انتقادات في تونس لمشروع قانون المصالحة في جرائم الفساد

033

تواجه سلطات تونس تهما بالسعي الى “تبييض الفساد” وتكريس “الافلات من العقاب” اثر مشروع قانون قدّمه الرئيس الباجي قائد السبسي للمصالحة مع متورطين في جرائم فساد مالي وإعفائهم من الملاحقة القضائية شرط إرجاع الأموال المستولى عليها.
والثلاثاء عرض قائد السبسي على مجلس وزراء حكومة الحبيب الصيد “مشروع قانون اساسي يتعلق بإجراءات خاصة بالمصالحة في المجال الاقتصادي والمالي”.
وقال عند تقديم مشروع القانون “منذ ان قمنا بهذه المبادرة قلنا: فَلْنَطَوِ الصفحة، هذا رأيي (..) البلاد تحتاج الى الجميع (..) على الاقل من عنده أموال يشارك بها (في التنمية). وأنا عندي قناعة أن هناك كثيرا من التونسيين رجال الاعمال عندهم امكانيات (مالية) ومستعدون للمشاركة في الحياة (الاقتصادية) في تونس لكنهم خائفون”.
وأضاف ان “الموظفين السامين الذين خدموا تونس (في عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي) ثلاثة أرباعهم يجرجرون في السجون في حين انهم لم يقترفوا شيئا، وكل ما فعلوه انهم عاشوا في منظومة فاسدة (..) أنا قلت هؤلاء الموظفين نعتقهم”.
وقال ظافر ناجي الناطق الرسمي باسم حكومة الحبيب الصيد لفرانس برس ان مجلس الوزراء تبنى الثلاثاء مشروع قانون المصالحة وأحاله على مجلس نواب الشعب للمصادقة عليه.
كان فساد نظام الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي وعائلته وأصهاره، من ابرز اسباب الثورة التي اطاحت به في 14 يناير/كانون الثاني 2011.
وفي حزيران/يونيو الماضي، قال الصيد أمام البرلمان “آلت هذه الحكومة على نفسها أن تكافح الفساد بكل أشكاله، وأقولها اليوم أمامكم بكل وضوح: لا مجال في تونس ما بعد الثورة للتطبيع والتعايش مع الفساد والفاسدين”.
وخلال زيارته في ايار/مايو الماضي الى الولايات المتحدة أقر الرئيس التونسي في مقال رأي مشترك مع نظيره الاميركي نشرته صحيفة واشنطن بوست بأن “تركة النظام القديم من سوء إدارة وفساد لا تزال تخنق النمو الاقتصادي” في تونس.
ويهدف مشروع قانون “المصالحة” حسبما ورد في فصله الاول الى “اقرار تدابير خاصة بالانتهاكات المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام، تفضي الى غلق الملفات نهائيا، وطي صفحة الماضي تحقيقا للمصالحة باعتبارها الغاية السامية للعدالة الانتقالية”.
ويفترض ان تتولى الامر “هيئة الحقيقة والكرامة” وهي هيئة مستقلة استحدثت في كانون الاول/ديسمبر 2013.
ويطالب مشروع قانون “المصالحة” بأن “تلغى جميع الاحكام المتعلقة بالفساد المالي والاعتداء على المال العام” من القانون الذي تم بموجبه أحداث هيئة الحقيقة والكرامة.
ويقول الفصل الثاني من مشروع القانون “تتوقف التتبعات والمحاكمات وتسقط العقوبات في حق الموظفين العموميين وأشباههم من أجل أفعال تتعلق بالفساد المالي وبالاعتداء على المال العام، باستثناء تلك المتعلقة بالرشوة وبالاستيلاء على الأموال العمومية”.
و”يتم العفو عن مخالفات الصرف (المالي) المرتكبة قبل تاريخ دخول هذا القانون حيز التنفيذ” بحسب الفصل السابع من القانون.
وحدد هذا الفصل أهم هذه “المخالفات” في “عدم التصريح بالمكاسب بالخارج” و”عدم اعادة مداخيل ومحاصيل (هذه) المكاسب (..)، والمكاسب من العملات (الاجنبية) الى البلاد التونسية” ومن يملك عملات اجنبية غير مصرح عنها.
و”يمكن لكل شخص حصلت له منفعة من افعال تتعلق بالفساد المالي او بالاعتداء على المال العام تقديم مطلب صلح الى لجنة مصالحة تحدث برئاسة الحكومة” (الفصل الثالث).
و”يتمّ الصلح بمقتضى قرار يمضى من رئيس اللجنة ومن المعني بالامر مقابل دفع مبلغ مالي يعادل قيمة الأموال العمومية المستولى عليها أو المنفعة المتحصل عليها تضاف اليها نسبة 5 بالمئة عن كل سنة من تاريخ حصول ذلك” (الفصل الخامس).
“ويترتب عن تنفيذ بنود الصلح، انقراض الدعوى العمومية وايقاف المحاكمة وسقوط العقوبة” (الفصل السادس).
وقال منجي الرحوي النائب المعارض في البرلمان عن “الجبهة الشعبية” (ائتلاف احزاب يسارية) ان مشروع قانون المصالحة “يطعن الثورة ويرسكل (يعيد تدوير) الفساد”.
واضاف في تصريح لاذاعة “موزاييك إف إم” الخاصة “هذا القانون ان لم يقع سحبه بصفة سلمية من طرف رئيس الجمهورية، فإننا نطالب كل التونسيين بأن يسقطوه من خلال المظاهرات والاحتجاجات”، داعيا “كل التونسيين وكل القوى الديمقراطية الى التحرك بقوة وعنف ضد هذا القانون”.
من ناحيتها اعلنت سهام بن سدرين رئيسة “هيئة الحقيقة والكرامة” لفرانس برس ان “محاسبة” المتورطين في الفساد المالي واجراء “مصالحة” معهم هي “صلاحية (قانونية) حصرية” للجنة “التحكيم والمصالحة” وهي احدى لجان الهيئة.
واضافت بن سدرين ان الهيئة “راسلت منذ شهرين رئاسة الحكومة حتى تحدد ممثلا للدولة في هذه اللجنة الا اننا لم نتلق اي اجابة حتى اليوم، وما راعنا الا صدور مشروع القانون” المتعلق بالمصالحة والذي قالت انه “يفتقد صفات الاستقلالية (الواجب توفرها) في الجهة التي تقوم بالتحكيم في جرائم الفساد، وتطغى عليه الرغبة في تبييض الفساد، و(تكريس) الإفلات من العقاب، ولا يضمن عدم تكرار جرائم الفساد بل يشجع الفساد”.
وقالت ان هيئة الحقيقة والكرامة “كلفت خبراء بدراسة مشروع القانون من حيث قانونيته ومطابقته للدستور، ويوم الاثنين القادم سوف نصدر موقفا رسميا منه”.
ونبهت من ان تمرير هذا القانون سيكون “منافيا” لتعهدات تونس الدولية في مجال مكافحة الفساد وستنجر عنه “انعكاسات (سلبية) على الاصلاحات” السياسية المفترض القيام بها في الفترة القادمة.

شاهد أيضاً

ذكرى زيارة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه لطنجة سنة 1947 .. درس في الكفاح الوطني من أجل الوحدة والاستقلال

تحل اليوم الثلاثاء 9 أبريل الذكرى 77 للزيارة التاريخية الميمونة للمغفور له محمد الخامس، طيب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *