19 مايو 2024 , 1:36

باباه.. يغطي من الدوحة زيارة لأطار..

263_0

لا يستطيع الإنسان أن يتمالك نفسه من الضحك، وهو يطالع فصلا من فصول السخافات المتلاحقة التي يبدع في نسجها “كتَبة المعارضة” ومتثاقفوها الذين أدمنوا تدبيج الكلام الفارغ الذي بات شاهد عدل على فقر زادهم وضحالة ما يطرحونه من “أفكار؟” مبتذلة ورخيصة،

وبعد أن استنفدوا مخزونهم الهائل من الأكاذيب والإشاعات والدعايات المغرضة، انتقلوا مؤخرا إلى مرحلة التفلسف.. فانتدبوا لتلك المهمة فيلسوف زمانه وأزمنة أخرى.. باباه سيدي عبد الله! فما الفكرة البكر التي تفتق عنها ذهن هذا العبقري؟

قبل الفكرة يحسن بنا أن نتعرف على عنوان المقال/الأطروحة.. “سؤال الدولة ودولة السؤال”.من الواضح أن هذا الكاتب الألمعي عجز أن يضع عنوانا معقولا ومقبولا وذا مغزى لأطروحته، فلم يعد أمامه إلا التلاعب بالألفاظ على طريقة شعراء عصور الانحطاط الذين كانوا ينفقون السنين والأيام في تدبيج قصيدة خالية من المعاني، أو صياغة أبيات يمكن قراءتها أفقيا وعموديا، أو شعرا يمكن قراءته معكوسا، أو خطبة مسجوعة تخلو من الأحرف المنقوطة، إلى غير ذلك من الألاعيب اللغوية البهلوانية التي تشهد على انحطاط ذلك العصر وخوائه وفراغه، وهكذا فعنوان صاحبنا العبقري هذا، لا يختلف عن قول أحد “معارضة الموالاة، وموالاة المعارضة” و “غباء الصحفي، وصحافة الغباء” أو “سخافة المقال، ومقال السخافة” وخلافه.

ولكن ألا يجدر بنا أن ننصرف إلى مضمون المقال، دون أن ننشغل بالشكليات؟ ألا يجوز أن يكون هذا العبقري قد خانته العبارة ـ وكثيرا ما يحدث ذلك ـ حتي قيل إنه “كل ما اتسعت الرؤية ضاقت العبارة.”

الحقيقة أنها فكرة جيدة، وما دام الأمر كذلك فلنبدأ من البداية. “كان الرئيس الموريتاني الرئيس الأوحد الذي جلب وزير ماليته إلى مناورات “رعد الشمال” !!!!!!!!!!!!!!!!!:

أنفق الكاتب كل ما يملك من علامات التعجب وأمارات الاستغراب والانبهار، لكنه قضم الحقيقة كما يقضم الفاسدون ميزانيات مؤسساتهم.. وزير ماليته! أين كان وزير الاقتصاد وقتها؟ إنها البهلوانية نفسها فحين يجتزئ الكاتب اسم الوزارة ليقتصرها على المالية دون الاقتصاد، فهو يحاول،  مثل البهلواني تماما، أن يُخادع القارئ ويتذاكى عليه لأنه لا سبيل إلى إنكار العلاقة الوثيقة والصلة المتينة بين التعاون العسكري، والتنسيق الدبلوماسي، وبين التعاون الاقتصادي ولا غرابة أبدا في أن يحضر وزير الاقتصاد عرضا عسكريا، أو تتضمن زيارة من هذا النوع محادثات ذات طابع اقتصادي وتنموي خصوصا في هذه المرحلة بالذات! ولعل هذا ما يفسر إسراف الكاتب، ألهمه الله صواب أمره، في استنزاف مخزونه من علامات التعجب، لإيهام القارئ بعبقرية اكتشافه.

لقد اصطحب الرئيس وزير الاقتصاد والمالية في زيارة لإحدى الدول العربية.. كان الأمر على هذا القدر من الفداحة! وما يجهله الألمعي، ضمن أمور كثيرة أخرى يجهلها، ويجهل من جهله جهله لها، أن وزير الاقتصاد والمالية هو وزير الخارجية بالإنابة، ومن ثم سافر مع الرئيس بهذه الصفة إذ كان وزير الخارجية يحضر اجتماع وزراء الخارجية العرب في القاهرة لانتخاب أبي الغيط أمينا عاما للجامعة العربية رغم أنف من يدفعون للألمعي آخر الشهر…

أما الطامة الأخرى التي اقترفها الرئيس فهي أنه استقبل وزيرا سعوديا على انفراد.. إنّ هذه الجريرة تكفي للإطاحة بـ “النظام”… لا يمكن أبدا تفسير ذلك! لأن الرجل هو “حامل الأسرار الملكية”.. هذا الأمر في غاية الخطورة.. فعلا.

أكثر من ذلك لم تتوقف الأمور عند هذا الحد، فالوزير الأول ووزير الداخلية ووزيرة الشباب والرياضة، استقبلوا جميعا السفير السعودي في نواكشوط، أليست هذه سابقة من نوعها في تاريخ الديبلوماسية الدولية، يتساءل صاحبنا..

سريعا.. يتحول كاتب المقال/الأطروحة من بهلواني في سيرك اللغة، إلى محلل للشؤون الإستراتيجية، محلل من طراز رفيع! يحلل أبعاد العلاقات الدبلوماسية بين موريتانيا والسعودية، يلخصها في جملة واحدة.. وسرعان ما يتحول إلى حكيم من صنف لبيد.. “من لا يشكر الناس لا يشكر الله” هكذا ختم تحليله الاستراتيجي! ولكن الكاتب ينتبه إلى مهمته الحقيقية، إنه ليس بهلوانا لغويا فقط، كما زعمنا، وليس محللا استراتيجيا فحسب كما أوحت بذلك بعض ايحاءاته الذكية، إنه أيضا.. طبّال!

“لم تقصر المملكة العربية السعودية الشقيقة يوما في دعم موريتانيا،حتى في ظل بعض التصرفات “غير الودية ” التي طبعت العلاقات السياسية بين نواكشوط والرياض”(…) ودور المملكة في مساعدة الدول الإسلامية والتضامن معها لا ينكره إلا مكابر جحود، فكم من رئيس دولة (أربعة على الأقل أعرفهم) حج أو اعتمر وجلب معه في حقائب العودة ما يفك به أزمة رواتب موظفي دولته، أو يقضي به ديْنا حالاًّ لا قِبَلَ لخزينة بلاده بدفعه، أو ينظم به قمة أو مؤتمرا دوليا…”

هنا فقط اتضحت موهبة الكاتب، ووجد سَمتَه الذي أضاعه ـ طيلة المقال ـ إنه يتدفق بعفوية ولا يجد أية صعوبة في التعبير عن معانيه، لذلك فهو يستفيض، قدر المستطاع، في كيل المدائح للسعوديين لأن ذلك، من بين أمور أخرى، يدغدغ موهبته القديمة التي تفتحت أيام كان مهرجا في بلاط ولد الطائع، وأحد الطبالين اللصيقين بالرجل، والمتمسحين بأحذية كبار الضباط وأباطرة الفساد ورجال الأعمال والسماسرة  في عهد ولد الطائع، لقاء الانعام عليه بفتات الموائد وفتات المهام القذرة!

عندما زار ملك المغرب محمد السادس موريتانيا، في شهر سبتمبر 2001 كان باباه سيدي عبد الله يعمل، من ضمن مهام أخرى، مراسلا لإذاعة “ميدي1” وفي أحد اتصالاته مع الإذاعة ضمن تغطية برنامج الزيارة، زعم هذا المراسل، الذي يتناول الشاي في نواكشوط، أنه يستقبل الملك، هذه اللحظات، في مدينة أطار شمال موريتانيا، التي خرج سكانها عن بكرات آبائهم وأمهاتهم في استقبال عز نظيره في التاريخ، لجلالة الملك، أمير المؤمنين محمد السادس نصره الله… بينما كانت طائرة الملك تحلق في رحلة الإياب من نواكشوط إلى الرباط، بعد إلغاء الزيارة إثر هجمات الحادي عشر من سبتمبر…

أسئلة باباه في مقاله/الأطروحة، لا تختلف كثيرا عن أجوبته، في تقرير زيارة محمد السادس لمدينة أطار التي لم تطأها قدماه حتى يوم الناس هذا..

عندما اكتشف جان باتيستغرونوي، بطل رواية العطر(Das Parfum, die GeschichteeinesMörders) للروائي الألماني، باتريك زوسكيند، أنّه يعبر غير مرئي، بين الناس، لأنه بلا رائحة، استحوذت عليه الرغبة العارمة، باختلاق رائحة خاصّة من عطور يستخلصها من أجساد العذارى بعد قتلهن، أن تكون مرئياً هو هاجس لتبرير الوجود، وأن تكون غير مرئي، هو هاجس قد يدفعك إلى حماقات، أو كتابة مقالات سخيفة! ليغطي من الدوحة زيارة لأطار…

عبد الله فال

شاهد أيضاً

ولد الطيب : الحكمة والمسؤولية سمات لازمت قيادة حزب التكتل

بسم الله الرحمن الرحيم.لم أتفاجأ بالقرار الصائب الذي اتخذه حزب التكتل بدعم المرشح فخامة الرئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *