17 مايو 2024 , 9:53

25 فبراير.. سنوات أربع من الاحتجاج.. ويستمر النضال

77777777777777777777

عجبت لمن لم يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهراً سيفه” / علي بن أبي طالب

كان حلما فبرايريا جميلا ورائعا ..

كان يوما استثنائيا مهيباً منقطع النظير..

كان ذلك يوم الخامس والعشرين من فبراير عام 2011 ..

حينما خرج الشباب الموريتاني عن طوق صمته في أول تجربة جماهيرية عفوية في البلاد، بعد عقود خمس من الانقلابات وحركات “التصحيح” و”الإنقاذ” و”الخلاص” الزائفة، والتي أوصلت البلاد إلى أفق تنموي وسياسي مسدود..

يصف الرافضون للربيع الموريتاني بأنه مجرد استنساخ لتلك الأحداث الثورية التي وقعت في تونس ومصر وبقية البلدان العربية، وأن الربيع الموريتاني لا مبرر له ولا أرضية تشجع على وقوعه أو تساهم في تفجير شرارته؛ وكأني بهؤلاء قد نسوا أو تناسوا أن كل الحركات السياسية الموجودة في بلادنا هي ذات مرجعيات خارجية، عربية وإسلامية وإفريقية، من بعثيين وناصريين وإسلاميين.. رغم النضال الوطني المشهود لكل هؤلاء في حقب زمنية وسياسية معينة.

وحتى الإسلام، الدين الذي تدين به ساكنة هذا الوطن، أعتقد أنه وافد إلينا عبر قوافل تاريخية معروفة..

هذا من حيث الشكل الصوري لاستنساخ الحراك الفبرايري، إذ لا معرة من استفادتنا من تلك الظروف الإقليمية التي شهدتها المنطقة برمتها في ذلك الحين .. والتي نمتلك من المؤهلات ومن الخصوصيات ما يجعل الوضع خصباً لانطلاق انتفاضة شعبية لها دواعيها الوطنية ولها أسبابها ومبرراتها الذاتية والموضوعية غير المستنسخة ..

مشكل البطالة من المشاكل الرئيسية التي دفعت بالشباب الموريتاني للخروج إلى الشارع ، وأزمة الأسعار التي ارتفعت بشكل جنوني وصاروخي على المواد الاستهلاكية ، والتزايد المضطرد لأسعار المحروقات ، وفشل السياسات التعليمية والتنموية ، وفساد القطاعات الحكومية ، وتردي الخدمات الصحية ، كلها أسبابٌ وهمومٌ تؤرق الإنسان الموريتاني، الأقلَ دخلا في العالم ..والأكثرَ مواردَ والأغنى ثروات في شبه المنطقة .

فأي مبرر بعد هذا للإستكانة في البيوت والخنوع لنظام فاقد للشرعية والمصداقية وعديم النزاهة والشفافية ..؟!

خمس عقود من الإستنزاف والفساد والإجرام تكفي لكي يحتفي قاتل بالذي قتله على رأي أحد شعرائنا “المُرتدين ” عن القضية .

أينما وليت وجهك ترى الظلم شاخصاً ، مُتجسماً ومُتجسداً، في وطنٍ يتحول إلى صرافة يُديرها أرعنٌ جَشِعٌ يأكل بسبعة أمعاء ،،، يأكل كل شيء، ينهب كل شيء، يسرق ويسلب كل شيء.. تُجبى إليه نِسبُهُ وحِصَصُهُ من معادن النحاس والذهب والحديد ، وصفقات اليورانيوم والسمك والغاز ، ورخص التنقيب ، وصفقات التراضي، وحوانيت الحالة المدنية المختصة ببيع أوراق الميلاد والزواج والوفاة والسفر والإياب ..

حالة من العنف والتسلط المُقزز ، تُشَرْعِنُها نخبة سياسية وفكرية تدور خارج الفلك الإجتماعي المُشعُّ ألماً وبؤساً وشقاءً حد الغثيان والجنون ..

فمن هذا الواقع الماثل للعيان كسر الشباب الموريتاني جدران الخوف ، في لحظة فاصلة من تاريخنا السياسي ، شابها الكثير من التحديات وواكبها الترهيب المريع من نظام يَنخُرُه الفساد وعاجزٍ حتى عن تقديم أبسط التنازلات والإصلاحات الاجتماعية التي كان بالإمكان أن تكون خياراً أكثر احتراماً للشعب من اللجوء للخيارات الأمنية التي واجه بها الانتفاضة الفبرايرية ..

ومن المعروف أن الحلول الأمنية قد تنجح في إخماد هبةٍ شعبية في وقت من الأوقات ، لكنها تمنحها الحصانة الاجتماعية والاحتضان الشعبي الكفيلين بإخراج الوضع عن السيطرة في اللحظة التالية ..

تلك اللحظة التي تُحدد الجماهير الثورية أسلوبها، إن عاجلا بطريقة عنيفة قد تواكبها خسائر بشرية ومادية فادحة، أو آجلا بنضالٍ سلمي طويل الأمد لكنه الضامن الوحيد لزعزعة النظام من قلاعه بلا خسائر تذكر ..

وهذا الأخير هو الخيار الذي انتهجه النشطاء الفبرايريون من أول يوم ، حيث واجهوا قوات القمع بكل سلمية وبسالة ، مؤسسين بذلك لنهج جديد من المقاومة السلمية التي تعتمد اللاعنفَ وسيلةً للتغيير والتعبير خلال الأنشطة والاحتجاجات الهادفة لكشف سوءاتِ النظامِ وتعريتهِ أمامَ الرأي العام ، إيماناً منا بجدلية “التنوير قبل التغيير” ..

لا يمكنني بحال من الأحوال أن أكابر بإنكار أن الحراك الفبرايري قد شهد فترات جزر وتراجع أثرت على حماس الشباب الموريتاني وأدت للكثير من الإحباط واليأس في صفوف البعض ، ومن المؤكد أننا نتحمل جزءا من تلك المسؤولية الكبيرة المتمثلة في التقدم إلى الأمام وتسخين الشارع وتأزيم الوضع السياسي وإرغام النظام على تقديم تنازلات من قبيل التنحي أو الهروب أو عدم الترشح في استحقاقات قادمة ووقف النهب الممنهج لثروات البلاد ، على شاكلة تلك الإصلاحات الدستورية والاجتماعية التي تقدم بها العرش المغربي بفعل النضال المستميت لشباب حركة 20 فبراير المغربية .

والسبب في ذلك مردُّه للواقعين الذين انبثقت فيهما الحركتين الشبابية الموريتانية والمغربية ..

فمما يحسب لحركة 20 فبراير المغربية أنه تم احتضانها من أول يوم من طرف منظمات المجتمع المدني والنقابات العمالية والطلابية وحتى الأحزاب السياسية، فكل الأطياف المغربية احتضنت ذلك الشباب وباركت جهوده ونضاله ، وقدمت له كل الدعم والمؤازة ، في حين خرجت 25 فبراير الموريتانية في دولة لا يوجد بها مجتمع مدني ..لا منظمات ، لا نقابات ، لا طلاب ، لا أحزاب ، إذ لا تعدو كل هذه التنظيمات أن تكون مجرد أطر شكلية وصورية ، تم إفراغها من محتواها الحقيقي ومن بُعدها الأصلي ، لذا تقاعست كلُها عن دعم الحراك الفبرايري الموريتاني باستثناء بعض أحزاب المعارضة والتي كان دعمها كارثياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى ..

يعتبر الفقيه السياسي الماوردي صاحب كتاب “الأحكام السلطانية” أن للدول شروطا ضرورية لا يمكن قيام أي “دولة” إذا غاب عنها أحد هذه الشروط الخمسة وهي : الأرض ـ الشعب ـ الحاكم ـ الأمن ـ الأمل الفسيح .

ويقصد هنا بالأمل الفسيح : الآفاق المستقبلية للدولة وشعبها في أرض يسودها العدل والإنصاف والتكافؤ في الفرص بين كافة المكونات الاجتماعية .

ولعل هذه الشروط الخمسة باتت مختلةً وغير متوفرة في بلادنا بفعل الفلتان الأمني الذي لا تفسير له سوى انشغال المؤسسة العسكرية بالشأن السياسي والتجاري على حساب مهمتها السامية المنوطة بها والتي هي تأمين الوطن وشعبه، لا تأمين الحاكم وأسرته فقط .

فمن خبث الأنظمة المتعاقبة على الحكم تسويقها للرأي العام بأن مهمة الأمن تعني بالأساس تأمين ساكنة القصر الرئاسي ، وما دام لم يحدث أي انقلاب أو محاولة انقلابية فالأمور تسير على ما يرام ، وإلا فلما كل هذا التباهي بالإنجازات الأمنية، في حين تُطالعنا وسائل الإعلام بشكل يومي بجرائم القتل والإغتصاب والسطو المسلح على عموم الرقعة الجغرافية ..؟!

أين الأمن والأمان ، وأين العدل والإنصاف ، وأين هو الأفق المستقبلي المنشود الذي يفرض على العامل أن ينتج، وعلى المزارع أن يزرع، وعلى التاجر أن يمارس تجارته، بكل حرية وشعور بالطمأنينة حيال ما قد تُميط عنه قوادم الليالي لثامها ..؟!

الصادم في هذا الواقع المريض تبادل الكراسي والمواقف على رقعة الدومينو الصغيرة ، وكأن ذاكرتنا مثقوبة لهذا الحد ..

وزاراء ولد الطائع ..وزراء ولد هيداله ، سفراءهما ومن كانوا قادة الأمن والأركان يحتلون اليوم الصفوف الأمامية في ما يعرف بالمعارضة الديمقراطية ..

فيا للغباء والجنون ، ويا لسخرية القدر منا ومن شعبنا المغضوب عليه ، الواقع بين فَكَّيْ نظام ومعارضةٍ لا شعور لهما بعذاباتنا ، وما نعانيه ونكابده ، وما نطمح إليه ونتطلع ، في دولة قانون ومؤسسات خالية من وجودهم و وجوههم وأمعائهم الغليظة ..

فبهمسة خاطفة من مصدر “مجهول معلوم” تداعت القوى السياسية لتشكيل منتدى للديمقراطية يضم ما تيسر ضمُه ، وما تعذر جمع شتاته في أطر أخرى ، من أجل إفشال مساعي بعض أحزاب المعارضة التي اتسمت بالجدية في لحظة من اللحظات ، حين أعلنت عن قطيعتها النهائية مع النظام المُتلاعب بالوطن والمواطن، وتلك استفاقة متأخرة لكنها تحسب لتلك الأحزاب ، قبل أن يومئ النظام لأياديه الخفية وومثليه الدئمين داخل المعارضة بأن تتحرك لتعصف بأي إجماع في اتجاه التصعيد ..!

كنا في حركة 25 فبراير شهودا على تلك المرحلة ، وكنتُ شخصياً ممثلا منتدبا عن الحركة في عضوية اللجنة التحضيرية لمنتدى الديمقراطية والوحدة ، وشيئا فشيئاً تكشفت الصور والخيوط أمامنا بكل تمايز ، فأعلناها استقالةً مدوية ورافضة للمسار الهزلي الذي تسير باتجاهه قوى المعارضة ، حيث اكتملت الصورة في أذهاننا اليوم بأن ذلك المنتدى ما هو إلا إطارٌ خُلِقَ من أجل الحوار والتنازل لنظام لا يستحق سوى الصفع والإجهاز عليه ، رغم إيماني بجدية بعض الأطراف الموجودة داخل المنتدى ، لكنها عديمة التأثير في ذلك الإطار السياسي الموبوء ..

بربكم أي أمل في نظام كهذا، وفي حالة عبثية كهذه ، ركودٌ اقتصادي متفاقم، وأزمات سياسية طاحنة، ومطالب اجتماعية مُلحَّةٌ تضج بها الأرجاء ، واستنزافٌ رهيب لخيرات الشعب ، وقتل المواطنين بالرصاص الحي وشنقهم بالضرائب المُنهكة، وانعدام الشفافية وسوء التسيير …

فمن لهذا الواقع سوى النشطاء الفبرايريون الذين اتحدتْ ضدَهم كلُ قوى الشر والفساد والإقطاع ..؟

وذنب الفبرايريين الوحيد أنهم بذروا بذرة إلإحتجاج السلمي للتعبير عن رفض الظلم والواقع القائم ، فغدت بوابة القصر الرئاسي لا تخلو من مُحتجٍ أو مُتظلمٍ ، في تعبير سافر عن القلق الإجتماعي، وبتعبير آخر عن عسكرية البلاد وقتل المؤسسات الإدارية والمنشآت الحكومية، فلم يسبق أن شاهدنا متظاهرين من أجل المياه أمام وزارة المياه، ولا محتجين ضد الأوضاع الصحية يقفون أمام وزارة الصحة، ولا مستائين من فشل التعليم يقصدون وزارة التعليم ، والسبب في ذلك أن المواطن البسيط يدرك أن الجنرال ولد عبد العزيز أفرغ كل شيئ من محتواه، وأن كل مصالح الشعب ومنشآته الحكومية هي حبيسة جدران القصر الرئاسي، ورهينةً لقراراتٍ مزاجيةٍ طائشةٍ من سيد القصر، السابحِ في نزواتهِ وغزواتهِ ومحمياتهِ الطبيعية .

ليس لدينا في حركة 25 فبراير سوى الإستمرار ، بنفس المطالب الإجتماعية التي خرجنا من أجلها قبل أربع أعوام، وليس لنا من بديل لنهجنا السلمي الذي آثرناه على غيره ، لكننا متشبثون بالأمل ، وبقوة الإرادة ، وطول النَفس في النضال والصراع ..

ومن الطبيعي أن يمر حراكنا بفترات مدٍ وجزر ، تبعاً لنفسية الجماهير ، لكنه حراكٌ مستمرٌ لن يموت ، ولن يخبو ، مهما نَكَّلَ النظام العسكري بنشطائنا ، ومهما وصفنا في وسائل إعلامه الرسمية بأننا فوضويون ودعاةُ تخريب ، سنظل على الدرب سائرون ، بكل حبٍ وإرادة للخير ، وعشق للجمال والحرية ..

فنحن جيل نحب الحياة .. ونعشقها ..

لذا ،،،

سنعيش كراما ،،،

أو نموت عظاماً ،،،

على هذه الأرض ما يستحق الحياة .

 

بقلم: سيدي الطيب ولد المجتبى

شاهد أيضاً

ولد الطيب : الحكمة والمسؤولية سمات لازمت قيادة حزب التكتل

بسم الله الرحمن الرحيم.لم أتفاجأ بالقرار الصائب الذي اتخذه حزب التكتل بدعم المرشح فخامة الرئيس …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *