1 مايو 2024 , 13:03

المرأة و النشء ضحايا النشاز السياسي و الإعلامي/الولي ولد سيدي هيبه

AAB_0773

إذا كانت المرأة و النشء في الدول المتقدمة و البلدان التي تلمست من بعدها طريق استقامة الشأن هما محط الاهتمام الأول في لب سياساتها و توجهاتها و خطبها و فلسفاتها و برامجها فإنهما في هذه البلاد، و على العكس من كل ذلك، الضحية الأولى بالنسبة للنشء، و المطية الذلول بالنسبة للمرأة. حقيقة تدعمها على أرض الواقع كل القرائن و تبين بها كل الأفعال المصرفة في زمن السياسة و الإعلام الجاريين.

و إن المتتبع للشأن السياسي لا بد أن يلحظ، على مستوى جميع الأحزاب باختلاف عقائدها و خطاباتها، ضعف حضور المرأة “المُنتزع” و كثرة التمثيل الغَرضي المُجامل و المُموه الذي لا ينتقص من الحضور و التصدر “الذكوري” حراكَ المشهد قدرَ دانق من القيادة و توجيه القرار. حقيقة أخرى لا يغير فيها ما يرتفع من الأصوات المطالبة بمساواتها في الحقوق و الواجبات مع الرجل في ظل ما هو قائم لم يتغير من تأثير النظام الاجتماعي التقليدي التمييزي القبلي التراتبي، الاثني الطبقي، الشرائحي المهين و الارستقراطي الاستعلائي، نظام انتكاسي يوظف السياسة و يطوعها بشتى الوسائل لمفاهيمه و تراتبيتها المحسوب جزء منها معتبر إدعاء و رياء على الشرع الإسلامي و هو منها براء براءة الذئب من دم يوسف إذ الإسلام دين مساواة و أخوة و ألفة و لحمة يهدي للتي هي أقوم و لا فضل فيه لأحد على أحد إلا بالتقوى.

و إذا كان صحيحا أن جزء كبيرا و حيويا من شريحة النساء الموريتانيات يتمتع بحضور طافح على مسرح الحياة فإنه حضور شكلي يديره إلى مآربه و مقاصده حراك “ذُكوري” ضعفت من كثرة الخلافات و النزاعات الجاهلية “رجولتُه” و انكسرت شوكةٌ عنفوانه و تمرغت في الوحل كبرياؤه، حتى تحول في الظاهر و على السطح إلى مجتمع “أمُومي” تحركه غريزة الأم و يحتمي في أحضانها عند المصائب و الانتكاسات ٍالسياسية يَدفعُها إلى الواجهة لتنتزع له ما زاحمه عليه أترابه بشأن تعينات في الوظائف و صفقات ربحية و في المناقصات الوهمية و غير ذلك من المكاسب داخل حظيرة تقسيم كعكة المال العام و الحضور في مراكز التسيير و القرار.

و لا تجد هذه المرأة، التي يتم إعدادها و تجيِيشها عند المناسبات و المواسم السياسية الكبرى لحمل الألوية و الدفاع عن الكيان الانتمائي الحاضن في دفئ ضيقه، مع كل هذا الحضور الذي يرتفع حوله ألف صوت و صوت، لا تجد إذا إلا الذي تُقدم ريعه مجدا و مكانة لذويها من الذكور. فهذا الإعلام كله و المرئي منه على وجه التحديد لا يخصص لها من مادته “الدسمة” القليلة إلا بعض حضور التقديم و التلوين و الديكور. و أما البرامج المخصصة لها في العمق فقليلة لا تتجاوز بعض أحرف باهتة كنون النسوة في تمييز تجاوزته أمم إلى فرض ندية المرأة و الاعتراف بعطائها؛ برامج خالية من الرافعات إلى أعالي مستويات الإبداع و البذل و العطاء.  

و أما النشء فوضعيته الحساسة لا تبين عن استقامة إذ المدارس عاجزة لأسباب يختلط فيها الموضوعي و العبثي عن أداء دورها التربوي القويم و خلق الأجيال المنقاة من أدران الماضي السميكة و إذ السياسة لا تعبأ هي كذلك إلا أن تلقنه ما ينضح به روادها و متعاطوها في المقامات المتقدمة من:

·        انتهازية،

·        و حربائية،

·        و سعي إلى الوظيفة السامية،

·        و المال العام،

·        و الإفراط في المسؤولية إرضاء لهواجس الجاه و التحكم،

هو إذا نشأ معد سلفا و عن سبق إصرار ليرث الوضع على ما هو عليه ريثما يشتد ساعده على إدارة الكأس. و أما وجهه في الإعلام فقاتم هزيل بل و ضامر غائب، فلا سياسة مرسومة بأهداف و برامج و أطقم و ووسائل تبرز أهمية النشء في الحاضر و المستقبل حتى لا تكاد ترى في كل أوجه هذا الإعلام و منه المرئي بالدرجة الأولى، لما يتمتع به من قدرة على التجسيد في الواقع و الالتحام بالحياة العملية، ما يبين عن أي اهتمام أو توجه إلى هذا الركن الذي لا قيام لبلد بدونه و لا استمرارية. و إن المتتبع و الراصد لمخرجات الإعلام كما هو الحال بالنسبة للسياسة لا يكاد يقف على صناعة إعلام تربوي تسعى إلى تلافي الثغرة الكبرى التي تسببت فيها ميوعة التعاطي الإعلامي السياسي يدعمها الارتكاس الفكري، و البؤرة المتسعة لارتهان الحاضر و ابتلاع المستقبل بسبب الأيدي المغلولة إلى الأعناق عن العمل الميداني الهادف إلى البناء في ظل التغيير الإيجابي الدائم.

و هو ذات المتتبع الذي لا تكاد تقع له عين على دروس نموذجية يحضر مادتها و يلقيها المتخصصون من التربويين و المنهجيين، و لا على رسوم كرتونية هادفة منتقاة، أو ألعاب بالغة الدقة لشحذ الذكاء، أو أية أنشطة أخرى كالمسرح و زيارات المتاحف و المدن الأثرية و المصانع و الورش و الدفاع المدني و لا تنظيم أيام أعمال تطوعية أو إطلالات كشفية.

و بالطبع فإن التعاطي السياسي الصحيح في الدول المتقدمة و في مثيلاتها من سارت على خطاها هو الذي حقق للمرأة و النشء و الشباب المكانة المرموقة و الدرجة الممتازة التي تزدهي بها اليوم و تجني ثمارها وعيا و نضجا و سلامة عقل و قوة بدن و إبداعا ونفاذ بصيرة و مشاركة فعالة و جوهرية في عملية البناء المستديمة و خلق الرفاهية المشتهاة. و أما البلدان التي تخلفت عن هذا المسلك فإنها تعاني من اختلالات كبيرة تنعكس و تؤثر بشكل بالغ على الواقع المتردي و لا تحمل مطلقا بشائر المستقبل الواعد مثل ما هو الحال في هذه البلاد و إن أنكر المرجفون و حاولوا حجب الغابة بالشجرة.

فهل يصحح سياسيو البلد الوضع المختل فيغيبوا في وجهة جديدة آثام ما فات و يطلقوا بشجاعة و بالثلاثة الجاهلية السياسية؟

و هل يسلط الإعلام بما تقتضيه و تفرضه رسالته النبيلة الضوء على الوجه القاتم و السلوكيات المنحرفة في الأداء السياسي و واقع انحرافه و ضيق نظرته إلى المرأة و النشء و حتى بعدما يكشفه و يلغي كل مساوئه فلا يتم التوقيع بالنتيجة على التأخر عن رحلة المستقبل؟

كل الدلائل و المؤشرات لا تبين بقرب حدوث ذلك اللهم أن يحدث زلزال على أرض تبعد كثير جدا عن كل مراكز نشوئها فتحرك راكد الأمور لتنفتح آفاق التغيير و ترفع من جديد القواعد المقاومة لسرح قابل للارتفاع إلى أعالي التحول الإيجابي الذي تتطلبه المرحلة الحرجة.

شاهد أيضاً

“كرنفالات”ومواسم الهجرة إلي النفاق إلي متي..؟ محمد عبد الرحمن المجتبى

سِيدِ ذَاكْ اَلْجَاكُمْ @ فَـاتْ أكَبَلْكُمْ جَانَ @ وَاسْوَ عَادْ اَمْعَاكُمْ @وَاسْوَ عَادْ اَمْعَانَ يحكى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *