19 مايو 2024 , 14:36

الباحث أبو العباس إبرهام : بخصوص “البلكَة ….

6666666666

لا يوجد مفهوم “البلكَة” عند أرسطو ولا مسكويه ولا لاو تسو. وهذا كافٍ للتشكيك في موضوعيته، وإن كان لا يُفنّد وجاهته. ومذهبنا أن مصطلح “البلكَة” هو مصطلح طوباوي. وربما خُرافي. ومن المؤكد أنه هلامي وغير مُحدّد؛ وأنه من مفاهيم الأيديولوجيا القبلية. وسيأتي بيان ذلك. وقبل أن يأتي يجب أن نعرف أنّه لا توجد ترجمة لكلمة “بلكَة”. ومن الغلط ترجمتها بأنها “الغطرسة” أو “التكبر” أو “الاستعلاء”.
فالغطرسة ترتبطُ بعدم اللباقة في التأمر وبخرق التقاليد الحميدة في ممارسة السلطة (إذ لا يتغطرس إلاّ صاحب سلطة أو علو)؛ أما التكبّر فهو تأكيد حالة من الفوقية أو تلفيقها عن طريق ادِّعائها والعمل بمقتضاها، وجر الرداء والزهو، ليس فقط خيلاء واعتداداً، بل احتقاراً، وتجاهل الموجودين أو إنكار إنسانيتهم. ولعلّ أقرب شيء للبلكَة هو “الاستعلاء”. ولكنه لا يُطابقها؛ لأن الاستعلاء غير مربوط مفاهيمياً بالمعيشة أو الاكتفاء أو الاستقلال. أما وصف “البلكَة” فيفترضُ حالة من النعمة والسعة والوفرة، حيث يرتبط المفهوم بمترادفات ( مع أنه لا توجد مترادفات حقيقةً) “الشحمة” و”الطاقة” و”الودك” و”السمن” و”الخسارة”، والأخيرة هي رفض التماشي مع العرف أو الاستهانة به.
وهذا الأخير مهم لأنّه يرينا أن مفهوم “البلكَة” هو مفهوم سكته الايديولوجيا القبلية (والقبيلة هي جسم ديمقراطي يعترف بتساوي أفراده) من أجل رفض أي خروج عن تساوي أفراد القبيلة. ومن الخطأ الاعتقاد أن مفهوم “البلكَة” هو مجرد وصف محايد وصورة قيّمية مستقلة، فهو مفهوم تأديبي يرفض الفردانية ويُجبر على القطعانية. وأي خروج عن الممارسة الجماعية يُصبح “بلكَة”. وبقدر ما يُصبحُ خطاب إدانة “البلكَة” اشتراكياً بقدر ما يُستخدم لديكتاتورية اجتماعية. ويُصبحُ من السهل استخدام هذه العصا ضدّ أبي ذر لأنه “يمشي وحده”. ويُصبح كل مذهب شاذٍ “بلكَة” لأنّه يهدِّدُ الجماعية. وحتى عدم قبول تأمر الجماعة هو “بلكَة” و”اخسارة”.
وسرعان ما تُصبح إدانة “البلكَة” مقاومة للفردانية وحتى مقاومة للابتعاد وقضاء الوقت وحيداً أو النأي للتأمل. وبهذا المعنى فالفيلسوف “مبلوكَ”. وكلّ ممارسة انعزالية “مبلوكَة”. والساكت “مبلوكَ”؛ والمنعزل “مبلوكَ” والذي لا يُعلِّقُ أو يُعجب بمنشورات الجميع “مبلوكَ”؛ والشاعر، وخصوصاً عندما يستخدم الأنا، مبلوكَ؛ والذين يُهاجمونه هنا ليسوا نقاداً ولا علاقة لهم بالأدب (أحياناً بكلا المعنيين)، ولكنهم صوت الجمهور لأن استفرداه يهدِّدُهم كمجتمع ويُهدِّدُ تحديداً تساوي أكتافهم. وهم ينظِّمون تنظيماً لمعاقبة “نجوم الفيس بوك” لأنهم “امبلكَة”. ويجب استخدام خطاب البلكَة ضدهم وتطعيمهم علقة لن ينسوها. إنهم مجموعة من المفسدين؛ ويجب وقفهم عند حدِّهم.
نقلا عن صفحة الكاتب على الفيس بوك

شاهد أيضاً

ولد الطيب : الحكمة والمسؤولية سمات لازمت قيادة حزب التكتل

بسم الله الرحمن الرحيم.لم أتفاجأ بالقرار الصائب الذي اتخذه حزب التكتل بدعم المرشح فخامة الرئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *