المُطبّلون (المُكافأة من جنس النّفاق)/محمد عالي ولد عثمان

Sans titre

قفز إلى ذهني و أنا أحتسي القهوة مع صديق أمريكي سؤال ملح، ماهي معايير التعيين و الترقية عندكم يا ” تيم ” قال هو معيار واحد ….الكفاءة، فرددت بــ”ـحسنا ” و الخوف يتملكني من أن يرد علي السؤال و الحمد لله أنه لم يفعل…!!

لم يحدث في تاريخ النظام الحالي أن تم تعيين أشخاص لكفاءتهم فقد كان المعيار ومازال هو درجة نفاقهم و تملقهم، فيكفي نشر مقالات تمجيد و تصفيق لينتبه لك أحد المقربين من النظام و يصدر مرسوم تعيينك بسرعة بعدها. هي طريق مختصرة جدا لمن تخلى عن كرامته و قيّمه و أخلاقه.

ظاهرة التطبيل عريقة لدى العرب و الأفارقة و يعود لهم ” الفضل ” في اختراعها و تصديرها للعالم. و من أشهر أمثلتها شاعر منافق في عهد مصر الفاطمية و الذي علّق على زلزال ضرب مصر في تلك الحقبة قائلا:

ما زلزلت مصر من كيد ألمّ بها *** لكنها رقصت من عدلكم طربا

و آخر في أدبيات التطبيل، حيث يُقال إن رجلا و من شدّة تطبيله و نفاقه لرئيسه قام بالتبرع بكليته له دون أن ينتبه أنه تبرّع بالأولى لرئيس قبله…فمات بطبيعة الحال ..!!

و نشرت إحدى الصحف المحسوبة على البلاط الملكي المصري في عهد الملك فاروق خبرا يفيد باصطياد هذا الأخير لــ344 بطة فيما تمكن السفير الهندي من اصطياد بطة واحدة.

يقوم مبدأ التطبيل و النفاق على الاستخفاف بمعاناة الشعوب و تحريف كلام المعارضين و تشويه سمعتهم و إظهار الحاكم بأمر نفسه كحاكم بأمر الله ، و قد عانى الشرفاء من المطبلين فقد ضمّنهم الكواكبي كتابه طبائع الاستبداد و أشار إلى خطورتهم و تحدث عنهم عالم الاجتماع العراقي علي الوردي الذي تنبأ بطول المعركة بين المصلحين و المطبلين و وصفها بالمعركة بين الخير و الشر انتهاء بالزعيم الوطني البحريني عبد الرحمن الباكر الذي لخص في كلمات أوصاف و أطماع و نهاية المطبلين فقال :

أيتها الشرذمة الضالة: لفقوا ما شئتم من أكاذيب وأبذروا ما أردتم من بذور البغضاء والدسائس الفاسدة واستلموا ثمنا لها ما استطعتم من مبالغ وترقيات ومقاولات، فان الشعب يعرفكم فردا فردا.

والشعب لا بد وأن ينتصر وعندئذ تحين ساعة الحساب وستعلمون أي منقلب تنقلبون

و بما أن معيار الإبداع في التصفيق و النفاق مُقدّم على الشهادات و التحصيل العلمي بشكل عام للطامحين في التوظيف في موريتانيا فقد نشطت هذه الشريحة بقوة و استحوذت على أغلب المناصب في وقت قياسي، استحواذ استعملت من أجله أدوات منها الظهور التلفزيوني و الذي شهد طفرة بعد رواج ما بات يعرف بالمبادرات الداعمة لفخامته و التي وجدت فضاء رحبا على قناة شنقيط حيث تناوب وجهاء القرى و المقاطعات و البلديات و المدن على تقديم فروض الطاعة و الولاء طمعا في مكافأة الزعيم لهم و التي تتمثل دائما في تعيين أحد الأبناء في منصب مهم قد يصل لمرتبة وزير.

كما يلعب التطبيل الالكتروني دورا و مساحة مهمة على خارطة التطبيل الوطني حيث انتشرت العناوين المُمَجدة لفخامته و المُعظَمة لكل خطوة يقوم بها و التي تصوره كبطل خارق و منقذ  قادر على القيام بمعجزات ليدخل نوع جديد من التطبيل تمثل في ظهور لافتات في الشوارع و على الأعمدة و البنايات و ملتقيات الطرق تناشد الشعب خرق الدستور و السماح للرئيس بتحطيم رقمي الرئيسين الأنغولي و الكونغولي في الجلوس على كرسي الحكم.

و أخيرا و ليس آخرا الأئمة و العلماء الذين أدمنوا لعق السكر المنثور على البلاط، علماء يعتبرون الخروج على ” الحاكم ” من أشد المحرمات و يقحمونه في كل محاضراتهم تذكيرا و تحذيرا.

المكافأة من جنس النفاق هذا هو المبدأ الذي اعتمد عليه الرئيس الحالي و تلقفه عديمو الضمائر و الأخلاق فتصدر المُطبّلون المشهد السياسي و ازدادوا ثقلا و نفوذا و تلبّس الأول بروح الفرعون و هو يردد ” ما علمتُ لكم من إله غيري”  فهل يعتقد أنه بمكافأته للمنافقين و جلوسه وسط حلقة منهم سينجيه من غضب الشعب، الشعب الذي يُشحن يوميا بالإحباط و الاكتئاب و الجوع و الظلم و لا ينتظر لينفجر سوى إشعال الفتيل فهل ينتبه و ينزل للشارع و يزيل الحجاب الذي وضعه المنافقون بينه و بين شعبه فيسمع منهم لا عنهم و يسارع في اتخاذ إجراءات من شأنها التخفيف عنهم و مساعدتهم على عيش حياة كريمة أم ستأخذه العزة بالإثم ممهدا لنفسه طريقا مشابهة لطريق سلكها زملاء له في القارة.

محمد عالي ولد عثمان

medali.outhm@gmail.com

طالب هندسة برمجيات

شاهد أيضاً

البنك المركزي الموريتاني يحصل علي منحة مساعدة فنية من البنك الإسلامي للتنمية ( بيان) 

في إطار مواصلة تطوير ودعم التعاون المثمر بين البنك المركزي الموريتاني والبنك الإسلامي للتنمية وقع …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *