24 أبريل 2024 , 0:31

بورتريه: الفنان سليمان صو.. سنغالي الجنسية، ترّوزيّ الهوى.. غجري الطبيعة

sow (2)

للوهلة الأولى لا توحي لك هيئة سليمان صو بما تخفيه شخصيته، تخاله مسافرا عاديا من روصو الموريتانية إلى نظيرتها السنغالية؛ لكنه يفاجئك عندما يخرج ربابته من تحت كم فضفاضته، ويبدأ بالاحتراق عزفا وهو يجوب العـبَّـارة ذهابا وجيئة، مقدما ألحانا موريتانية وإفريقية وأخرى ذات صبغة عالمية.

الرجل الستيني ولد ذات يوم صيفي في مدينة سينلوي، لا يملك شيئا في هذا العالم إلى ابنتين إحداهما تدرس سنتها الأخيرة في قسم الصحافة بجامعة الشيخ آنتا جيوب، والأخرى زوجة لملازم فرنسي جاء من أجل فسحة سياحية لجزيرة غورى، فرافقته إلى مدينة ليل الفرنسية، وانقطعت أخبارها منذ أربع سنوات؛ يملك أيضا منزلا  في ريشاتول هو كل ما كسبه بعد 35 عاما من العمل المتواصل، ما  بين عامل بسيط في شركة الطيران السنغالية قبل أن تشتريها الخطوط الملكية المغربية، وسائق شاحنة في مزارع قصب السكر بريشاتول..  يحكي سليمان قصته بفرنسية مكسرة وحسانية متواضعة دون أن يرفع بصره عن رفيقة دربه آلة الرباب أو “نانورو” كما يطلق عليها في لغته الأم البولارية، أو “ريتي” بالوولفية.

sow (1)علاقة سليمان بولاية اترارزه علاقة الروح بالجسد كما يحلو له أن يصفها، يقول :”عندما كنت عاملا بمزارع قصب السكر بمدينة ريشاتول، كان يحلو لي في أوقات استراحتي أن اقطع النهر في اتجاه قرية بغداد الموريتانية القريبة جدا، لأحتسي كؤوس شاي بالنعناع، ولأتناول وجبتي المفضلة اللحم المشوي على الطريقة الموريتانية.. في هذه الفترة ارتبطت بعلاقات وثيقة مع بعض الأصدقاء من موريتانيا؛ قادتني هذه العلاقات إلى روصو ومن ثم إلى المذرذرة”، ويضيف الفنان صو “الآن بعد أن تقاعدت، وأصبح وقتي يخصني فأنا أمضي أغلبه في موريتانيا، حتى قادتني خطاي مرة إلى نواكشوط”.

تبدأ نهارات سليمان صو في التاسعة صباحا، مع بداية رحلات عبـّـارة روصو، أول الراكبين وآخر النازلين هو، يعبر النهر ما بين 10 إلى 15 مرة يعزف ويعزف دون توقف، لا يستجدي الناس إلحافا، لكنه لا يمانع إذا أرسل الله نفحة خير من رجل كريم يمنحه نقودا في جيبه أو يشتري له قنينة بصام بارد يقاوم بها حرارة الشمس الحارقة عندما تتحد مع الماء في عناق ملهم؛ المشهد كله يذكرك بفنان مغمور في ميترو أنفاق باريس يغني متجولا بين الركاب عساه يعود مساءً بثمن سجائره وكأس شرابه؛ الفرق الوحيد أن سليمان صو يغني تحت الشمس والفنان المغمور يغني تحت مدينة باريس.

المسافر البولاري يقضي النهار عادة في موريتانيا والليل في السنغال، يحمل همّ المجتمع البولاري على عاتقه، فهو يعتبر “الفلان” مجتمعا مهمشا، سواء في السنغال دولته التي ولد وتربى فيها، أو في موريتانيا الدولة التي تمنى دائما أن يمتلك جنسيتها أو في كل الدول الإفريقية التي زارها والتي سمع عنها.

عشقه لسفر والتنقل والترحال، ولعه بالموسيقى، إحساسه بالاضطهاد.. كل ذلك جعل من سليمان صو كاريكاتيرا لفنان غجري يجوب الشرق الأوروبي،  فكأن ريشاتول هي ترانسلفانيا وكأن موريتانيا هي بقية العالم، هي الأفق البعيد الذي تتوقف عنده أحلام الفنان المسافر أبدا.

sow (3)ارتباط سليمان بفناني موريتانيا يقتصر على الفنانين من الدرجة لثالثة، حيث حدثني عن النجمين “محمد جيتار” و”سويدات الطبل”، خجلت أن أنكر معرفتي بهما، لئلا أكسر أفق انتظاره، فاكتفيت بهز رأسي علامة الإيجاب.. فاسترسل قائلا “معهما أحيي بعض الأعراس في مدينة روصو وضواحيها، ومعهما كنت أحضر لإحياء حفل في مدينة نواكشوط لكن الظروف لم تساعد على ذلك”، وتحدث عن الصوت الجميل ديمي، فلما أشفعتها برحمة الله علينا وعليها، بدا وكأنه فوجئ فلم يكن على علم برحيلها.. آخر ما يفعله سليمان صو على الضفة الموريتانية هو شراء كيلوغرام من السكر وقطعة صابون كبيرة قبل الساعة السادسة مساء، ويستقل آخر رحلة للعبارة مرسلا ألحانه وبسماته وتحاياه للضفة الأخرى، وللشمس المائلة للغروب، ضاربا لهما موعدا غدا عندما تشرق الشمس ثانية وتتزيى الضفة بأحسن ما تملك في انتظار إطلاته.

شاهد أيضاً

الطاقة المتجددة في موريتانيا تشهد مشروعًا جديدًا.. بالتعاون مع ألمانيا

من المقرر أن تنتعش مشروعات الطاقة المتجددة في موريتانيا، من خلال إقامة مشروع طاقي تنموي …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *