قضية ساخنة: أردوغان وأستاذه يتبادلان نشر الغسيل القذر

“نحن لا نعرف البكاء” ..هكذا صرّح رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان وسط جمع من أنصاره في مدينة “كونيا”، و أضاف الرجل بنبرة أرادها حاسمة “لا يوجد أي قوى ظلامية، سواء خارجية أو داخلية، ستجبرنا على اتباع نهج معين”، وكانت كلمات أردوغان تعليقًا على تفجر فضائح فساد و غسيل أموال و رشى، طالت مقربين في حكومته و رجال أعمال وثيقي الصلة به،مما أسفر عن حملة اعتقالات بحق أبناء وزراء الداخلية و الإقتصاد و البيئة إضافة لرئيس بنك “هالك”( تعني الشعب بالتركية)،مما بدا معه أن حزب العدالة والتنمية الحاكم(ذي التوجهات الإسلامية)، الذي يقوده أردوغان منذ 12عاماً يترنح تحت وطأة ضربات قد تعصف به من سدة الحكم،لا سيما وأن قوى علمانية وقومية وربما بعض الجنرالات في الجيش التركي، ينتظرون مثل هذه اللحظة منذ أكثر من عقد من الزمان.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

السلطات التركية قامت بتوقيف 56شخصاً من بينهم “مصطفى دمير” عمدة “فاتح”الحي الأكبر في اسطانبول،وابن عم أحد الشخصيات القيادية في المكتب التنفيذي لحزب العدالة والتنمية،ورجال أعمال في القطاع العقاري،تشير التحقيقات الأولية إلى أنهم حصلوا على مناقصات دون وجه حق بعد دفع مبالغ هائلة لأعضاء في الحكومة محسوبين على حزب أردوغان.

وطالب “إنجين ألطاي”، النائب في البرلمان التركي،وزعيم المعارضة ورئيس حزب الشعب الجمهوري،أردوغان بأن يعلن استقالته لأنه من غير الممكن أن يكون كل هذا الفساد المحيط بالمقربين منه،قد حدث دون علم أو مشاركة منه،كما طالب البرلمان بأن يشكل لجنة تحقيق مستقلة حتى تتكشف كل الحقائق.

وفي قلب التحقيقات يأتي ذكر “إدارة تطوير السكن الجماعي”،التي حققت على مدى السنوات القليلة الماضية أرباحاً خيالية،من خلال بيع أراضي مملوكة للدولة لرجال أعمال مقربين من الحزب الحاكم و السيد أردوغان،وتلك المؤسسة شبة الحكومية هي الأداة التنفيذة لسياسة التحول في المباني و التخطيط العمراني في تركيا و التي كان أردوغان يعول عليها في تغييير تصميم ميدان “تقسيم” الشهيرمما أدى لموجة احتجاجات شعبية عارمة خلال الربيع المنصرم.

من ضمن الموقوفين “أردوغان بايراكتار” ابن وزير البيئة،الذي شغل في الماضي القريب منصب رئيس “إدارة تطوير السكن الجماعي”،و كان “بايراكتار” اعترف في عام 2012 أمام لجنة تحقيق برلمانية أن ما يعادل ال25 مليون يورو من أموال العمولات باتت مجهولة المصير خلال عشر سنوات أمضاها في منصبه(من 2002إلى 2012)،ومن ضمن الموقوفين أيضاً رجل الأعمال ذي الأصول الأذربيجانية “رزا زاراب”،و مقاول شهير يُدعى “علي أجوجلو”،اللذان أصبحا في سنوات معدودات أغنى شخصيتين في تركيا، كما تم القبض على ابن “معمر جولر” ابن وزير الداخلية و ابن “زافر كاجلايان” ابن وزير الاقتصاد،أما المدير العام لبنك “هالك” فقد تم القبض عليه لاستغلال نفوذه في استخدام البنك كمحطة لتحويل أموال مشبوهة المصدر وتعامله مع بنوك إيرانية بينما كانت طهران مفروض عليها عقوبات اقتصادية من الغرب بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

صراع شرس

ويفسر البعض تلك الهجمة القضائية المفاجئة على حكومة أردوغان بصراع شرس في أوساط الإسلاميين الأتراك،حيث التنافس بين أردوغان نفسه و الداعيه الإسلامي المتشدد “فتح الله جولن”،المعروف عنه أنه الأب الروحي لإخوان تركيا ولا يقل أنصاره داخلها عن 13 مليوناً بينهم 3ملايين قوام تنظيمه،وذلك بحسب تصريحات في صحيفة لوموند الفرنسية اليومية منسوبة للصحفي التركي المتخصص في شئون الجماعات الإسلامية”محمد ألطان”،ويعيش “جولن” منفياً في الولايات المتحدة منذ عام 1999 بسبب تصريحات أثارت أزمات مع المؤسسة العسكرية ووزراء في الحكومة(في عهد رئيس الوزراء بولنت أجاويد)ودولة أوزباكستان المجاورة،ولا أحد يعرف حجم ثروته الحقيقي التي تقدر بمليارات الدولارات، وهو رجل قوي وذو نفوذ هائل وتمكن أتباعه من اختراق مؤسسات حيوية أهمها الشرطة والقضاء،علماً بأن قاضي التحقيق “زكريا عوز” الذي أصدر أوامر اعتقال المذكورين آنفاً ينتمي للجناح الموالي لـ”جولن” وبينهما صلة نسب،وهوالقاضي نفسه الذي تولى تحقيقات في عام 2008،أسفرت عن تفكيك شبكة من القوميين والعلمانيين والعسكريين كانوا يخططون للإطاحة بالإسلاميين من السلطة.

بداية الخلاف

المعروف أن محمد فتح الله جولن هو زعيم ما يعرف بحركة “جولن” الإسلامية الإجتماعية والتي من المفترض أنها بعيدة عن السياسة طبقاً لما كان يردده “جولن” نفسه، ويملك الرجل سلسلة من المدارس و المراكز التعليمية في تركيا وجمهوريات أسيا الوسطى و في دول القوقاز وفي المغرب وكينيا وأوغندا،ويؤكد الباحثون في الشأن التركي أنه الأب الروحي لإسلاميي تركيا وأستاذ أردوغان.

وبدأ الخلاف يظهر بين الجانبين حينما اكتشف حزب أردوغان سعي “الجولينيين” الحثيث للسيطرة على جهاز الشرطة،عن طريق استمالة كبار القيادات بأموال تضمن ولاؤهم للتنظيم،وكان السجن هو مصير كل من حاول كشف العلاقات السرية المريبة بين تنظيم “جولن” وقيادات الداخلية،ومن بين هؤلاء على سبيل المثال، الصحفيان “أحمد شيخ” و”نديم شينر”،إضافة لمحقق شرطة سابق يُدعى “حنفي أفيتشي” الذي أدان في تصريحات علنية العلاقة المريبة بين أتباع “جولن” و ضباط لم يسمهم في الشرطة،قبل أن يتم الحكم عليه بالسجن لاتهامه بالإنتماء لمنظمة إرهابية!

رد فعل

التحرك الأخير من أنصار “جولن” يأتي كرد فعل على على قيام حكومة أردوغان بإغلاق سلسلة معاهد “درشان”، المملوكة لـ”جولن” وهي مراكز تعليمية تدر أرباحاً بالملايين جراء الدروس الخصوصية،فضلاً عن رفض أردوغان التعاون مع “الجولينيين” في الإنتخابات التشريعية المزمع إجراؤها في يونيو من العام المقبل، إذ أنه أعلن نيته الترشح بقوائم لن تضم سوى المقربين منه في حزبه ولن يكرر التحالف مع قوائم “جولن” ،وهو ما دفع اثنين من نواب البرلمان الموالين لـ”جولن” للإستقالة احتجاجاً على تعسف أردوغان و قيامة بتصفية رموز دينية ساعدته في الماضي على الوصول لسدة الحكم ،ثم أصبح يمارس عليهم تسلطه واستبداده مديراً ظهره لشركاؤه في النجاح،حيث أن الطفرة الهائلة التي حدثت في القرى والمدن الصغيرة و مساهامتها غير المسبوقة في ازدهار ونمو الإقتصاد التركي منذ عام 2004،ساهم فيه “جولن” وأنصاره بضخ استثمارات عملاقة بملايين الدولارات.

وفي غياب “جولن” قام أتباعه باستثمار أمواله في الصحافة والإعلام والمستشفيات وفي الجامعات ،فضلاً عن صناعات خفيفة وثقيلة وفي القطاع المصرفي، وفي عام 2005 أنشأ”الجولينيون” اتحاد شركات فيدرالي تحت اسم”توكسون”،الذي يضم 30ألف شركة من بينها 30 شركة هي الأكبر في البلاد على الإطلاق،ويتعامل اتحاد “توكسون” مع أهم رجال أعمال في أوروبا وأسيا،فضلاً عن أنه الممول والراعي الرسمي لكل الزيارات الرسمية التي يقوم بها رئيس الجمهورية عبد الله جول خارج البلاد، مقابل أن يطرح جول على مسئولي الدول التي يزورها تعاوناً ومشاريعاً استثمارية، في كل المجالات،ويُعهد بها إلى اتحاد “توكسون”، وحتى سياسة الانفتاح التي تبنتها تركيا تجاه القارة الأفريقية في السنوات الماضية،من خلال رحلات مكوكية لوزير خارجيتها أحمد داوود أوغلو، كانت تهدف في المقام الأول لخلق مجالات استثمار جديدة لمجموعة شركات “جولن”.

شخصيات مرفوضة

من بين الشخصيات”الجولينية” التي تمثل تهديداً قوياً لأردوغان في الانتخابات المقبلة وفي نفس الوقت يرفض التحالف معها،”إيلهان إيسبلن”(65عاماً)الذي خاض الانتخابات الماضية على قوائم العدالة والتنمية في مدينة إزمير،وكذلك “محمد شتين” الذي من المفترض أن يخوض الانتخابات المقبلة عن الدائرة السابعة في اسطنبول من خلال قائمة يقودها أردوغان بنفسه،ويبلغ “شتين” من العمر 48عاماً، وعمل مدرساً في مدارس “جولن” بتركيا و عدد من دول أسيا الوسطى بعدما درس الأدب الإنجليزي في بريطانيا،علماً بأنه عمل في الفترة ما بين عامي 2003و2008 مديراً لمعهد حوار الأديان الذي أسسه جولن نفسه في الولايات المتحدة.

تكسير عظام

صحيفة “ترف” الموالية لـ”جولن” هددت يوم الأحد الماضي بأنها سوف تنشر تسجيلات ومكالمات تدين أردوغان نفسه إن لم يتوقف عن ممارساته العدائية تجاه الجناح “الجوليني”، رداً على تصريحات رئيس الوزراء بأن هناك أياد تعبث بأمن و سلامة الوطن وأنه لن يتردد في كسرها ،ويرى كثير من المراقبين أن ما يحدث في تركيا حالياً عبارة عن قيام كل طرف بنشر الغسيل القذر للطرف الأخر،وفي إطار حرب تكسير عظام بدأت مبكراً استعداداً لإنتخابات بلدية و انتخابات رئاسية سيترشح لها أردوغان،وسينافسه فيها شخصية هامة جداً مقربة من “جولن” ولكن لم يتم كشف النقاب عنها حتى الأن.

دور الموساد

وإذا كان أردوغان نفسه ألمح في تصريحات صحفية لتورط السفير الأمريكي في أنقره في دعم تحركات معارضيه ضده،على اعتبار أن لجولن علاقات وطيدة مع الأمريكيين،فإن النسخة الإنجليزية من صحيفة “جيروزاليم بوست”الإسرائيلية نقلت عن مصادر أمنية رفيعة المستوى،أن جهاز المخابرات الإسرائيلي”الموساد”،هومن يقف خلف تسريب أدلة فساد أتباع أردوغان لمعارضيه،و طبقاً للمصادر العبرية،يأتي دور الموساد كعقاب لأردوغان ورئيس جهاز مخابراته”حاقان فيداني”،الذي قام بإبلاغ قاسمي سليماني رئيس فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، عن 10جواسيس إسرائيليين يعملون في طهران، وكان الجواسيس العشرة يلتقون ضباط مخابرات إسرائيليين في منازل آمنة بمناطق متفرقة بتركيا، وكانت تحركاتهم ومقابلاتهم تتم بعلم أنقره وفي إطار تعاون وتبادل معلومات مع تل أبيب، ولكن حينما باتت مصلحة أردوغان تحتم التقارب مع إيران، لم يتردد الأتراك في الغدر بأصدقائهم القدامى.

اعداد : محمد السباعى

شاهد أيضاً

التشاديون يتوجهون إلى صناديق الاقتراع لانتخاب رئيس البلاد

فتحت مراكز الاقتراع، صباح اليوم الاثنين، أبوابها لإجراء الانتخابات الرئاسية في تشاد. ويتوجه التشاديون إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *