فيلم «تمبكتو شجن الطيور» لعبد الرحمان سيساكو :شهـــادة علــــــى جرائـــم المتطرفين!

تمبكتو شجن الطيور سيبقى هذا الفيلم في ذاكرة عشاق السينما الذين مكنتهم الدورة الخامسة والعشرون لايام قرطاج السينمائية من مشاهدته في سهرة الافتتاح بعد ان نافس على السعفة الذهبية لمهرجان كان .
لم يختلف شريط تمبكتو عن المسار السينمائي لسيسكو الذي عرفه به الجمهور في كل أعماله التي افتتحها بـ«اللعبة» 1989 ثم «أكتوبر» 1993 و«الجمل والعصي الطافية «1995العابر»1995صابرية 1996 الذي أنتجته درة بوشوشة وتم تصويره في الصحراء التونسية و«روستوف ـ لواندا»1997و«الحياة فوق الأرض» 2000 «هيرماكونو» 2002 «باماكو» 2006.
فعبدالرحمان سيسكو الذي عاش طفولته في مالي بعد ان استقرت عائلته القادمة من موريتانيا فيها شغف منذ البداية بالعوالم الافريقية في جانبها العربي الاسلامي فكانت أعماله غارقة في الحياة اليومية لمنطقة الساحل الأفريقي والصحراء الكبرى بما فيها من شظف العيش وجوانب أسطورية ساحرة ولم تفارق المسحة الشعرية كل أعماله .
تمبكتو شجن الطيور هو شهادة تدين التيارات الدينية المتطرفة التي صادرت الحياة في شمال مالي منذ ان سيطرت على مدنه سنة 2012 ورغم التدخل الفرنسي مازالت هذه المجموعات الإرهابية تستنزف المقدرات العسكرية والأمنية لهذا البلد الفقير . الفيلم يبدأ بمشهد مطاردة غزالة تعدو في الصحراء هاربة من سيارة رباعية الدفع تقل مجموعة من الملثمين المدججين بالسلاح (الكلاشنكوف) رافعين شعار «الدولة الاسلامية» يوجهون وابلا من الرصاص نحو الغزالة الوحيدة التي تحاول النجاة من رصاصهم مثل كل الأشياء الجميلة التي صادرها المتطرفون ويستقر الرصاص في نصب فنية في دلالة واضحة على معاداة الاسلاميين للفن والثقافة وهم الذين اغتالوا المفكرين والفنانين .
سيسكو اختار حكاية رجل فقير متعلق بزوجته «فاطمة» وابنته الوحيدة «تيوا» وبقرته مصدر رزقه الوحيد ،يفقد «كيدان» بقرته التي يقتلها «أمدو» ويتورط في جريمة قتل غير مقصود في خصام مع أمدو تعتقله «الشرطة الاسلامية» وتقيم عليه الحد . تحاول زوجته انقاذه لكنهما يقتلان معا برصاص الشرطة الاسلامية وينتهي الشريط بمشهد الطفلة تيوا ذات 12 عاما وهي تجري وحيدة في الصحراء!
بالتوازي مع هذه الحكاية الدرامية يقدم سيسكو بانوراما الحياة اليومية تحت وطأة قهر واستبداد الاسلاميين الذين منعوا كرة القدم والموسيقى فنرى مشهد الشبان الذين يلعبون كرة القدم دون كرة في مشهد سريالي يكشف عن حجم الاستبداد والفاشية الدينية كما يرتفع صوت المغنية الشابة وهي تجلد بعد ان ارتكبت جريمة الغناء كما نرى مشهد تنفيذ حكم الحد ضد عاشقين تم دفنهما احياء !
فيلم موجع
شريط تمبكتو الذي اثار جدلا كبيرا عندما عرض في مهرجان كان مثل صرخة احتجاج ضد جرائم الاسلاميبن الذين صادروا الحياة الجميلة ومنعوا كل شىء وحولوا تمبكتو التي كانت رمزا للتعايش بين الافارقة والعرب المسلمين الذين نشروا الاسلام في الساحل الأفريقي عبر مدينة تمبكتو التي كانت لها علاقات وثيقة مع القيروان .
ورغم ان البعض رأى فيها تكرارا للكليشهات التي تردد دائما في علاقة بحكم الاسلاميين الا انه يبقى شريطا مثل شهادة على جرائم ضد الانسانية ارتكبت وترتكب باسم الاسلام وهو منها براء كما كشف الشريط على ان ظاهرة الاٍرهاب ليس محلية بل إقليمية اذ ان قادة التيارات الاسلامية الذين يحكمون في شمال مالي لم يكونوا ماليين بل من منطقة المغرب العربي.
تونس (الشروق) ـ كتب نورالدين بالطيب