نجد أن مسلسل الظلم المطبق على الحراطين يستمر نزيفه وتزداد مأساته المفجعة الظالمة وإن بطرق جديدة .
على ما يبدوا قدر الأغلبية الساحقة من الحراطين أن تبقي مهمشة ومغيبة بين أتون السياسة وصراعات الساسة , وتغذي النخب السياسية والحزبية على مطالبهم العريضة وتناورها فيما بينها بهمومهم ولعبها بورقتهم على رقعة شطرنج الطموح السياسي الشخصي .
لنعترف ولو كان الاعتراف مرا ومؤلما , أن المجتمع اللاعادل لا يصنع وفاقا وطنيا ولو طال به الزمن , وأي نظام ينتهك حرمة العدالة الاجتماعية عليه أن يتوقع النتائج الوخيمة على مستوى هذا الانحراف الاجتماعي.
فمن يضح حدا للوضع الاقتصادي المفجع الذي يعيشه الحراطين بانواذيبو؟؟؟