18 مايو 2024 , 10:39

جنرال ورهبان وسحرة وتماسيح بقلم الكاتب والصحفى ابو العباس ولد ابرهام

ابو العباسمنذ 2007 قام في السنغال انتخابان رئاسيان وانتخابان بلديان وانتخابان برلمانيان. في هذه الفترة في موريتانيا لم تجرَ إلا انتخابات رئاسية محترمة واحدة قضى عليها الجنرال عزيز بانقلاب سخيف؛ وأقام انتخابات صورية مدة التسجيل فيها 5 أيام.

ومن يومها وهو يحكم بلا انتخابات وبلا مداولات وبلا توزيع سلطات أو لا مركزية أو حكم محلي (لا تعتبر انتخابات مجلس الشيوخ الجزئية 2010 استحقاقاً انتخابياً لأنها أولاً جزئية ثانياً هي انتخابات اقتراع غير مباشر، ثالثاً هي انتخابات مال سياسي)

منذ 2007 والشعب الموريتاني لم يعبّر عن نفسه كليةً إلا مرة واحدة تمَ فيها إلغاء تعبيره، وفرض “تعبير” عليه. الجنرال عزيز هو صاحب أسوأ رصيد في الديمقراطية في البلاد منذ عبد الله بن ياسين. ولد الطايع لم يعطِّل انتخابات حتى في حالة الطوارئ بعيد انقلاب يونيو 2003، وقام بانتخاباته في نفمبر الموالي.

الجنرال عزيز عطّل أكثر من انتخابات وصادر نتائج أخرى، وأعاد البلاد إلى المرحلة المتجاوزة حتى في العهد الطائعي من الانتخابات الأحادية، ضئيلة المشاركة. ليست انتخابات 2013 (الجزئية هي الأخرى) انتخابات حتى باعتبار أشد المتحمسين لها (اليمين الأصولي والتكنوقراطية ذات الإرث النضالي المعروفة بالتحالف الشعبي التقدمي). هذه انتخابات مساحتها لا تتعدى ظهر قملة: أكثر من مليون ومائتي ألف ناخب حُرموا من المشاركة فيها، وفيها عمليات شراء أصوات ومصادرة بطاقات وعدم توفرها للسحب قبل يوم الانتخاب، وفيها سحابة تزوير عاصف. وقد تم رفض مشاركة المعارضة التاريخية بكل حلافة وغلظة. ولولا أطماع النفعيين لكانت هذه الانتخابات مونولوجاً عزيزياً من نوع 6/6 المشؤوم.

وحتى كان حميدو بابا، وهو أحد رجال 6/6 الراشدين، لم يستطع ابتلاع انتخابات 2013. كانت انتخابات 2013 انتخابات بلا نقاش. لقد حرمها الجنرال من ديمقراطيتها وحرمتها الأحزاب المشاركة من المسحة النقاشية الضرورية لأي انتخابات. تحاول “جون أفريك” عبثاً نقل الانتخابات الموريتانية على أنها انتخابات نقاش، مُشيرة إلى نقاش المقاطعة تارة وتارةً إلى مواضيع “نقاش تمويل تواصل” التي أثارها ولد جعفر باعتبارها موضوع نقاش انتخابي. الحقيقة أن هذه صرخات في الظلام. ولم يستطع الألف عسكري ومتملق ومحظري أن يأتوا للأبواق بأي نقاط اختلاف، واكتفوا جميعهم بالتسبيح والحوقلة وادعاء تمثيل الذات العلية.

يكتفي الحزب الحاكم بإرشاد الناس إلى أمكنة التصويت، وحزب الحراك الشبابي هو حزب واسع الانتشار بين “سياسيين” لا يعرفون الكلام ويرتكبون حماقات مثيرة للبكاء. وعلى كل منبر انتخابي يتم لعن النظام التعليمي للبلد. وتبدو خطابات الحملة أقرب إلى مسابقات أنشودة الماعز منها إلى انتخابات حديثة. المحظري غارق في ترهاته، والعسكري يرغي ويزبد، والحراكي أبله، وفما عدا هذا تتجول الذئاب الطايعية بكل حرية وتلذذ. وماذا عن مخططاتكم لعلاج البطالة والصرف الصحي وتنظيف المدينة وتوسيع التعليم وتحسين جودته وضمانه للجميع؟ ومن أين ستحصلون وتصرفون العوائد الضريبية؟ صمت، وتمتمة. لا أحد يلوم الجنرال عزيز على لا ديمقراطيته. هذه طبيعته، وربما تربيته (المهنية، أو اللامهنية على الأصح). ولكن الأحزاب التي ادعت إرثاً نضاليا وتاريخاً ديمقراطياً، وافقت على انتخابات إقصائية لكل الطيف السياسي المحترم.

في السابق كانت تدعي تمثيلها للديمقراطية ونضالها عن المسكوت عنهم. اليوم هي جزء من نظام سياسي لتهميشهم وسرقة كراسيهم الخاوية. لحسن الحظ نعرف النهايات التعسة لمشروع المشاركة من الداخل. وقد كان حمدي ولد مكناس رجلاً عظيماً ومناضلاً وطنياً شريفاً، ولكن المشاركة مع النظام لم تكن خياراً صائباً لأن التاريخ أثبت أنه لا يمكن تغيير ولد الطائع بتوسيع قواعد اللعبة وفسحة النظام الديمقراطي. ولد الطائع لم يكن قابلاً للإصلاح من الداخل. والآن يتبين أنه لم يكن قابلاً للإصلاح حتى من الخارج لأن الضباط الذين أعقبوه أقلّ منه احترامًا للقانون.

لقد لام “المحللون السياسيون” أحزاب القصعة على أنها ستندم يوم لا ينفع الندم عندما يزور الجنرال عزيز الانتخابات ويُقصيها. وهذا لوم من كليلة ودمنة، وليس واقعياً. الحقيقة أنها تُلام ليس على أنها ستخسر، بل على أنها ضحّت بالديمقراطية التي تدعي الوقوف من أجلها مقابل مكاسب ساعة. ولا تهم مكاسبها وخسائرها، ومن دخل معها لعبة الجدوائية يقرُّ لها بمبدأ المشاركة مقابل النفع. هذا تفكير قوافلي ونفعي مثل تفكير هذه الأحزاب، التي لا تتورع، مثلها مثل ولد الطايع، عن استقدام الأموات والأديان في سبيل الربح وقوائم الأجور. لم تخسر أحزاب القصعة مبدئيتها فحسب، بل مزاعمها بالتغيير، فقد قام خطابها على أسطورة الصفوة وادعاء الملائكية والقدرة على إنقاذ شعب ضائع في عالم مادي ودنيوي رديئ، ولكنها ظهرت غير قادرة على التضحية وغير قادرة على مقاومة الملذات وشد البطن. إن من عجز عن الصوم ساعة والامتناع عن أكل الجراد غير قادر على تغيير مصائر الأمم وقيادتها في اللحظات العصيبة.

إن معركته معركة تمدد البطن، وليست تربية الأمم. إنهم طفيليون يتدافعون على الثريد. هذه انتخابات لا تعني من شهد بدراً الطائعية. دع الموتى يدفنون الموتى. لحسن الحظ هنالك لحن جميل في ترنيمة الجنائز هذه. لأول مرة غدا العمل الثوري منطقيا. كان يمكن دوماً متابعة السياسة بالمساومة مع الأنظمة، التي كانت تتيح نظاماً سياسياً احتوائيا في انتخابات حد أدنى. اليوم لم يعد هذا الإحتواء ممكناً، (حتى لمتواضعين أمثال كان حاميدو بابا أو الشيخ ولد حرمة). ولأول مرة أصبح الجزء الأعظم من الطبقة السياسية خارج المشهد السياسي “الشرعي”. هذه توصيفة انفجار. يمكن لأوروبا-أمريكا أن تحبك اتفاقات مع اليمين والعسكر. ولكن هذه، كما دوماً- محاولات الإلصاق بالريق. هذه مسرحية حاولها القذافي في 6/6 وقد بقيت حلماً صبيانيا لخليفة القذافي. هذه مسرحية. كانت ومازالت.

عن صفحة الكاتب على الفيسبوك

شاهد أيضاً

ولد الطيب : الحكمة والمسؤولية سمات لازمت قيادة حزب التكتل

بسم الله الرحمن الرحيم.لم أتفاجأ بالقرار الصائب الذي اتخذه حزب التكتل بدعم المرشح فخامة الرئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *