30 أبريل 2024 , 22:57

صراع الأجنحة حول هوية النهضة: تونسيــة… أم اخوانيـــة؟

668_33لم ينف راشد الغنوشي وجود صراعات وتجاذبات داخل حركة النهضة، وقال، في حوار صحفي، إنّه رغم ذلك تظلّ هياكل الحركة قائمة. لكن ألا يعني ذلك مؤشرا على حالة «تدافع» لأجنحة تتصارع من أجل الاستئثار بالقرار النهضاوي.
تونس ـ الشروق
موقف حركة النهضة من الانتخابات الرئاسية، الذي جاء في ظاهره متضمنا للحياد، كان نتيجة صراع رؤى داخل اجتماع «مجلس الشورى» هو انعكاس لصراع مقاربات داخل الحركة، لكلّ مقاربة قوتها وأنصارها.
ولعلّ الصراع في أقصاه داخل النهضة يتجلّى في استقالة الأمين العام السابق حمادي الجبالي وفي بيان الحبيب اللوز واحتجاج الصادق شورو… وتململ قيادات أخرى، جلّها ممن تعرف بقيادات السجن، في حين يعمل الجناح الأقوى الذي يمثله راشد الغنوشي على «عقلنة» مواقف النهضة وتونستها، رغم «التدافع» داخل هذا التصوّر، اذ ليس موقف الغنوشي ولطفي زيتون وسمير ديلو وعبد الحميد الجلاصي وفتحي العيادي رئيس مجلس الشورى…. مثل موقف علي العريض وعبد اللطيف المكي… رغم التقاء الموقفين ضدّ مقاربة اللوز وشورو.
راشد الغنوشي اعتبر أنّ تلك التجاذبات هي دليل على «ديمقراطية» الحركة، ولكن قراءة الاحداث قد تفنّد هذا الموقف، اذ عندما يبلغ الأمر حدّ الاستقالة مثل رياض الشعيبي سابقا أو حمادي الجبالي على خلفية الانتخابات الرئاسية أو حد اصدار الحبيب اللوز بيانا علنيا عبر فيه عن عدم موافقته على مواقف حركته، فهذا نوع من الخروج عن الصف وتمرّد على مركزية النهضة.
موقف النهضة الداعي، في ظاهره، الى الحياد بالنسبة الى الانتخابات الرئاسية في دورتها الثانية «تفويض أنصارها وناخبيها لاختيار من يرونه الاصلح لرئاسة تونس» لم يرض الجبالي واللوز والشق الذي يرى ضرورة اعلان النهضة مساندتها للمنصف المرزوقي، ودعوة أنصارها والناخبين الى ذلك، الاّ أن الموقف الأغلبي داخل مجلس الشورى لم يكن الى صفهم، واتجه نحو موقف الغنوشي، الذي أراد ترضية المتنافسين في الرئاسية فللغنوشي علاقات «جيّدة» مع الباجي قائد السبسي ولقواعد النهضة مزاج عام مع المرزوقي.
لكن حسابات السياسة وموازين القوى الجديدة التي فرضتها الانتخابات التشريعية والتي أعطت لنداء تونس الأغلبية في مجلس نواب الشعب وبالتالي اعطته سلطة تشكيل الحكومة، تفرض على الشق الذي يتزعمه الغنوشي، وهو الأقوى داخل الحركة، أن يخضع موقفه للمناورة باعتبار موازين القوى، اذ ليس للمرزوقي ما يقدمه للنهضة في حين لنداء تونس السلطة والبرلمان، وهو ما يجعله ينحو نحو السبسي.
لكن في مقابل ذلك فان المزاج العام لعدد مهم من أنصار النهضة متجه نحو المرزوقي، وهو معطى مهم، لا يمكن للقيادة تجاوزه، حتّى لا يكون موقف المؤسسة في واد وموقف الجماهير في واد آخر.
اذن الظرف الموضوعي الجديد الذي أنتجته الانتخابات التشريعية، وضع النهضة في موضع بين موقفين، لذلك حتى لا تخسر الباجي قائد السبسي ولا تخسر جزءًا كبيرا من جماهيرها، كانت مضطرّة للتعبير عن الحياد.
الا أنّ استتباعات هذا الموقف، الموجّه للناخبين النهضاويين، يعني تفويض الأمر لهم، وأمرهم محسوم لفائدة المرزوقي، اذ لن يتجهوا للتصويت لفائدة الباجي قائد السبسي، وهو ما يعني أن الحياد النهضاوي، لا يعني غير الدعوة لعدم التصويت للسبسي والتصويت لفائدة المرزوقي.
هذا الموقف أراده اللوز والشق الذي يمكن وصفه «بالراديكالي» أن يكون صريحا دون اللجوء الى التحليل، بأن تعلن الحركة بوضوح التصويت للمرزوقي، وهي نفس الرسالة التي تلقتها العديد من قيادات نداء تونس، بأنّ حياد النهضة لا يعني غير الدعوة لعدم التصويت للسبسي.
عدد من جماهير النهضة، عبّر في شبكات التواصل الاجتماعي أو ما ينقل عن اجتماعاتهم، عن عدم الرضا عن الموقف المركزي لمجلس الشورى، ولم يخف بعضهم نوعا من التمرّد والاصرار أن تساند حركة النهضة بوضوح المرزوقي، حليفهم في فترة الترويكا والأقرب لهم في مستوى المقاربة والتحليل.
واذا أخذنا بعين الاعتبار ما قاله عدنان منصر رئيس حملته في قناة المتوسّط بأن المرزوقي سيتحوّل الى ظاهرة اذا لم يفز بالرئاسية، مما يمكن أن يعني بأنّه قد يؤسس لحزب جديد، يجمع خاصة من جماهير النهضة الغاضبة على قيادتها، خاصة وأن حزبه الأصلي، المؤتمر من أجل الجمهورية لم يعد له الوزن الذي كان عليه زمن الترويكا. لذلك فانه من السيناريوهات الممكنة، أنّ خروج حمادي الجبالي على قاعدة المزايدة على قيادة النهضة، هي نوع من الارتماء في حاضنة تلك الجماهير النهضاوية الغاضبة، التي يمكن أن يجمعها لفائدته و«يقطع الطريق» أمام المرزوقي.
صراع أجنحة النهضة، هو في نهاية المطاف ليس صراعا من أجل السلطة بل هو صراع من أجل كيفية البقاء في السلطة، بين مقاربة اتعظت من تجربة مصر ومقاربة تؤمن بعنفية التدافع، وهو ما يترجم حالة الصراع الذاتي التي تعيشها النهضة بين أن تكون حركة تونسية بما يعنيه من وسطية واعتدال واستئناس بالتراث التونسي في كل مستوياته، وبين مقاربة أخرى لا ترى في حركة النهضة الا امتدادا سياسيا لحركة الاخوان المسلمين، رغم محاولات التعديل في بعض المواقف، اذن هو في نهاية المطاف صراع من أجل توجيه الحركة واعطائها ماهيتها وهويتها فهو اذن صراع هوية تعيشه النهضة.
منجي الخضراوي

شاهد أيضاً

ذكرى زيارة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه لطنجة سنة 1947 .. درس في الكفاح الوطني من أجل الوحدة والاستقلال

تحل اليوم الثلاثاء 9 أبريل الذكرى 77 للزيارة التاريخية الميمونة للمغفور له محمد الخامس، طيب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *