6 مايو 2024 , 11:16

منصور : الفساد ينتقل من جيل الي جيل

01

لا يمكن للدول العربية التي تشبه العنقود الذي تتجاوز عدد حباته العشرين حبة ، أن تلحق بركب الحضارة والشعوب المتقدمة والمتطورة في العالم ، ما دامت تعاني من حالات الفساد الذي يعشش داخل قصور الجلالة والفخامة منها ، وداخل غالبية مؤسسات الحكم فيها ، ويعشش أكثر داخل عقول غالبية المسؤولين فيها وداخل بيوت وعشش الملايين من مواطنيها .
ما يميز هذا الفساد عن غيره من الفساد داخل الدول الأخرى ، انه ينتقل من جيل الى جيل ، وتتسع مساحته كل يوم ، تواجد داخلها قبل الاستقلال لكنه استفحل أكثر بعد هذا الاستقلال ولم تتخلص منه حتى اليوم ، حيث كنا نراهن أن طرد الاستعمار سيخلق دولاً وأنظمة ومفاهيم جديدة تليق بالتضحيات والشهداء وأبواب الزنازين التي كانت تحضن بين جدرانها الذين صمموا على التغيير ولو كلف هذا التغيير حياتهم وسنوات عمرهم .
لا نستطيع تسليط الأضواء على الفساد وحصره بمقال ، لكن يبقى الفساد السياسي من وجهة نظري يقف في مقدمة مسببات مظاهر الفساد بكافة انواعه ، والتاريخ شاهد على ذلك ، فعندما كانت مثلاً الدولة العثمانية في أوج عظمتها ، أبتعد سلاطينها عن حياة البذخ والترف ، وكان السلطان يقود الحملات العسكرية بنفسه ، ولكن عندما أخذت الحريم تتدخل في شؤون القصر ، ومال السلاطين الى حياة المجون والبذخ بدأت الامبراطورية بالعجز والتدهور ، هذا كان حال الدولة الأموية والدولة العباسية وغيرها .
الفساد السياسي في عصرنا الحاضر ينعكس على كافة مؤسسات الدولة ومن ضمنها الجهاز القضائي ، كما أنه قابل لأن يكفر بالتعددية وحرية التعبير ، وقابل لأن يكون رهينة بأيدي قوى عالمية خاصة الامبريالية منها ، كما ان الانظمة الفاسدة داخل الاقطار العربية تعتبر نفسها الضمان الوحيد للحفاظ على الأطر الطائفية ، أو الأطر السلفية ، لأنها تعتقد ان بمقدورها استخدام هذه الأطر للحفاظ على وجودها واستمرارها .
الفساد السياسي دمر الدول العربية ، وفكك نسيج مجتمعاتها ، وزاد من حالات التسيب والفقر والمحسوبية بين طبقات المجتمع ، وما نظام زين العابدين بن علي في تونس ونظام مبارك سوى أمثلة لمثل هذه الأنظمة ، أما في الأنظمة الملكية فمظاهر الفساد في الحكم ظاهرة للعيان في كل من المغرب والسعودية وأنظمة الخليج الوهمية ، التي تحاول دائماً توفير أنواع من ” اللهايات ” لإشغال شعوبها ، وتحاول دائماً اثارة الجدل العقيم بين المواطنين ، كما تحاول زرع بذور الفتن والانقسامات داخل مجتمعاتها .
من أنواع ” اللهايات ” التي استخدمتها الأنظمة العربية منذ استقلالها مسألة القضية الفلسطينية والعداء لإسرائيل ، حاولت هذه الأنظمة حشد الجيوش والأسلحة والاستعداد لليوم الموعود كما اعتبرته ، وهو يوم تحرير فلسطين ، واتضح بعد ذلك أن غالبية الأنظمة لم تكن جادة وأن هذه الأسلحة التي كدستها والجيوش التي أعدتها من أجل ضمان بقائها في السلطة ، كانت فلسطين بالنسبة لها شماعة علقت فوقها عقدها وخلافاتها مع بعضها البعض ، كما استخدمتها ذريعة لأثبات وترسيخ حكمها المستبد ولضرب معارضيها وزجهم داخل الزنازين ، وهناك أنظمة استثمرت هذه القضية للربح المالي ، كلنا نذكر أن المطلب الأول للاردن قبل عقده الصلح مع اسرائيل خلال مؤتمرات القمم العربية ، كان الدعم المالي ، لأنه كان يتباكى على فلسطين ويدعي بأنه يقف في مواجهته اسرائيل على أطول خط لإطلاق النار .
رافق هذه اللوحة الكاذبة من العداء لإسرائيل التباكي على الوحدة العربية ، لكن انفراد هذه الأنظمة في السلطة حال دون تحقيق أي نوع من أنواع الوحدة المدروسة ، مما أفشل جميع المحاولات لإقامتها .
بعد رحيل عبد الناصر وحرب السادس من اكتوبر ، قلب السادات اللعبة السياسية داخل مصر خاصة والشرق الأوسط عامة عندما عقد صلحاً منفرداً مشوهاً مع اسرائيل ، لم يضمن هذا الصلح حلأً عادل للقضية الفلسطينية ، بعد هذا الحل الانفرادي وجدت الأنظمة العربية وشعوبها نفسها أمام واقع جديد ، واقع يسوده الرفض أو التردد والجدل الذي انتهى بسقوط نظامين عربيين آخرين في شرك انهاء الصراع مع اسرائيل ، رغم انها لم تمنح الشعب الفلسطيني أي حق من حقوقه ، النظاميين المقصودين هما منظمة التحرير الفلسطينية التي وقعت ضحية لنكران عربي بدأه الملك حسين في ايلول الأسود وأكمله السادات في كامب ديفيد وانتهى بالخروج من بيروت وما تلاه من اعتداءات ومطاردات ونكران غربي دولي للحق الفلسطيني .
الاردن رأى باتفاق اوسلو فرصة لتحويل علاقاته السرية مع اسرائيل الى علاقات علنية ، لأن هذا كان حلم العائلة المالكة في هذا البلد منذ عام 1948 ، اتفاق كامب ديفيد واتفاق اوسلو واتفاق وادي عربة ، زادت جميعها من جشع اسرائيل وضاعفت من عدوانها ضد الفلسطينيين فتحول الاحتلال الى استيطان كولونيالي لا رجعة عنه ، كما أن العالم رأى بهذه الاتفاقيات التزامات دولية يجب على العرب احترامها ، كما أنها أسقطت فلسطين وقضيتها من سلم الأولويات لدى الشعوب العربية وحكامها .
لم تعد فلسطين ملعباً للقاءات العربية ، وحتى الاسلامية ، وبقي الشعب الفلسطيني وحده ، وعلى الرغم من ظهور أطر كفاحية مقاومة جديدة ، مثل حركة حماس وحركة الجهاد الاسلامي ، الا أن خلط هذه الحركات بين الانتماء للوطنية الفلسطينية ، والمقاومة مع الانتماء لعقيدة دينية سلفية مرتبطة بالأخوان المسلمين ، زاد من توسيع مساحة الانقسامات داخل الفصائل الفلسطينية ، كانت نتيجة هذه الانقسامات زرع اليأس في نفوس الفلسطينيين ، كما أنها أدت الى قيام هذه الفصائل الى الاستعانة بقوى اقليمية افقدت الفلسطينيين استقلال قراراتهم ، انعكس فساد الأنظمة العربية أيضاً على حالة التمزق وعدم الاستقرار التي يعيشها اليوم أكثر من قطر عربي واحد ، فقد بدأت هذه الظاهرة بعد فشل العدوان الاسرائيلي على لبنان عام 2006 ، فقد كان واضحاً بأن هذا العدوان كان مدعوماً سياسياً من امريكا ومعنويا من قبل عدد من أنظمة الفساد العربي ، خاصة في السعودية ومصر مبارك ، نتيجة هذا الفشل قررت امريكا مدعومة من الأنظمة العربية اثارة حروب طائفية ذات منحى جديد ، مستغلة ما سمي بالصحوة الدينية ، كما استغلت الأحداث التي عرفت بالربيع العربي ، المنحى الجديد تحويل هذه الحرب الى طائفية أهلية ساخنة دائمة ، كما هو حاصل الآن في سوريا والعراق ومصر واليمن وليبيا ، ترافقها حرباً باردة ، سلاحها الدس والجدل وزرع الفتن واصدار فتاوى من قبل شيوخ الدجل ، كما انها تعتمد على أقلام والسنة ونشاطات الحركات الاسلامية في كافة الأقطار العربية في مقدمتها الضفة الغربية والداخل الفلسطيني .
ذخيرة هذه الحرب أيضاً ايقاظ النعرات الطائفية من سباتها ، خاصة بين السنة والشيعة ، والكرد والعرب ، والتركمان والعرب ، اشتعلت النار في المساجد والمهرجانات الخاصة بالدفاع عن الأقصى ، فقد نظمت حملات كلامية مغرضة ضد ايران وضد المقاومة اللبنانية وضد سوريا الداعمة للمقاومة ، وصدرت الفتاوى بتكفير من هو غير سني ، حتى لو كان ملوك السعودية ولصوص الخليج وملك المغرب جميع هؤلاء ليسوا كفرة .
بكل اسف ابتلع الكثير من المواطنين هذا الطعم السام من امريكا واسرائيل وحلفائها ، صدقوا بأن ايران وحزب الله اعداء العروبة والاسلام ، ومعهم شيعة اليمن ، أما شيعة العراق اصدقاء امريكا فهم داراً للأمان ، من المحزن أن نسمع اليوم شباب اكاديميين يجترون هذه المعاني وهذه الافكار كالببغاوات ، من المفروض أن يسال هؤلاء انفسهم ماذا قدمت السعودية السنية ومثلها المغرب والجزائر وتونس ومصر والأردن وغيرها لقضية فلسطين ، المسجد الأقصى الآن يتعرض لحملة انتهاكات ، وأكثر الدول العربية وعلى رأسها السعودية تحيط اسرائيل بأصابع الحرير ، نجد هذه الدول أصابها داء الصمت واللامبالاة ، كأن المسجد الأقصى يقع في كوكب المريخ ولا يمت للمسلمين بصلة ، المضحك أن هذه الدول نجدها تشن الحملات الاعلامية وتقوم بالدس على ايران وحزب الله كلما شعرت أن هناك موقفاً حازماً قوياً رافعاً راية الرفض والمقاومة ، أنها تشعر بالحساسية السياسية كلما خرج حسن نصرالله أو أحد الرؤساء الايرانيين ودافعوا عن الفلسطينيين وعن المقدسات الاسلامية .

شاهد أيضاً

الرئيس غزواني يجري مقابلة مع مؤسسات إعلامية (نص المقابلة)

جرى الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، مساء أمس، مقابلة مشتركة مع خمس مؤسسات إعلامية محلية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *