شظايا العرب لرصّ أبنية غيرهم…كاتب جزائري

011111111111

المشهد في الشرق فيه دول تسترجع، أو تحاول استرجاع امبراطوريات خلت
(1)
الأولى إسرائيل تنفض الرماد عن الأساطير لإعادة الروح لعهد داوود و ابنه سليمان. اليهود، مكّنهم التعويض النوعي عن النقص العددي من أن يتداركوا أقليتهم؛ بأن مكّنوا للعقل أن يسخر العضل. اليهود، و منذ “تيتوس″، وقبله “بنوختنصر”، فهموا النفس البشرية و استغلوا شراهتها للأموال فوُظِفت في تسخير الطماعين فيها فاستعبدوهم.
ولأن النقص العددي يُعوّضه نفاذ مجتمعي، كما يُقرّه علماء الاجتماع، فقد بنى اليهود أعمدة نفوذهم على نقائص غيرهم. كأن يُمكنوا للأراذل، السهلي الانقياد، من رقاب ذويهم. فاستغلوا جشع الخلق بأن بنوا سلم المعايير على المال والمال وحده. في أمريكا لم ينفلت من قبضتهم غير الأقليات الدينية التي رتبت جِبلة العمل فوق اكتناز الذهب، فبقيت على هامش المجتمع و رموز الحضارة، من سيارة بخارية و كهرباء. و هذه لا أثر لها و لا تأثير.
أما بقية الأمريكيين فهم سليلو المغامرين الأوائل، الذين وضعوا كل ما يملكون في صرة واحدة و أركبوا أولادهم في قارب نحو الغرب. هؤلاء بإمكانهم بيع أمهم مقابل حفنة دولار.
(2)
الإيرانيون يريدون استرجاع إمبراطورية كانت لها حدود مع أوروبا. (لنتذكر قرية “ماراطون”). الفرس يتكلمون عن مُلك يقولون إن عمر و خالد و ساريه كانوا أول من دق آخر مسمار في نعشه. بدأ رضا بهلوي في إحيائه، ببذخ مستنكَر، يوم أن احتفل بخمس و عشرين قرنا على “بارسيبوليس″. و تواصلها الدولة العميقة، متسترة تحت جلابيب الملالي، لإعادة مجد فارس المتاخم لليونان و السند و أهرامات الفراعنة. كل هذا جار تزامنا مع ترميم الجسور مع إسرائيل العميقة.
(3)
في الوقت الذي يعلق الفرس دحرهم على مشجب الفتح الإسلامي، يقول الأتراك إن الإسلام هو الذي صنع لهم إمبراطورية دقّت أسوار “فينا” و سجنت الدب الروسي في أصقاعه الباردة، محرمة عليه التمدد الأرثودوكسي جنوبا. وبراغماتية الأتراك تعيد للإسمنت (الإسلام) فعالية تأمين الجبهة الداخلية. و تتخطى الحدود شرقا إلى حيث لغتها لتعيد الفضاء الثقافي المؤمِن لتواجدها في البلدان الواعدة، تلك المنتهية الاسم بـــ”ـــسْتان”.
في نفس الوقت الذي تُبقي على جسور التواصل التجاري و السياحي مع الكيان الصهيوني، جنوبا؛ و تؤمّن حدودها الشرقية مع الفرس، تحسبا لأي مطالب انفصالية للكرد.
(4)
هناك إذن ثلاثة مشاريع امبراطوريات في الشرق، تبني طموحها على ركيزتين: أولاهما الأساطير المؤسسة، و ثانيهما التركيز على التكنولوجيا كرهان استراتيجي على مواكبة دول الريادة.
(5)
و العرب، أين هم من كل هذا و قد أوقعهم التاريخ و الجغرافيا ضمن هذا المثلث المتماسك الأضلاع؟
(6)
العرب أضاعوا، منذ واقعة الجمل، الفرصة (الأولى) التي أتاحتها الرسالة. فتحزّبوا شيعا و مذاهب، أذهبت ريحهم. حتى استحوذ غيرهم على محمد و ما جاء به محمد. فجرى لهم الذي حصل مع الغرب حين استفرد برسالة عيسى، (التي نزلت، أول ما نزلت لليهود العبرانيين و العرب الكنعانيين)، فأصبحت الروم تسأل نصارى الشرق عن السَنة التي مكّنهم فيها التبشيريون من الدين المسيحي. جاء زمن أصبح نصف المسلمين، تقريبا، يحج إلى غير الكعبة. و أضحى العرب، باعتراف محمد الغزالي، “عالة على المدنية”.
ثم جاءت الفرصة الثانية التي كانت ستوصلهم إلى تصدّر العالم. كيف لا و قد مكّنتهم الجيولوجيا من الاستحواذ على المحرك الرئيسي لحضارة القرن العشرين وما يليه. جاءهم البترول فاستفرد غيرهم به وبتصنيعه وتسويقه. ولم تكن صدفة أن يتزامن وجود البترول في و تحت أراضي العرب، مع التنكيل بهم وبما يُمثّلون.
(7)
فرصتان أضاعهما العرب خلال خمسة عشر قرنا، و لن تكرر ثالثة إلا في العصور الجيولوجية المقبلة. عصور تداولت القوميات على ريادة العالم تاركة بصماتها. من قبل سور الصين حتى استعمار الفضاء مرورا بأثينا و الاسكندرية وروما و بغداد، ثم غرناطة فلندن و نيويورك و بكين.
العرب العرب، بعد أربعة عشر قرنا، يتطاحنون بالوكالة، بالمناولة عن غيرهم. يواصلون الخدمة التي أدوها أيام المناذرة و الغساسنة. مع فارق ليس بالبسيط. الفارق هو أننا لم نعرف أن حارب المناذرةُ الغساسنةَ نصرةً لهرقل أو الساساني. الذي رأينا هو تحالف النصارى العرب مع الفاتحين قبل وبعد “القادسية”.
لكن لم نقف، منذ ملوك الطوائف، على أن يتحالف العربي مع الأجنبي ضد عربي آخر و لصالح أغراب. كل هذا بسلاح يُقتطع ثمنه من ميزانية التربية لتسمين مركب الصناعة الحربية لطرف رابع. عذر إلحاد أبنائنا جاء من التكبير المسموع في جهتي جبهة الاقتتال. كل حزب يكبر نفس الرب و يولي وجهة صلاته إلى نفس القبلة. عندما ينفذ سلاح جياع العرب، و يتعذر على المتقاتلين إيجاد “شهداء” آخرين. و يستغني الكبار عن بترول العرب. سيجد (بقايا) العرب أن الساسانيين استرجعوا ملكهم، بمسميات أخرى. و الأتراك نصبوا أحد أحفاد عبدالحميد الثاني سلطانا على إمبراطورية تمتد من “تيرانا” غربا حتى “أشغابات” شرقا. و يكون، وقتها، قد تم بناء هيكل اليهود مكان مزارات عمر ومسرى النبي. عندها سيبكون على مشيخاتهم بكاءهم على الأندلس. و سيواصلون اقتتالهم على… على أيهم يخدم اليهودي أكثر. الحاصول، يكون موضع العرب، بعد أن تسترد فرنسا ولاياتها في شمال إفريقيا، هو أن بناة الهياكل الثلاثة يحتاجون، ما يحتاجه كل بناء، من رصّ اللبنات بشظايا المشيخات.
كاتب جزائري

د. عشراتي الشيخ

شاهد أيضاً

في  انتظاركم يا صاحب الفخامة / يحي ولد عبدو الله  – دبلوماسي

فى الحادي عشر من الشهر الجاري ستكون مدينة كيفه عاصمة ولايتنا الحبيبة لعصابة على موعد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *