29 أبريل 2024 , 10:09

الخواء الثقافي.. علة الرافضة أم آفة العاجزة/الولي ولد سيدي هيبه

SAM_0773

في كل عمق كل بلدان الجوار و على غرار دول العالم المستنير يَنبضُ قلب “الثقافة” بدقات معارض الكتب و أماسي الفلكلور المصفى من وعثاء الزمن الحالك؛ دقات قلب تكشف عن انتظامها و حيويتها في محابر ألوان و خيوط ريشة و فرشاة الفنون الجميلة لتتراقص حية على أضواء جدران معارض التشكيلي و في مساحات المنحوتات و قاعات العروض السينمائية و فوق خشبة المسارح الناطقة باحترام العقل و الذائقة البشرية الرقيقة المتمدنة والمميزين للإنسان السوي عن بقية الكائنات، و هي بذاك النبض الملهم تكون:

·        الثقافة الراقية التي يمتلك كل فرد منها نصيبا أيا كانت الزاوية أو المنحى أو الوجه الذي ينظر منه إليها أو يلامس روحها فيجد ذاته و يحس قيمته و يرى ضرورة و وجوب عطائه؛

·        الثقافة التي تُحيي موات الضمير البشري و تذكي جذوة الذكاء الإيجابي لينضح العقل بالإبداع فينتج فكرا تترجمه الحاجات إلى ماديات جليلة و يعطي ملموسا يرقى إلى الفكر في سموه، و ينصت فيسمع مناجاة خرير الحياة في أكثر و أبهى تجلياتها كمالا فلا يلوث دفقها و لا يحول عن مصبها وجهة مجراها الذي يحمل في رحلته الأزلية طمي الحياة و سموها.

إنها مشاهدات تلفزيونية قرصتني بشدة فآلمتني أولاهما من إحدى القنوات الجزائرية و هي تغطي فعاليات مسرح مدرسي غزير شاركت فيه عديد الفرق من البراعم يجيدون التمثيل و يغنون الوطن يشيدون بتاريخه و ثورته و لحمته و دينه و لغاته وسط تأطير بالغ الحضور و الوعي و الجد و الإيمان بالمسؤولية العظمى. قمت بسحب الأمر على واقع حقل التربية عندنا فاعتصر قلبي ألم حاد و مزق مغصٌ بألف ضرس كل أحشائي.

و أما المشهد التلفزيوني الثاني فمن السنغال حول معرض للكتاب نصف أجنحته عن المؤلف الوطني فاندهشت لغزارته و تنوع اهتماماته من العلمي التجريبي للإنساني و التربوي بكل أبعاده إلى الفني و تجلياته العديدة و بتعبيراته المختلفة فسحبت الأمر على واقع التأليف و الإنتاج العلمي المعرفي عندنا فسرت في جسمي قشعريرة أخرستني عن التعبير عن المرارة و الحسرة و الصدمة و الألم اللذين أحسستهم فرادى و مجتمعة. و قد تضاعف ألمي من جراء ما تبادر إلى ذهني من استعلائية معرفية لدى الكثيرين من أفراد نخبتنا في غير ما إنتاج يلجم عن عيب ذلك؛

و أما المشهد الثالث فجاء من قناة “المرابطون” المحلية و تحديدا في حلقة مميزة من برنامجها الحواري “المشهد” حول “واقع و تحديات فن المسرح في موريتانيا” و قد استضاف المسرحي الكبير و رئيس جمعية المسرحيين الموريتانيين ولد ميني. و ما كادت الحلقة الثرية بالنقاش الجاد تنتهي حتى  انتابني شعور ثلاثي الأبعاد حيرة و استياء و غضب. فلا جهدا مسرحيا قام به الرواد لقي تشجيعا و دعما و لا هو أقنع بالإصرار و الشجاعة و لا الجمهور التحم به و رسالته العتيدة إن تضافرت لها اهتمام و تشجيع السلطات، و إصرار و إبداع المسرحيين أصحاب رسالته، و جمهور طلق مع المفاهيم الرجعية و نأى بنفسه عن التقوقع في أحضان الأحكام المسبقة و خرافية التأويل.

مشاهد ثلاثة عابرة في مشهد إعلامي نابض بالإبداع من حولنا جعلتني أفتش عن النخبة في هذه البلاد لأسألها عن هذا الركود السافر و بأي حق تُميع الحقل الأهم في ترسيخ قواعد بنيان الكيان هي صاحبة المسؤولية الأولى عنه أم أنها بما حصلت من رفيع المعارف و جليلها و من قيم العلوم و أدقها مستكبرة عن النزول إلى المدرج الأول لتلقين أفراد أمتها قواعد الصعود و تشعل الشموع لطرد الظلام، إذ مَنْ للمسرح سيد الفنون و معلم الشعوب سواهم بنظرتهم الثاقبة و أقلامهم الحبلى بالحرف و باصطفاف معارفهم إلى المدنية و سموها عطائها؟ استكبارٌ إن كان منه فقد ضاع المستقبل و تلاشى ما يكون مما فرضه ميلاد الدولة الجديدة و مسحةِ العصر التي غشيت أرجاء المعمورة فاستنار بها الكثير و اقتبس منها الكثيرون و لم يتسن لآخرين ذلك و رفض العديد و عجز البعض.

و يبقى السؤال الوارد دون سواه: إلى أي الفريقين الأخيرين ننتمي؟ هل علة الرافضة أم آفة العاجزة؟ أم هما معا؟ و ذاك أقرب إلى تفسير المصاب.

شاهد أيضاً

رأي فنيّ بحت حول المرسوم الرئاسي القاضي باستدعاء هيئة الناخبين لانتخاب رئيس الجمهورية (اقتراع 2024)

إن المعتبر في الأجل الدستوري لتنظيم الاقتراع المتعلق بانتخاب رئيس الجمهورية قانونا هو الشوط الأول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *