ورحلت مريم جالو / بقلم : محمد محمود ولد الصيام

صيام

وكأني هناك ذات مساء تحتل طاولتي ركنا قصيا من المقهى الذي اعتاد على حضوري… أنا وكوب قهوة ورواية ونادل يوزع إبتسامات تغالب هموم يوم من العمل الشاق…
تبدأ الرواية بمشهد شابة تتسلل في ظلام الليل …تترك رضيعا عند عتبة الباب ثم تغادر …يتعالى صراخ وبكاء الرضيع…
الشخصية المحورية التي تدور حولها فصول الرواية هي سيدة اعتاد الناس على حمل أطفالهم غير الشرعيين إلى دارها أو تركهم في طريقها على أن يعودوا إلى بيوتهم بعد ذلك ليهنؤوا بنوم من لاقلق يساورهم على مستقبل فلذات أكباد تخلصوا منها خوفا من الفضيحة ودرءا للعار.
اعتادت هذه السيدة على رعاية وتربية اللقطاء الذين لاتعرف عنهم شيئا غير أنهم أطفال لاذنب لهم و لايعرفون هم عن انفسهم شيئا ايضا .
في دارها تنصهر كل الفوارق الإجتماعية فلا أحد يعرف شيئا عن أصله ومن اين جاء الشيء المؤكد أن نزلاء هذه الدار كالموريتانيين تماما ينتمون إلى أعراق مختلفة ولك أن تتخيل وأنت في طور تتبع أثر هذه السيدة مقدار القصص والحكايات الإنسانية التي صاحبت حياتها والبعد الإنساني الذي تكتنفه مسيرتها .
لم أجد صيغة أكثر إيغالا في التعبير ومقاربة للوصف لهذه السيدة الرائعة أكثر من كونها شخصية روائية… هكذا اعتاد الروائيون على إبهارنا عبر إستحضار شخصيات تجد لنفسها بيوتا في أعماقنا ولا تنتهى علاقتنا بها عند الورق… نذرع العالم ولا نجد لها أثرا لكن مريم جالو كانت الإستثناء الذي خرج على قوانين القاعدة فهي البطلة الروائية التي تمكنت من التمرد فعلا على أسوار الورق .
يوم الجمعة الماضي و في هدوء وبدون تغطية إعلامية تليق بمن هي في حجمها … رحلت مريم جالو… رحلت أم اللقطاء والمحرومين و أم من لا أم له كما وصفها أحد الأصدقاء …جاء رحيلها تماما كأعمالها التي آثرت في كثير من الأحيان أن تظل بعيدة عن الأضواء .
قدر لي منذ فترة أن أكون ضمن فريق كان له شرف التعامل معها في إطار نشاطات لجمعية “للخير شباب “كان الهدف منها رسم البسمة على وجوه ساكني الدار الوديعين عبر مد يد العون والمساعدة لهم فكانت فرصة تمكن فيها الإخوة من الوقوف على الدور الكبير والهام الذي تقوم به هذه السيدة .
لم يكتب لي لقائها وبي حسرة على ذلك أكيد وحسرة أكبر كوني لم أكتب عنها في حياتها فمثلها حري بنا تقديره وتكريمه و الإشادة بأفعاله و هو حي لكنها عادة ألفناها مع الأسف تقتضي تكريم المميزين فقط بعد رحيلهم وكأننا لم نلحظ ألق حضورهم عندما كانوا بيننا .
مريم جالو نموذج جميل للإحسان وتجسيد حقيقي لقيم الدين وشخصية تستحق كل التكريم والتقدير نظير ماقدمته لأجل الإنسان
نسأل الله لها الرحمة والغفران .
محمد محمود ولد الصيام

شاهد أيضاً

في  انتظاركم يا صاحب الفخامة / يحي ولد عبدو الله  – دبلوماسي

فى الحادي عشر من الشهر الجاري ستكون مدينة كيفه عاصمة ولايتنا الحبيبة لعصابة على موعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *