1 مايو 2024 , 16:45

تونس: تكهنات مبكرة بشأن الحكومة الجديدة

timthumb.phpشرعت قيادات حزب «نداء تونس»، الذي يحظى بغالبية المقاعد في البرلمان المنتخب، في بحث سيناريوهات تشكيل الحكومة المقبلة، بحسب ما يخوّله لها الدستور الجديد، غير أن جميع الخيارات المطروحة مرتبطة بنتائج الانتخابات الرئاسية التي ستجرى دورتها الأولى الأحد المقبل.

ويودّع نواب المجلس الوطني التأسيسي، اليوم، رحاب البرلمان، عبر جلسة عامة ختامية لتتويج المرحلة الانتقالية، قبل إفساح المجال للنواب المنتخبين لاستلام السلطة التشريعية في منتصف شهر كانون الأول المقبل.
وتتجنب جميع الأحزاب الفائزة في الانتخابات التشريعية الأخيرة (26 تشرين الثاني الحالي) والمعنية بتشكيل الحكومة توضيح مستقبل تحالفاتها البرلمانية والحكومية قبل أن تضع الانتخابات الرئاسية أوزارها.
ولكن في قراءة استباقية للتوزيع الجديد في البرلمان التونسي، فإن الحياة السياسية تبدو أمام خمسة مسارات، فإما تشكيل حكومة وحدة وطنية، أو تشكيل حكومة تكنوقراط، أو تشكيل حكومة حزبية من دون إسلاميين، أو حكومة حزبية بالتحالف مع الإسلاميين، فيما يتمثل المسار الأخير في الفشل في تشكيل الحكومة وحل البرلمان.
حكومة وحدة وطنية
يعتبر سيناريو تشكيل حكومة وحدة وطنية أقرب إلى المشهد السياسي التونسي من السيناريوهات، فزعيم «نداء تونس» الباجي قائد السبسي سبق ان اكد أن حزبه لن يتغول على الحكم، كما تروج اطراف معادية له، وأنه إذا فاز في انتخابات الرئاسة بعد حصول حزبه على غالبية مقاعد البرلمان، فإن الجميع معني بتشكيل الحكومة المقبلة، ولن يبقى أحد على قارعة الطريق، مشيراً إلى ان عدداً من المرشحين للسباق الرئاسي يمكنهم تولي حقائب وزارية.
ويرى مراقبون أن الحكومة المقبلة ستتوسع على جميع الأحزاب والشخصيات التي ستقبل بالمشترك الحكومي الذي سيرسمه «نداء تونس»، وقد تتسع الرقعة لضمان الوحدة الوطنية الى وضع حقائب وزارية على ذمة «الاتحاد العام التونسي للشغل» و«اتحاد الصناعة والتجارة» وعمادة المحامين ورابطة حقوق الانسان باعتبار ان تلك الهياكل قادت قاطرة الانتقال الديموقراطي الى حدود اجراء الانتخابات التشريعية وأشرفت على تجميع كل الفرقاء السياسيين الى طاولة حوار وطني اثر أزمة العام 2013.
حكومة تكنوقراط
يعدّ سيناريو تشكيل حكومة تكنوقراط مطروحاً بقدر أقل من سيناريو الوحدة الوطنية، وهذا الحل تطرحه الأحزاب الديموقراطية التي خسرت سباق الانتخابات التشريعية الأخيرة، وتراه منفذاً حتى لا يسيطر حزب «نداء تونس» على جميع مفاصل الحكم (رئاسة البرلمان ورئاسة الحكومة ورئاسة الجمهورية)، وحلاً مناسباً للوضع الاقتصادي والسياسي الهش الذي تمر به تونس.
وتعزي القوى الديموقراطية هذا الطرح بنجاح تجربة حكومة التكنوقراط التي يقودها رئيس الحكومة مهدي جمعة حالياً، ويرون فيها قدرا كبيرا من الحياد والكفاءة لقيادة الخماسية المقبلة، التي يصفونها بالدقيقة والصعبة في انتظار تركيز المؤسسات الدستورية الكفيلة بحماية الديموقراطية في البلاد، وحتى تتمكن الدولة من تطويق ظاهرة الارهاب والحد من انتشارها.
ويقول رئيس المجلس الوطني التأسيسي (البرلمان الحالي) مصطفى بن جعفر لـ«السفير» إن المشهد البرلماني الحالي مختل، فهي محل احتكار «نداء تونس» و«النهضة»، مع تمثيل ضعيف للعائلة اليسارية («الجبهة الشعبية»)، وغياب تام للأحزاب الاجتماعية والوسطية، ما يقود البلاد الى أزمة سياسية تتمثل في فوز زعيم «نداء تونس» بالرئاسة، الذي سيصبح رئيسا للقصبة (مقر الحكومة) وقرطاج (مقر الرئاسة) وباردو (مقر البرلمان).
ويعتبر بن جعفر أن أي حكومة حزبية منبثقة عن تحالفات «نداء تونس»، سواء كانت «النهضة» (الحزب الاسلامي) شريكاً أو معارضاً، ستقود الى احتقان اجتماعي وتصادم بين الفرقاء السياسيين وربما الى ثورة جديدة، باعتبار أن أسباب قيام الثورة ستتكرر بالانفراد بالحكم والمس بالحقوق والحريات الى جانب البطالة والفقر والتهميش، مؤكداً أن الحل يتمثل في انتخاب رئيس للجمهورية يلعب دور الحكم بين الفائزين في البرلمان ويدير الأزمات ويكون متشبعاً بالحقوق والحريات.
حكومة حزبية من دون إسلاميين
أخذت «حركة النهضة» تستعد بقوة للعودة البرلمانية بكتلة تضم 69 نائبا، وعقد النواب المنتخبون حديثا جلستين لاختيار من سيقودهم في البرلمان في الفترة المقبلة، وقد رشّح لرئاسة المجوعة البرلمانية النائب علي العريض، رئيس الحكومة السابق والأمين العام لـ«حركة النهضة»، وهو ما يؤكد استعداد الاسلاميين لخوض تجربة المعارضة البرلمانية وضعف نوايا الالتحاق بحكومة «نداء تونس».
يذكر ان «حركة النهضة» خاضت تجربة الحكم طيلة ثلاث سنوات، خسرت بعدها ما يناهز 20 مقعدا مقارنة بحجمها البرلماني في المجلس الوطني التأسيسي.
ويعتبر نائب رئيس «حركة النهضة» عبد الحميد الجلاصي أنها في وضع سياسي مريح ولها وزنها في المشهد ولا يمكن أن يمر أي قرار الا عبرها وبعد استشارتها.
ويضيف الجلاصي، في حديث إلى «السفير»، انهم لا يخشون تجربة المعارضة، وأنهم على أتم الاستعداد لجميع السيناريوهات، معتبراً أن الحديث عن تحالف حكومي مع «نداء تونس» يعد أمراً سابقا لأوانه قبل إعلان نتائج انتخابات الرئاسة.
حكومة حزبية مع الإسلاميين
لم يستبعد قيادي حركة «نداء تونس» ناجي جلول في تصريح تلفزيوني تشكيل ائتلاف حكومي بين «نداء تونس» و«حركة النهضة» وفق قواسم مشتركة تخدم المصلحة الوطنية، ولكن من دون الحديث عن تحالف استراتيجي، خصوصاً ان الحزبين يختلفان سياسيا وإيديولوجيا بين حزب علماني حداثي وآخر إسلامي، ولكن يمكن أن يجتمعا على طرح اقتصادي خلال الخماسية المقبلة.
ولعل حصول تحالف بين «نداء تونس» (86 مقعداً) و«حركة النهضة» (69 مقعدا)، بما يمثل ثلثي المقاعد البرلمانية، يقضي على أحلام العدالة الاجتماعية للمعارضة اليسارية، ومن شأنه أن يجعل تمرير كل الملفات المالية والاقتصادية في البرلمان الجديد يصب في خدمة الليبراليين.
حل البرلمان
وتبقى هذه التوليفة صعبة نظرا للرفض العميق لقواعد النهضة الراديكالية لأي عمل مشترك مع «نداء تونس»، ويرون فيها العدو اللدود الذي يهدد بقاء أحزاب الإسلام السياسي في تونس، خاصة إذا ما فاز السبسي برئاسة الجمهورية.
ويمر مسار تشكيل الحكومة التونسية الجديدة عبر أجال مضبوطة في مواد الدستور الجديد حسب ما يوضح خبير القانون الدستوري قيس سعيد لـ«السفير»، فالحزب الفائز بغالبية الأصوات في البرلمان مطالب بتعيين شخصية لرئاسة الحكومة بعد أسبوع من إعلان النتائج النهائية للانتخابات التشريعية، والذي لن يتجاوز 26 تشرين الثاني حسب تقديره، فيما يفتتح البرلمان الجديد اعماله بعد 15 يوما من هذا التاريخ. ومنذ تاريخ تكليف رئيس الحكومة الجديد، تبقى أمام «نداء تونس» آجال لشهر لتجميع غالبية بنصف أعضاء البرلمان زائدا واحدا لمنح الثقة للحكومة (109 من 217 نائب)، فيما يسمح الدستور بتمديد بشهر آخر كفرصة أخيرة لتشكيل الحكومة، وبعد انقضاء اجل الشهرين، يقع حل البرلمان ويدعو رئيس الجمهورية إلى انتخابات تشريعية جديدة.
ويبقى الدخول في نفق أزمة سياسية تنتهي بحل البرلمان أمرا مستبعداً، ولكن المؤكد أن أي تحالف حكومي سيكون رهن نتائج انتخابات الرئاسة التي تتعزز فيها حظوظ الباجي قائد السبسي يوماً بعد يوم في المرور إلى الدورة الثانية، بينما يتنافس بقية المترشحين على الرقم الثاني.
وفي زخم الحملة الرئاسية يتهاوى المرشحون للانتخابات الرئاسية، حتى بلغ عدد المنسحبين اربعة مرشحين، كان اولهم الوزير السابق في حكومة بن علي عبد الرحيم الزواري، ثم زعيم «حزب التحالف» محمد الحامدي الذي لم يحصل على أي مقعد في التشريعية. وانسحب أمس الأول كل من نور الدين حشاد، ابن الزعيم النقابي الراحل فرحات حشاد، ومحافظ المصرف المركزي السابق مصطفى كمال النابلي، فيما تسري معلومات بشأن نية بعض الوزراء السابقين في حكومة الرئيس المخلوع الانسحاب من السباق الرئاسي قبل اجراء الانتخابات يوم الأحد المقبل.

شاهد أيضاً

ذكرى زيارة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه لطنجة سنة 1947 .. درس في الكفاح الوطني من أجل الوحدة والاستقلال

تحل اليوم الثلاثاء 9 أبريل الذكرى 77 للزيارة التاريخية الميمونة للمغفور له محمد الخامس، طيب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *