10 مايو 2024 , 3:15

ولد السالك يكتب : هل ينتقل سيناريو العراق إلى ليبيا؟!

02

من واقع تجربة ميدانية شخصية: هل ينتقل سيناريو العراق إلى ليبيا؟!صحافي موريتاني

في غُرّةِ شهر رمضان من العام 2012 قمتُ بجولة في الجنوب الليبي، وصلتُ خلالها لمدينة “غات” المحاذية للجزائر ثمُّ مدينة “القطرون” على الحدود مع النيجر مرورا بالمدن الجنوبية الكبيرة “سبها” و”أوباري” و”براك الشاطيء” وجُبتُ خلال هذه الجولة زهاء 6500 كلمتر..وقبلها سنحت لي فرصةُ العمل بزيارة جميع المدن في “جبل نافوسه” و مدن الشرق الليبي من”السلوم” إلى مدينة “سرت” ..
أيام عيد الفطر التقيتُ في تونس بصديق ليبي معارض لثورة 17 فبراير، كان علم بجولتي، وبدا صديقي مهتماً بأن يعرف مني أخبار بلده الذي هجره أو هُجّر منه بسبب وقوفه في صف نظام القذافي .. تجاذبنا أطراف الحديث، وكنتُ حينها متفائلاً جدا.. ناقشته وحاولتُ إقناعه بأن الشعب الليبي يستطيع أن يشق طريقه.. رغم تحفظي، بل وتخوفي الواضح له من جماعات الإسلام السياسي التي كنتُ أرى أنها تريد أن تفرض نفسها بالسلاح على الشعب الليبي.. في المقابل كان صديقي – أثناء النقاش – قلقاً، بدوره، من تحدٍ آخر، وهوّ خطورة مسعى الثوار للقصاص من نظام القذافي.. كنت أتفق معه على أن قانون العزل السياسي سيكون عائقا كبيرا للثورة، الليبية، سيما كونه فرِض بالسلاح من طرف تيار الاسلام السياسي.. إذ من الواضح أنهم لا يريدون لأحد أن يشاركهم ليبيا الغد ، أو على الأصح ليبيا المستقبل ..
كان صديقي يستحضر بقلق تجربة اجتثاث البعث في العراق، ويقول إن أخطر ما عاناهُ العراق وما يزال يُعانيه هو القصاصُ من نظام صدام حسين.. مبدياً أسفاً وحزناً واضحين من تكرار التجربة في ليبيا ..
بعد أيام فقط عدتُ إلى ليبيا، وخلال إحدى جلسات الاستراحة، في فندق “ركسس″ حيث يقيم المؤتمر الوطني اجتماعاته، صادفتُ صديقة ليبية، كانت قلقةً ومُتغيرة المزاج، على غير عادتها، بادرتها مُستهماً: ماذا دهاك؟ لما التجهمُ والقلق؟ فردت بتلقائة واضحة أنها خائفة على ليبيا، وبدأت تسردُ قصصاً لعنفٍ غير مبرر هنا وهناك..بعضُ القصصِ كانت شاهدَ عيّان عليها في مدينة “الزاوية”، والبعضُ الآخر في “طرابلس″..تحدّثتْ صديقتي بألم عن قتلٍ بشع واعتقالات وتعذيب وسلبٍ ونهبٍ من ليبيين لمواطنين ليبيين من بني جلدتهم …تأثرتُ وآلمني كثيرا حديثها الطافح حزناً وشفقةً.. صدّقتُها طبعاً..فأنا أعرف شخصين على الأقل من الأسماء التي ذكرت، مُتضرريْنِ، أحدهما صديقُ قتِل أخوه واضطرت أسرته للهجرة، والأخرى صديقة اختطفَ أخوها وعُذّب .. هاولتُ التهدئة من روع مُحدِّثتي الليبية دون جدوى..وكانت تُجزم أن كلَّ هذه الأحداث ما كان لها أن تكون لولا الأسر التي كانت مستفيدة من خيرات ليبيا في عهد القذافي ..
في سياقِ اهتمامي بالشأن الليبي، وفي نوفمبر من العام 2011 التقيتُ بالساعدي القذافي في العاصمة النيجيرية “انيامي” سألني كثيرا عن ليبيا، وعن ما آلتْ إليه الأحوال فيها..وليس في الأمر سراً، لكن الغريب أنه أبلغني أنه يطمح لإنشاء إمارة إسلامية تبدأ من “سرت” في اتجاه الجنوب الليبي.. لم يأسرني كلامه وطرحه كثيرا إذ أني لا أثق أصلاً في رؤيته الاستراتيجية، فليس الساعدي بالكارزمي أو القادر على تجسيد طموحاته.
في طريق العودة من “النيجر” إلى “دبي” كان عليّ المرور بالجزائر.. والتقيت بشخصية ليبية مهمة فعلاً، ومن أساطين نظام القذافي الفكرية، تناقشت مع مُضيفي كثيرا.. كانت كلامُ الرجل يقطر غِلاً وحسرةً على ما فقدوه على يد الثوار…وكان آخر ما قاله لي، وأنا أهم بودعه: “لن نترك ليبيا لهم مهما طال الزمن وسنستخدم كل الطرق وكل السبل كي نسترجع ركامها” .
يوم أمس، وأنا أتابع سيطرة داعش على مدينة “سرت” وشَدّها للرحال باتجاه مدينة “الجفرة” عادت بيّ الذاكرة إلى شريط الأحداث التي عشتُها، أو عاشها الليبيون خلال تواجدي في ليبيا… أحداثُ تتشابه في المقدمات، حدّ التماهي مع ما يحدث في العراق .. القبائل التي كانت تساند نظام القذافي أو القبائل التي كانت مستفيدة من النظام عانت كثيرا خلال الأعوام الماضية، فمنهم من يعيش الأمرّين خارج بلاده..ومنهم من لا يجدُ ما يُغني من جوع أحياناً ومنهم من لم يبرح مكانه في ليبيا، لكنه يدفع يوميا للكتائب المتشددة فاتورة استفادته ماديا في فترة نظام القذافي، ومنهم من تعرّض أبناؤُه للخطف والتعذيب.. وحتى القتل .. والمؤسف أن بعض الكتائب التي تقوم بهذه الأعمال محسوبة على تيار الإسلام السياسي .
الآن وبعد كل هذه الأحداث أعتقد حدّ الجزم بأن تجربة داعش في العراق تعيد نفسها في ليبيا .. فمعاقبةُ المواطن العراقي السني دون ذنب اقترفه، سوى أن الظروف أجبرته في يوم من الأيام على أن يكون موظفا في نظام صدام حسين، كانت كافية لجعله مستعداً للتحالف مع الشيطان .. نفسُ الظروف فُرضتْ وتفرض اليومَ على فلول نظام القذافي أن يتحالفوا مع داعش. بفارق بسيط وأخطر، وهو أن التحالف سيكون هذه المرة على مستوى القمة وليس القاعدة، بهدف خلط الأوراق والانتقام.. مع الأخذ في الاعتبار أن القاعدة عانت من الانتقام من بعض من يصفون أنفسهم أنهم أبناء الثورة .. والدليل هنا أن هذه الكتائب بدأت قصاصها من شخصيات في مدينة سرت، ساندت الثورة الليبية.. أذكر هنا صديقي الشهيد حسن الدروعي، ممثل سرت في المجلس الانتقالي، أما الحدث الأبرز فهو الانتقام من مدينة “مصراته” التي بدأت تفك روابطها مع تيار الاسلام السياسي، وتدعو لوقف القتال والجنوح للحوار والسلم.

شاهد أيضاً

في  انتظاركم يا صاحب الفخامة / يحي ولد عبدو الله  – دبلوماسي

فى الحادي عشر من الشهر الجاري ستكون مدينة كيفه عاصمة ولايتنا الحبيبة لعصابة على موعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *